فقدت السينما العربية الأربعاء الماضي أحد أعلام السينما السورية، المخرج نبيل المالح المولود في 28 أغسطس 1938، والذي اختتم رحلته في إمارة دبي، بعد صراع طويل مع مرض السرطان. في عام 1993 حدث اللقاء الأول بين «المالح» والقاهرة التي منحت فيلمه «كومبارس»، بطولة بسام كوسا وسمر سامي، جائزة أفضل إخراج في مهرجانها السينمائي الدولي، وكان نموذجًا لفيلم قليل التكلفة يدور في مكان واحد، يمثل تجربة متميزة، لفتت الانتباه إلى تيار من المخرجين السوريين، الذين أثروا السينما العربية على قلة أفلامهم. ورغم قلة فرص عرض الأفلام السورية والعربية عامة في مصر، إلا أن «المالح» كان أحد المخرجين الذين ساهموا في تعريفنا بمسيرة السينما السورية التي قدمت العديد من الأفلام المهمة والتجارب الجادة لعدد من المخرجين المتميزين من إنتاج مؤسسة السينما التابعة للدولة. كان «المالح» من أكثر المخرجين السوريين غزارة في الإنتاج رغم صعوباته في سوريا، وله أكثر من 150 فيلمًا بين الطويل والقصير والروائي والتسجيلي والتجريبي، من أهمها أفلامه الروائية الطويلة «الفهد» 1972، عن رواية «رجال تحت الشمس» للروائي السوري حيدر حيدر، و«السيد التقدمي» 1975، و«بقايا صور» 1980 عن رواية حنا مينا، و«غوار جيمس بوند» 1974، و«العندليب» 1975، و«كومبارس» 1993. ومن أفلامه الوثائقية والقصيرة: «نابالم، الدائرة، حلب، البحث عن شيخ الشباب، إيقاع دمشقي، إكليل الشوك، الصخر، النافذة، العتمة المضيئة، عالشام عالشام». ودعمًا للقضية الفلسطينية، شارك في ثلاثية «رجال تحت الشمس» في عام 1970، وهي "المخاض – الميلاد – اللقاء"، سيناريو وإخراج محمد شاهين ومروان المؤذن ونبيل المالح، وشارك في كتابة السيناريو الشاعر المصري نجيب سرور، والمخرج قيس الزبيدي. سافر «المالح» إلى المجر في النصف الثاني من خمسينيات القرن الماضي؛ لدراسة الهندسة النووية، لكن الشغف بالسينما غيَّر مساره، ليدرسها على نفقته، بعد تجربة قيامه بدور كومبارس هناك، وحاز بعدها على ماجستير في الإخراج السينمائي والتليفزيوني في معهد السينما بمدينة براج، لتصبح شخصية الكومبارس بعدها بسنوات ملهمة لأحد أهم أفلامه الذي حمل اسم «الكومبارس». قام المخرج السوري الراحل بتدريس مادة الإخراج السينمائي والسيناريو في العديد من الجامعات، ومنها جامعة السينما في أوستن – تكساس، وجامعة السينما في لوس أنجلوس. جمع بين كتابة السيناريو والشعر والإخراج والرسم، في مسيرة غلفها حماس وشغف دائم للاكتشاف والمغامرة والسفر، ومشاريع دائمة لأعمال جديدة، ومواقف تنحاز للبسطاء في أعماله السينمائية، ونشاطه في المجتمع المدني، ومواقفه ضد العنف والديكتاتورية، التي كلفته مطاردات ورقابة إضافية على أعماله، ومنع ومصادرة بعضها، كما حدث مع فيلمه الوثائقي عن «أسامة بن لادن»، الذي تناوله بعيون أهل المنطقة التي عاشت فيها والدته في اللاذقية، والذي صادرته المخابرات السورية ولم ير النور أبدًا. نالت أفلام «المالح» العديد من الجوائز، حيث حاز فيلمه «الفهد» على جائزة لجنة التحكيم في مهرجان دمشق الدولي لسينما الشباب 1972، وفي عام 2005 اختير الفيلم نفسه كواحد من الأفلام الخالدة في تاريخ السينما، في مهرجان بوزان السينمائي الدولي العاشر في كوريا الجنوبية، ونال فيلمه الأشهر على الإطلاق «كومبارس» جائزتي التمثيل من مهرجان السينما العربية في باريس، وأحسن سيناريو من مهرجان فالنسيا وفضية مهرجان ريميني، فضلًا عن جائزة أحسن إخراج من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، وكرمه مهرجان دبي السينمائي الدولي في دورة عام 2006؛ تقديرًا لإسهامه في السينما العربية.