"موديز" تخفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة إلى AA1 مع نظرة مستقبلية مستقرة    ليبيا.. اجتماع طارئ للمجلس الرئاسي لمتابعة تطورات الأوضاع في طرابلس    تمارا حداد: مواقف ترامب تجاه غزة متذبذبة وتصريحاته خلال زيارته للشرق الأوسط تراجع عنها| خاص    جيش الاحتلال يعلن بدء عملية عسكرية برية في غزة    أموريم: شيء واحد كان ينقصنا أمام تشيلسي.. وهذه خطة نهائي الدوري الأوروبي    السقا: إذا استمر مودرن في الدوري سيكون بسبب الفوز على الإسماعيلي    جوميز: شعرنا بأن هناك من سرق تعبنا أمام الهلال    تفاصيل جديدة في واقعة اتهام جد بهتك عرض حفيده بشبرا الخيمة    اشتعال الحرب بين نيودلهي وإسلام آباد| «حصان طروادة».. واشنطن تحرك الهند في مواجهة الصين!    نجم الزمالك السابق يفاجئ عمرو أديب بسبب قرار التظلمات والأهلي.. ما علاقة عباس العقاد؟    محسن الشوبكي يكتب: مصر والأردن.. تحالف استراتيجي لدعم غزة ومواجهة تداعيات حرب الإبادة    محاكمة 3 متهمين في قضية جبهة النصرة الثانية| اليوم    شديد الحرارة نهاراً وأجواء معتدلة ليلا.. حالة الطقس اليوم    اليوم.. «جوته» ينظم فاعليات «الموضة المستدامة» أحد مبادرات إعادة النفايات    انطلاق فعاليات مؤتمر التمكين الثقافي لليوم الواحد بمطروح    أسعار الفراخ البيضاء وكرتونة البيض اليوم السبت في دمياط    جيش الاحتلال يبدأ ضربات واسعة ويتحرك للسيطرة على مواقع استراتيجية في غزة    برا وبحرا وجوا، الكشف عن خطة ترامب لتهجير مليون فلسطيني من غزة إلى ليبيا    ترامب والسلام من خلال القوة    الزراعة تكشف حقيقة نفوق الدواجن بسبب الأمراض الوبائية    رئيس شعبة الدواجن: نفوق 30% من الإنتاج مبالغ فيه.. والإنتاج اليومي مستقر عند 4 ملايين    عيار 21 الآن يعود للارتفاع.. سعر الذهب اليوم السبت 17 مايو في الصاغة (تفاصيل)    عالم مصري يفتح بوابة المستقبل.. حوسبة أسرع مليون مرة عبر «النفق الكمي»| فيديو    طاقم تحكيم مباراة المصري وسيراميكا كليوباترا    أكرم عبدالمجيد: تأخير قرار التظلمات تسبب في فقدان الزمالك وبيراميدز التركيز في الدوري    أحمد حسن يكشف حقيقة رحيل ثنائي الأهلي إلى زد    خبير قانوني: قرار تحصين عقوبات أزمة القمة غير قانوني ويخالف فيفا    رئيس اتحاد منتجي الدواجن ينفي تصريحات نائبه: لا صحة لنفوق 30% من الثروة الداجنة    رئيسا "المحطات النووية" و"آتوم ستروي إكسبورت" يبحثان مستجدات مشروع الضبعة    قرار عودة اختبار SAT في مصر يثير جدل أولياء الأمور    حريق هائل يلتهم أرض زراعية في قرية السيالة بدمياط    إصابة 4 أشخاص في حادث سقوط سيارة بترعة الفاروقية بسوهاج    اليوم| الحكم على المتهمين في واقعة الاعتداء على الطفل مؤمن    مصرع وإصابة 5 أشخاص في حادث انقلاب سيارة ميكروباص بمحور 26 يوليو    ضبط 25 طن دقيق ولحوم ودواجن غير مطابقة للمواصفات بالدقهلية    رئيسا «المحطات النووية» و«آتوم ستروي إكسبورت» يبحثان مستجدات مشروع الضبعة    سعر الدولار الآن أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية السبت 17 مايو 2025    كل سنة وأنت طيب يا زعيم.. 85 عاما على ميلاد عادل إمام    السفير محمد حجازى: غزة محور رئيسي بقمة بغداد ومحل تداول بين القادة والزعماء    المنشآت الفندقية: اختيار الغردقة وشرم الشيخ كأبرز وجهات سياحية يبشر بموسم واعد    النمر هاجمني بعد ضربة الكرباج.. عامل «سيرك طنطا» يروي تفاصيل الواقعة (نص التحقيقات)    أجواء مشحونة مهنيًا وعائليا.. توقعات برج العقرب اليوم 17 مايو    بعد 50 عامًا من وفاته.. رسالة بخط سعاد حسني تفجّر مفاجأة وتُنهي جدل زواجها من عبد الحليم حافظ    داعية يكشف عن حكم الهبة لأحد الورثة دون الآخر    قبل الامتحانات.. 