الفوز الكبير الذى حققه فريقا بايرن ميونيخ وبروسيا دورتموند على العملاقين الإسبانيين برشلونة وريال مدريد فى دورى أبطال أوروبا هو نتاج 13 عاما من العمل والتخطيط فى أوساط الكرة الألمانية.. وكنت طرحت السؤال قبل أيام فى نهاية التعليق على مباراة بروسيا وريال مدريد.. ماذا فعلت ألمانيا؟ ●● بداية أعتقد أن صحوة الكرة الألمانية تجلت فى مونديال 2010 بجنوب إفريقيا، وأن المنتخب كان يستحق الاستمرار والفوز بالكأس، إلا أنه تعثر أمام المنتخب الإسبانى فى الدور قبل النهائى. وأسجل ذلك كى أوضح أن نهضة الكرة الألمانية كانت مشهودة قبل ثلاث سنوات، وقبل الانتصارين الساحقين لفريقى بايرن وبروسيا. ويذكر أن ألمانيا مرت بفترة صعبة غابت فيها كرتها عن الكرة الأوروبية. وتحديدا عام 2000 حين حصل المنتخب على نقطة واحدة وسجل هدفا واحدا فى مجموعته ببطولة كأس الأمم. وكانت تلك الحصيلة بمثابة الخط الأحمر أمام الاتحاد. (خط أحمر بجد وليس مثل الخطوط الحمراء التى لا تعد ولا تحصى ولا قيمة لها فى واقعنا).
●● قرر الاتحاد الألمانى عدم تكرار تجاربه السابقة، التى نقل فيها نجاحات دول أوروبية مجاورة، لاسيما على مستوى المسابقات المحلية، فقد قرر فتح الباب أمام الأجانب تماما تيمنا بالتجربة الإيطالية فى الثمانينيات والتسعينيات. لكن ذلك لم يكن كافيا. فقد اكتشف الألمان أنهم لا ينتجون لاعبين صغارا أصحاب مهارات مميزة. فبدأت أكبر عملية لتنمية وصناعة المواهب الصغيرة عام 2001، إذ قرر اتحاد كرة القدم إنشاء أكاديميات ناشئين فى أنحاء البلاد. وأنفق الاتحاد 800 مليون يورو لإنشاء ملاعب عشب طبيعى، وعشب صناعى، وإضاءتها أيضا، وكانت تلك الخطوة الأولى.
●● الخطوة الثانية كانت إعداد أجيال جديدة من المدربين للإشراف على مراحل الناشئين والشباب، لصناعة المواهب وخلال 10 سنوات كان هناك 17 ألف مدرب للشباب، مقابل 900 فقط فى إنجلترا لنفس المرحلة. (ترى كم مدربا فى مصر لتلك المرحلة ؟). وفى مونديال جنوب إفريقيا كان المنتخب متميزا بالسرعة والحيوية، بجيل شاب جديد ضم أسماء توماس موللر، ومسعود أوزيل، وباد شتوبر، وتونى كروس وغيرهم. وبالمناسبة موللر وماركو ريوس مواليد 1989. وتونى كروس وجوندوجان مواليد 1990. وماريو جوتزة مواليد 1992.. وتلك مجرد أمثلة للأعمار.
●● الأكاديميات التى أنشئت فى ألمانيا كانت لمراحل سنية من 12 حتى 23 سنة. وفى عام 2002 نسبة اللاعبين الأجانب 60% والآن أصبحت نسبة اللاعبين الألمان 60 %.. وهم يستعينون باللاعبين الأجانب، لكنهم ليسوا الأغلبية.. وبالطبع أصبح البولندى ليفاندوفسكى صاحب الأهداف الأربعة فى مرمى الريال هدفا للعديد من الأندية الأوروبية وأولها بايرن ميونيخ، بجانب مانشستر يونايتد، ومانشستر سيتى، وربما قريبا باريس سان جرمان. وعقد اللاعب ينتهى العام المقبل. لكنه قد ينتقل انتقالا حرا، وهنا قد يرغب بروسيا دورتموند فى الفوز بمبلغ مالى كبير ويوافق على بيعه، وذلك بالرغم من تصريحات إدارة ناديه التى تؤكد رفض بيعه.
●● كرة القدم فى ألمانيا صناعة متكاملة، وعملا رياضيا له أهدافه الاجتماعية. فمن جهة لم ينس الألمان علاقة المواطن التى توطدت مع علم بلاده فى مونديال 2006. ومن جهة أخرى يرى اتحاد الكرة أن الشعب، أى الجمهور، هو جزء أصيل من الصناعة. ليس الهدف هو تحقيق أرباح من الشعب. لأن الأرباح تتحقق بالتسويق الجيد، وبشركات الرعاية. وعملت الأندية على تخفيض أسعار تذاكر المباريات من أجل الحضور الجماهيرى.. وفى العام الماضى كانت إيرادات بايرن ميونيخ 173 مليون إسترلينى. وهى الأعلى فى تاريخ الأندية الأوربية. وهذا النادى الغنى قدم قرضا عام 2005 لفريق بروسيا دورتموند لإنقاذه من الإنهيار. وفى السنوات الماضية نجح بروسيا فى تخفيض ديونه من 143 مليون إسترلينى إلى 11 مليونا.. ومن أجل مساعدة الأندية الفقيرة لعب بايرن ميونيخ مباراة مع فريق أخن بالدرجة الثانية ومنحه الإيراد وكان نصف مليون يورو.
(هذه هى الفكرة الاجتماعية فى نشاط كرة القدم.. لكن نقول لمين؟).
●● هذا الرهان على الشباب بجانب أصحاب الخبرة هبط بمعدل الأعمار فى الكرة الألمانية، ومع تكنولوجيا الرياضة والتغذية، وبجانب الإصرار فى الأداء أصبح اللاعب الألمانى مفعما الحيوية والديناميكية، وهو يلعب ببهجة وسعادة ومتعة وشراسة. وهو مزيج فريد..
●● برشلونة أو ريال مدريد يمرض ولا يموت (الجملة أعرفها مش غريبة على) ويبقى أن الكرة الجميلة وجمال الأداء لا يقتصر على المراوغة، والتمرير بالكعب، والتمرير بين الأقدام. فالجمال فى تنوع الأساليب، ومنها سرعة الهجوم المضاد، والدقة، والتنظيم والانضباط والضغط وتبادل المراكز وتبادل الكرة، وروح الفريق، وإبداع اللحظة. وبقدر ما شاهدنا الجمال فى أداء برشلونة وريال مدريد والبرازيل وإيطاليا وهولندا، وفرنسا كل فى زمنه ووقته.. حاولوا أن تروا الجمال الجديد فى الكرة الجديدة.