الرسل بشر يتفقون مع سائر الناس فى أخص صفاتهم البشرية، لكن الله خص الرسل بنوع من الاصطفاء ليكونوا أصلا لتلقى الوحى، هكذا يشرح الإمام الأكبر الشيخ شلتوت مفهوم الرسالة فى الإسلام ثم يتناول أهمية الإيمان بكل الرسل. وكما طلب الإسلام الإيمان بالملائكة طرفا أعلى، فى طريق وصول الهداية العليا للإنسان، وطلب الإيمان بالرسل طرفا متصلا بالإنسان، طبيعتهم من طبيعته، وبشريتهم من بشريته، وهم فى حقيقتهم بشر وأناس، يتفقون مع سائر الناس فى أخص أوصاف البشرية. وبه تيسر التلقى عنهم، وتقليدهم فيما يقولون ويفعلون، ولكن خصهم الله بنوع من الاصطفاء صاروا به أهلا لتلقى وحى الله عن ملائكته والاحتفاظ به كما تلقوه، والقيام بتبليغه للناس، وقيادتهم إياهم فى التطبيق والعمل به فى الحياة، وكانوا بذلك مبلغين عن الله معصومين عن الخطأ فيما يبلغون، وكانوا أسوة لأقوامهم فيه. وإلى هذا تشير الآيات: «وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43) بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44)» النحل. «وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ (8)» الأنبياء. وإذا كان رقى الإنسان الروحى الذى به انتظام شئونه فى الدنيا ووقوعها على وجه الحكمة والصواب، هو هدف الحكمة الإلهية من الرسالات إليه، وكان الإنسان من مبدأ الخليقة، هو المخلوق الذى وضع فى مكان الصدارة من الخلق، والذى ركبت فيه قوتا الخير والشر، كانت رسالة توجيهه إلى الخير وتقوية جانبه سنة إلهية فى جميع أطواره، تُعبِّد له طريق الارتقاء إلى الله:«وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ» (24) فاطر. بذلك تعاقبت الرسالات على الإنسان أمة بعد أمة، وجيلا بعد جيل، وكلها، ذات هدف واحد: وهو توجيه الإنسان إلى طريق الكمال، وكانت أصول رسالاتهم وعقائدها الأولى واحدة، لا تختلف فى رسالة عنها فى رسالة أخرى: «شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ» (13) الشورى.