5 خطوات فعالة لتنظيم مذاكرتك والتفوق في الامتحانات: «تغلب على التوتر»    طب الأزهر بدمياط تنجح في إجراء عملية نادرة عالميا لطفل عمره 3 سنوات (صور)    لمرضى التهاب المفاصل.. 7 أطعمة ابتعدوا عنها خلال الصيف    بالتعاون مع الأزهر والإفتاء.. الأوقاف تطلق قافلة دعوية لشمال سيناء    يوم فى جامعة النيل    مشيرة خطاب: التصديق على الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان ضرورة ملحة    الكشف والعلاج بالمجان ل 390 حالة وندوات تثقيفية ضمن قافلة طبية ب«النعناعية»    قداسة البابا تواضروس يستقبل الرئيس الأعلى للكنيسة السريانية في العالم بوادي النطرون (صور)    كيف تتغلب على الموجة الحارة؟.. 4 نصائح للشعور بالانتعاش خلال الطقس شديد الحرارة    الأوقاف تصدر العدد الجديد من مجلة "الفردوس" للأطفال    حبس بائع تحرش بطالبة أجنبية بالدرب الأحمر    شكاوى المواطنين تنهال على محافظ بني سويف عقب أدائه صلاة الجمعة .. صور    المفتي: الحج دون تصريح رسمي مخالفة شرعية وفاعله آثم    أبو شقة: لدينا قوانين سقيمة لا تناسب ما يؤسس له الرئيس السيسي من دولة حديثة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نبيل المالح
نشر في الشروق الجديد يوم 29 - 02 - 2016

دائما، فى عجلة من أمره، لا أراه إلا متسارع الخطى، يتمتع بقدر كبير من الحيوية والحماس، يتحدث بانتشاء عن مشاريعه القادمة، يحقق منها الكثير، يتبقى الأكثر من دون تنفيذ، لأسباب موضوعية، خارجة عن إرادته. التقنية فى مهرجان عواصم عدة، حاملا الشام فى قلبه الكبير الذى يتسع لمحبة الأوطان العربية، بناسها الطيبين، المنسيين، تماما كأبطاله الذين يبنون الحياة، أملا فى غد مشرق لا يجئ. مع هذا، سواء هو أو هم، يظل الرجاء نابضا فى قلوبهم. دائما، يشعرنى أنه شاب فى مقتبل العمر، أو أواسطه، إلى أن فوجئت برحيله عن عمر يناهز الثمانين عاما.
نبيل المالح، ابن دمشق، المولود عام 1938، سافر إلى براج عام 1958، درس أصول الفن السابع فى «جامعة السينما والتليفزيون»، ذات السمعة الطيبة، نال درجة الماجستير، عمل لفترة فى التليفزيون التشيكى، قبل وبعد عودته إلى سوريا، ملتحقا بالمؤسسة العامة للسينما، منغمسا فى الوقائع والأحداث السياسية، حيث سيظل دائما، ضمن كتيبة اليسار الوطنى، القومى.. اصطدم كثيرا مع السلطة، أصدر البيانات، دخل السجن، أثبت حضوره الفنى بقائمة أفلامه الطويلة والقصيرة، الروائية والتسجيلية، نال عن بعضها جوائز ذات شأن، أصبح اسما مرموقا على خارطة السينما العربية، السورية.
بدأ المالح مشواره الإبداعى بإخراج أحد أجزاء ثلاثية «رجال تحت الشمس»، بعنوان «مخاض» 1970، ثم حقق «الفهد» 1972، المأخوذ عن قصة الروائى السورى، حيدر حيدر. توالت أعماله التى كتب سيناريوهاتها، سواء اعتمدت على نصوص أدبية، مثل «بقايا صور» 1973 التى كتبها حنا مينا، أو التى من تأليفه، جملة وتفصيلا، مثل «السيد التقدمى» 1974، «العندليب» 1975، وأجمل أفلامه «الكومبارس» 1993، الفائز بجائزة الإخراج فى مهرجان القاهرة السينمائى، وحاز بطلاه، بسام كوسا، وسمر سامى، على جائزتى التمثيل فى مهرجان السينما العربية بباريس، ونال جائزة أفضل سيناريو من مهرجان فالنسيا.
