التقيته يبدل ربطة العنق بواحدة كان يضعها فى جيبه على مسافة خطوات قبل دخول مقر التليفزيون المصري وسمعت رجل الأمن يهمس لزميله : الراجل ده كان هنا منذ وقت بسيط وخرج ثم عاد مرة اخرى والله شغلانة مربحة . وداخل المصعد سألت المتأنق بربطته الجديده التى استبدلها : حضرتك بتشتغل آيه؟ فقال على الفور وبلا تردد : ناشط سياسي ، فقلت : اقصد وظيفتك ، عملك ؟ فرد مكررآ ناشط وخبير ومحلل اختر منها ماشئت ثم غادر المصعد متوجهآ الى الاستديو . الباشا يخرج من هذه القناة ويدخل الى تلك لينفث سمومه وافكاره المثيرة ، راسمآ على وجهه علامات القلق على مصير البلد ، وقد عرف خبايا اللعبة فكلما رفع سقف هجومه ، وعلا صوته ، وتشنج فى طرحه ، وقاطع الضيوف الآخرين ، كلما ارتفعت قيمته فى بورصة برامج { التوك شو} والحكايه بسيطة فهو يملك ارقام هواتف المعدين وبعض المذيعين ، ويتصل بهم يوميآ مشيدآ ببرامجهم كي يذكرهم بنفسه ويظل حاضرآ فى أذهانهم وجالسآ فى ستديوهاتهم. المهنة ناشط سياسي ، ولا مانع من التنوع والظهور تحت مسمى خبير استراتيجي ، او محلل سياسي ، وممكن المفكر السياسي ، وكله بحسابه ، ففي مدينة الانتاج الاعلامي تتجاور القنوات الفضائية وتتخاطف الضيوف فيخرجون من هذه ويذهبوا الى تلك ، وبعضهم يضع تسعيرة مالية لا يتنازل عنها ، مدركآ ان المشوار المجهد الى مكان القنوات وطول المسافة يصعب من مهمة القائمين على البرامج بحثآ عن ضيوف للمشاركة فى الجدال الذي لا ينتهي ويلقي بالمشاهدين ارضآ لهول الأكتئاب مما يسمعونه من هؤلاء الناشطين اللاعبين بقوة فى غسل عقول المراهقين . الناشط له سعر يختلف عن الخبير الاعلامي او الخبير الاستراتيجي ، ومعظمهم يعلمون اتجاه المذيع ورغبته فى الحوارويتلونون وفقآ لما يريد ، فقد استمعت الى من يطلق على نفسه خبير اعلامي يهاجم مذيعآ لامعآ وينتقده بشده لتهجمه على المجلس العسكري ، وفى اليوم التالي استمعت اليه بوجه مختلف اطاح بالمجلس العسكري بالضربة القاضية ، ولا مانع من التلون كالحرباء ، فالفوضى ضاربة فى الساحة الاعلامية ، ولا أحد يفهم شيئآ ، وكله يتكلم ويحلل ويشتم ويتطاول ويخترق الحدود والخطوط دون رادع ، مادام وجهه الوسيم يطل علينا كل يوم من شاشات الفضائيات المغرضة الغامضة فى تمويلها وتوجهاتها . كان الله معك يامصر فى هذه المحنة ورحم الله ابناء الوطن الذي بات العوبة في يد النشطاء السياسيين الفضائيين المتلونين وليحاسبهم الله على هذا العبث.