•• كان المقال الأول معبرا عن الجزء السهل فى مسألة الذهاب إلى المونديال.. وهو جزء سهل لأنه يتعلق بالأفكار، والأخلاق، والفهم الحقيقى للعمل العام والخطاب الإعلامى العام الذى يتوجه إلى الناس. وهذا كله يمكن تغييره، ومن ذلك ألا تكتب أبدا (مثلا) أو تقال جملة: طالب المدرب لاعبيه بالفوز.. فماذا يمكن أن يطلب غير ذلك؟! •• الجزء الصعب هو العمل باحتراف ودقة والعمل برؤية وعلم. فمنذ نصف قرن لم نصنع خطة فى أى شىء. من سكة حديد مصر إلى كرة قدم مصر. نعم حققنا انتصارات وتفوقنا مرات على المستوى الأفريقى، لكن ذلك لم يعد كافيا. والمشكلة فى مصر معروفة. لايوجد تخطيط طويل الأجل. ولانعرف الصبر، لأن صبرنا قصير الأجل.. ولانطالب الذين يديرون شئون كرة القدم باختراع عجلة. وإنما نسخ تجارب الآخرين وأخذ مايمكن تنفيذه منها بما نملكه من إمكانات، بشرط أن يتعاون الجميع للصالح العام ومن أجل اللعبة ومن أجل الوطن، فلايكون تشكيل لجنة الأندية مثلا خناقة؟! •• الصالح العام.. تلك هى البداية. ثم نرى ماذا فعلت ألمانيا التى هزمت إنجلترا وديا مرة أخرى فى ويمبلى مؤخرا. ومضت فى طريقها إلى المونديال. وكان الفوز الكبير الذى حققه فريقا بايرن ميونيخ وبروسيا دورتموند على العملاقين الإسبانيين برشلونة وريال مدريد فى دورى أبطال أوروبا فى الموسم الماضى هو نتاج 13 عاما من العمل والتخطيط ؟ •• كانت ألمانيا مرت بفترة صعبة غابت فيها كرتها عن الكرة الأوروبية. وتحديدا عام 2000 حين حصل المنتخب على نقطة واحدة وسجل هدفا واحدا فى مجموعته ببطولة كأس الأمم. وهنا قرر الاتحاد الألمانى فتح الباب أمام الأجانب تماما تيمنا بالتجربة الإيطالية فى الثمانينيات والتسعينيات. وذلك لم يكن كافيا. فقد اكتشف الألمان أنهم لاينتجون لاعبين صغارا أصحاب مهارات مميزة. فبدأت أكبر عملية لتنمية وصناعة المواهب الصغيرة عام 2001، إذا قرر اتحاد كرة القدم إنشاء أكاديميات ناشئين فى أنحاء البلاد. وأنفق الاتحاد 800 مليون يورو لإنشاء ملاعب عشب طبيعى، وعشب صناعى، وإضاءتها أيضا، وكانت تلك الخطوة الأولى. •• الخطوة الثانية كانت إعداد أجيال جديدة من المدربين للإشراف على مراحل الناشئين والشباب، لصناعة المواهب وخلال 10 سنوات كان هناك 17 ألف مدرب للشباب، مقابل 900 فقط فى إنجلترا لنفس المرحلة. ( ترى كم مدربا فى مصر لتلك المرحلة ؟ ). وفى مونديال جنوب أفريقيا كان المنتخب متميزا بالسرعة والحيوية، بجيل شاب جديد ضم أسماء توماس موللر، ومسعود أوزيل، وباد شتوبر، وتونى كروس وغيرهم. ( موللر وماركو ريوس مواليد 1989. وتونى كروس وجوندوجان مواليد 1990. وماريو جوتزة مواليد 1992..) •• الأكاديميات التى أنشئت فى ألمانيا كانت لمراحل سنية من 12 حتى 23 سنة. وفى عام 2002 كانت نسبة اللاعبين الأجانب 60% والآن أصبحت نسبة اللاعبين الألمان 60 %.. •• كرة القدم فى ألمانيا صناعة متكاملة، وعملا رياضيا له أهدافه الاجتماعية.. بينما هنا كانت عملا سياسيا من جانب الدولة، ولغوا ولهوا من جانب ممارسيها ثم أصبحت حلبة لصراعات غوغائية يلعب فيها شباب لعبة التمرد والرفض.. فضاعت اللعبة وفقدت رونقها وبهجتها.. وباتت ساحات الكرة ملاعب للكراهية والعنصرية والعنف والاعتداء.. وانتشرت فيها رايات الحرب بدلا من أعلام المرح والبهجة واللعب.. فكيف نصل إلى كأس العالم ؟!