«الكومبارس»، من النماذج الرفيعة فى السينما العربية، وليس السورية فقط: أحداثه القليلة، تدور فى مكان واحد. شقة صغيرة متواضعة، متهالكة الأثاث، استعارها «البطل» للاختلاء ب«البطلة»، لمدة ساعتين، هما الزمن الذى يستغرقه عرض الفيلم.. من هذا المكان المحدود، المحاصر، ذورك بعمق، ووعى، ما يدور فى العالم الخارجى، وخلال الساعتين، لا نتعرف إلى حاضر البطلين فحسب، بل نستوعب ماضيهما، ونكاد نتوقع ما ينتظرهما، مستقبلا.
«سالم»، بطل الفيلم، بأداء المتمكن «بسام كوسا»، مواطن عادى، يعمل فى محطة بنزين، يمسح بهمة زجاج السيارات.. فى المساء، على خشبة مسرح، يستمع لتوجيهات المخرج نبيل المالح نفسه الذى يخطره بأن عليه الدخول من أحد الكواليس ليمشى أربع خطوات ثم يقف.. هذا هو كل دوره فى المسرحية.. إنه «كومبارس» غير متكلم، مجرد إكسسوار أو ديكور بشرى.
مع توالى المشاهد، ندرك براعة هذا المدخل، ذلك أن دور المواطن «سالم»، واقعيا، فى الحياة، يتطابق مع أدواره الصامتة على خشبة المسرح، حيث «يموت على حسب الطلب.. بسام كوسا»، النحيل، بعد أن يستمع بملل، لنواهى صديقه، صاحب الشقة، ينتظر قدوم حبيبته، ندى، بأداء ذات الجمال الهادئ، المنكسر، سمر سامى، التى تأتى مذعورة، فعند مدخل الشارع، كما تقول، رآها شقيقها.. حقا، اكتشفت أن الرجل يشبهه فقط، لكن شبح الشقيق لايزال يرعبها.
«سالم»، لا يقل فى اضطرابه الداخلى عنها، فقبل وصولها، جاء رجل قوى ورزيل، أخذ يسأل عن المغنى الضرير، الساكن فى الشقة المجاورة، ويكاد المالح أن يبرز لنا هويته كواحد من مخالب السلطة.. طبعا، الشقة المتربة، بمقاعدها المكسورة الأرجل، بالإضافة للحالة النفسية المتدهورة للحبيبين، أمور جعلتهما يغرقان فى توتر صامت، يتفجر مع كل صوت يصل من العالم الخارجى حتى لو كان مجرد بوق دراجة.
اهتم المالح بالأبعاد الداخلية لبطلته الأرملة، كسيرة الفؤاد، لاتزال فى روحها جذوة من نور ونار، لم تنطفئ بعد. لكن الخوف يكبل أحاسيسها وسلوكها. إنها وهنا تظهر مهارة كاتبة السيناريو لا تريد ممارسة الجنس فى حد ذاته، وكمجرد امرأة محرومة، ولكن تحتاج إلى ما هو أكثر شمولا وعمقا. ترنو إلى بيت تكون هى سيدته. إنها، عندما تجد الفوضى تعم المكان، تشرع، بنشوة، فى ترتيب ما تصل إليه يديها، وبحنان أمومى، ترتق له ثقبا فى قميصه.
لا يفوت مخرجنا، المعارض عن حق، متابعة البذرة التى ألقاها فى البداية، المتمثلة فى زيارة رجل الأمن الكريه.. فها هم، شبيحة الأمن، يجرجرون المغنى الضرير، وحين يحاول بطلنا التدخل، ينال صفعة تجعله يصمت، يغرق تماما داخل ذاته.. تحاول الحبيبة أن تنتسله من حالة الخرس التى أصابته، لكن عبثا.. لا يبقى أمامها إلا أن تلملم شعرها وتخفى جمالها ب«الإيشارب» الكبير، وتغادر.. ثم يغادر بعدها، لتطل عليه الكاميرا، وهو يذوب بين «الكومبارس» فى الشارع.
بصمات نبيل الملاح، الراحل، لن تغيب عن خارطة السينما العربية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.