حكوا أن رجلاً كان يحمل قطاً، فقابله رجل فقال له: ما هذا القط؟، وقابله ثان فقال له: ما هذا الهر؟، وقابله ثالث فقال له: ما هذا السنور؟، وقابله رابع فقال: ما هذا السبع؟، وقابله خامس فقال: ما هذا الخيطل؟، وقابله سادس فقال: ما هذا الهزبر؟، فقال الرجل: كل هذه الأسماء؟، لابد أن ثمنه كبير، فذهب إلى السوق وهو يمنى نفسه بالغنى، فوقف يعرضه للبيع فكان ثمنه درهماً واحداً، فرماه على الأرض وقال: قاتلك الله، ما أكثر أسماءك وأقل غناءك.. هذه الحكاية تذكرتها وأنا أستمع لبعض البرامج الفضائية، حيث قدم المذيع ضيفه بالناشط السياسى، وقدم آخر بأنه أحد شباب الثورة، وقدم ثالث بالكاتب الثورى، ورابع بالمحلل الاستراتيجى، وقبل يوم كنت أتابع احد البرامج، أذاعوا فقرة لمراسل من ميدان التحرير، قدم أحد الشباب نفسه بكل ثقة وفخر: من شباب الثورة، ووصف آخر نفسه ب: بالمتحدث الرسمي لائتلاف، وثالث: ناشط حقوقى وثورى. قبل الثورة كنا نسمعهم يقدمون الضيوف بكلمات مثل: المحلل السياسى،، المفكر والمفكر الكبير، والكاتب والكاتب الكبير، والاعلامى الكبير والقدير واللامع، والفنان الكبير والقدير بعد الثورة نفس الأشخاص الذين كانوا يحملون ألقاب المفكر والاستراتيجي والمحلل والقدير والكبير، أضافوا لألقابهم صفة الثوري، أو أصبحوا يقدمون أنفسهم بالنشطاء. وغير خفى عن احد أن الناشط على نوعين منه الناشط السياسى، ومنه الناشط الثورى، وحسب متابعتى للنشطاء فى الفضائيات وعلى صفحات الجرائد ومواقع الانترنت، الناشط الثورى أو هو الثائر دائما فى الميادين والفضائيات، وتميزه عن الناشط السياسى من حدته وانفعاله، وأيضا من أفعاله الثورية، فهو الذى تراه يمشى فى مظاهرة، أو يحمل لافتة كتب عليها: «يسقط حكم العسكر، أو عيش حرية عدالة اجتماعية، أو يا طنطاوى قول الحق مرسى هو الريس ولا لاء»، والناشط كذلك الذى يمارس نشاطه أمام عدسات الفضائيات ويقدم نفسه بكل ثقة: ناشط ثورى. الناشط السياسى يختلف تماما عن الناشط الثورى، حسب ملاحظتى لهم فى البرامج هو الذى يشارك فى كل الفعاليات السياسية، فى ائتلاف، فى حزب جديد، فى حركة، فى كتابة وقراءة بيان، وهو يتميز بالمرونة عن الناشط الثورى، فهو ينتقل من ائتلاف إلى آخر، أو من حزب إلى حزب بحثا عن تحقيق مطالب الثورة، الناشط الثورى كرس يومه للمشاركة في المظاهرات والهتافات والاعتصامات. والحقيقة حاولت بقدر الإمكان أن أميز بين المحلل السياسي والإستراتيجي وقد فشلت، عدة مرات أجلس أمام الشاشة وأستمع للبرامج بانتباه شديد ولكن للأسف لم أقدر على التمييز بينهما، ربما الذي دفعني للفشل هم الأشخاص أنفسهم، اليوم يقدم نفسه بمحلل، وفى أيام أخرى يقدمه المذيع بالاستراتيجي، والذي يبرجل الدماغ أن كلام المحلل مثل كلام الاستراتيجي مثل كلام الناشط السياسي، مثل كلام الناشط الحقوقي. وربما بسبب كثرة هذه المسميات والألقاب وتداخلها، وبسبب تشابه ما يقال، انصرفت عن متابعة البرامج الإخبارية منذ فترة ليست بقصيرة، خاصة البرامج التي تحول فيها المذيعون والمذيعات إلى مفكرين ونشطاء ثوريين، اكتشفت ان قدراتي على المتابعة والتركيز قد تصاب بالعجر بسبب انشغالي طوال فترة البرنامج فى التمييز بين الشخصيات، المذيع ناشط أو ثوري أو استراتيجي، والضيف ناشط وثورى واستراتيجي، والغريب أن الذين يجرون مداخلات على الهاتف نفس الشيء ثورى وناشط واستراتيجي، خفت على دماغي يتبرجل، أغلط وأقدم نفسى للضيوف فى البيت أو فى وسائل المواصلات: ناشط ثوري، أو استراتيجي، لهذا قررت وأنا مرتاح البال أن أقاطع هذه النوعية من البرامج، لا أسمع ولا أشاهد ولا أقرأ أي شيء لناشط أو ثوري أو استراتيجي.