استمعت مصادفة يوم الجمعة الماضية إلى برنامج إذاعى وهالنى كم الصراخ الذى كان يخرج من الراديو والصادر من الضيف والذى تبينت أنه خبير استراتيجى تمت استضافته فى برنامج مائدة الحوار لكن ما دار كان بعيدا تماما عن الحوار ولا أجد ما يوصف به سوى أنه جلسة لجلد الثورة والثوار, فالضيف له تفسير لكل ما يدور فى البلاد من أمور سياسية واجتماعية ودينية واقتصادية وتشريعية وكونها أموراً خارج تخصصه العسكرى كان يفترض أن يتواضع ويقرر أنها وجهة نظره لكنه كان يتحدث كما لو كان العالم ببواطن الأمور وما ينطق به هو الحقيقة بل تجاوز وتحدث باسم المجلس العسكرى ورغم أن معلوماتى المتواضعة أنه ترك الخدمة منذ سنوات طويلة اللهم إذا كان المجلس الأعلى للقوات المسلحة أوكل إليه مهمة لا نعلمها وإلا لماذا يتحدث بصيغة إحنا عاوزين نرجع السكنات, ويطرح نصيحة إلغاء جميع المظاهرات كى لا يقع ضحايا. ولأن الإذاعة المصرية تعانى من الانهيار منذ سنوات بعيدة وأداءها على مدار أيام الثورة لم يختلف عن أداء التليفزيون, وكانت من الأدوات التى استخدمت لحشد الرأى العام ضد المتظاهرين من المكالمات مع المواطنين وبالمصادفة كانوا جميعا محبين للرئيس المخلوع ..! بل وصلت الجرأة بأحد المتصلين أن يطالب الأمن بسحق المتظاهرين فى الميدان لأن شوية عيال وقفوا حال البلد وسط تأييد صامت من المذيع الذى تلقى المكالمة, ولم يختلف أداء المذيعين بعد الثورة ففى مائدة حوار البرنامج العام لم يتدخل مذيع ومذيعة لحوار الخبير الاستراتيجى بل تركاه يصرخ وكأن من يستمعون أغبياء وعليه أن يثير انتباههم لكلامه حتى حينما تداخل بعض المستمعين تليفونيا طارحين آراء مخالفة لآرائه, كان يرد مدافعا عن آرائه بأنها الحقيقة عاوز تصدقها صدقها..! وعلى مدى أكثر من ساعة شرح أسباب حالة الانهيار التى وصلنا إليها بأن الإعلام السبب وكان يجب غلق الجزيرة مباشر وإنشاء قناة إخبارية فى الدوحة وحدد لها أربعة برامج يتم مناقشتها عن علاقة قطر بإسرائيل والوجود الأمريكى وخلافات العائلة الحاكمة وطرد قبيلة إلى الحدود السعودية. والملاحظ أن الكلام الذى ردده سيادة الخبير هو ذات الطرح الذى تبناه محام يحاكم فى موقعة الجمل وأعلنه فى التليفزيون الرسمى قبل سقوط الرئيس المخلوع، أما وقد أغلقت الجزيرة مباشر فمن المتسبب فى موقعة ماسبيرو؟ الاجابة كانت حاضرة لدى الخبير الاستراتيجى بأن أحد القساوسة الداعين للتظاهر احتجاجا على ما وقع من اعتداء على كنيسة قيد الإنشاء بالماريناب هو السبب, هكذا وبكل بساطة وتجاوز كل شهود العيان واستبق التحقيق الجنائى وتقرير لجنة تقصى الحقائق، ولم يسلم الثوار من الخبير الكبير وغمزه ولمزه واستنكر ترشيح ناشطة سياسية متهمة بسب المجلس العسكرى لنيل جائزة نوبل للسلام وفات المذيعين أن يلفتا نظره أنها ناشطة أخرى, وكذلك الداعية الاسلامي الذى عرض استضافة الجزيرة مباشر للبث من منزله وأقسى الاتهامات المبطنة كانت لناشط سياسى عاد من أمريكا لممارسة دور سياسى وزعم أنه يدعو لتقسيم مصر من خلال تصريحات نسبها إليه الخبير. كما دافع عن الانتخاب الفردى لأن منتسبى الأحزاب لا يزيدون على نصف مليون مواطن ولم يذكرنا بعدد أعضاء الحزب الجمهورى والديمقراطى فى أمريكا أو عدد أعضاء حزب كاديما والعمل فى إسرائيل, وعن قانون العزل السياسى فقرر أنه غير مجد لأن أعضاء مجلس الشعب من عائلات منذ سعد زغلول ولن يسمحوا بترك مقاعدهم..! اللوم لا يوجه للخبير العلامة, وإنما لمن استضافه فهو له مواقفه المعلنة خلال السنوات الماضية من خلال مساندة نظام الرئيس المخلوع فى موقفه المؤيد لغزو العراق فى 2003 وكان يصرخ فى الفضائيات بأن صدام حسين يملك أسلحة كيماوية وهى المعلومة التى كشفها بوش فى مذكراته بأن مبارك أكد له امتلاك العراق أسلحة كيماوية, كما أطل علينا ذات الخبير فى عام 2006 محملا حزب الله مسئولية الاعتداء الإسرائيلى وكان يبشرنا بالهزيمة الساحقة التى سينالها فى الحرب وانتهاء بمواقفه من حركه حماس, مما ينم أن آراءه تتماهى مع الجالس على مقعد السلطة. بقى أن أذكر أن أحد المتصلين بالبرنامج عرف نفسه أنه مسيحى وشاهد عيان وأن المظاهرة بدأت من شبرا وحمل فيها المتظاهرون عصى وسنج وأن هناك مخططاً على مستوى الجمهورية لإحداث مشاحنات لطلب الحماية الدولية, ومع خطورة ما ذكره المستمع انتظرت سيادة الخبير أن يطالبه بالتوجه فورا إلى النيابة العامة للإدلاء بما لديه من معلومات عله يفيد التحقيقات خرج صوت المذيع لينبئنا أن وقت البرنامج انتهى..!