سعداوى: 20 رجلًا اختبئوا من الخاطفين فى الحمام.. ولم نعرف الليل من النهار طوال أسبوعين عمر: الخاطفون عادوا لمسكننا وسرقوا «تحويشة العمر».. ونطالب الحكومة بالتعويض «روح يا زين أنت واخواتك، الله ينصركم يا ابنى، ده انتوا همكمم تقيل».. تلك الجملة قالتها السيدة العجوز، قبل عام تقريبا، عندما مر بها زين وأحمد ومحمود، الأشقاء الثلاثة الذين سافروا إلى ليبيا أملا فى كسب المال الذى يمكنهم من بناء بيت لهم، غير أنهم وبعد 12 شهرا عادوا لا يحملون سوى ملابسهم، هم و17 آخرين من أبناء عمومتهم بعد تحريرهم من الاختطاف فى ليبيا على يد ميليشيات مسلحة، فيما سرقت كل أموالهم التى جمعوها، ولأن «كل الطرق تؤدى إلى الموت» كما نطق لسان حال العائدين ال20 أخيرا من ليبيا، كان الاختيار الوحيد أمامهم هو السعى وراء الرزق أينما وجد، لعلهم يكفلون لأنفسهم ولأبنائهم حياة أفضل. شاهد: نصف ساعة، هو الوقت المستغرق من مركز سمالوط بالمنيا إلى داخل قرية ساقية داقوف، ووسيلة المواصلات الوحيدة هى عربات نقل صغيرة مغطى سقفها بالخيش. فور أن تدخل القرية التى تضم بيوتا «أشبه بالعشش» ستشعر ببهجة ما لعودة أبناء القرية المختطفين، وكلما تجولت من بين البيوت، سيلاحقك الجميع بأعينهم متسائلين: «انتوا عايزين المخطوفين، أهم هناك»، والملاحظ أكثر أنه ما من بيت مررنا بجانبه إلا وأحد أبنائه مسافر إلى ليبيا، أو ينوى السفر. وعلى الرغم من الفرحة التى عمت القرية بعودة أبناءها، فإنها «فرحة منقوصة» بحسب ما قاله المختطفون العائدين بسبب ضياع «تحويشة عمرهم» ولأن خوفا آخر ينتظرهم هنا لو لم يجدوا مصدر رزق، حتى إن أحدهم أشار إلى أبنه ذى ال3 سنوات، قائلا: «بعد ما رجعنا وشقا السنة اتسرق مننا، هنعمل ايه فى حياتنا لو ملقناش شغل هنا، هربى ابنى ده ازاى». ربيع علي مع أبناءه في بيته السؤال الذى يطرح نفسه مع كل أزمة تحدث لمصريين فى ليبيا، هو: ما الذى يدفع إنسانا إلى أن يضحى بعمره عن طريق الانتقال لبلد ظروفه غير آمنة من أجل «لقمة العيش»، وربما يبدو السؤال بديهيا لكل أهل القرية الذين قابلناهم وأولهم المختطفون العائدون، والذى أكد بعضهم أنه على الرغم من بشاعة ما رآه أثناء عملية الاختطاف فإن العودة مرة أخرى إلى ليبيا باتت فكرة مطروحة طوال الوقت. «كنا بندخل فى التسعينيات بالبطاقة الشخصية، وعندما تحولنا لورق رسمى، كنا نعبر بجواز السفر وندفع 20 جنيها، بالإضافة لصلة النسب التى تجمع المصريين بالليبيين، فمعظمنا على علاقات نسب بأسر ليبية، وكانت رحلة السفر لليبيا تستغرق 24 ساعة، وفى حال لم نجد أموالا للسفر، كان السائق الليبى يصطحبنا وبعد العمل ندفع له المقابل»، هذا ما قاله عمر حسن، أحد المختطفين وأكبرهم سنا «46 عاما» وهو أب لخمسة أبناء وجد أيضا، سافر إلى ليبيا من التسعينيات ليعمل «مبيض محارة». ويوضح أحد أهالى القرية طبيعة عملهم قائلا: «كنت بشتغل 8 أيام فى الشهر، سائق «لودر» وباخد فى اليوم 200 دولار، أنا لو فى مصر، هعمل الفلوس دى فى الشهر مش فى اليوم»، ليرد عليه عمار الشقيق الأكبر ل«عمر» المختطف، والذى عاش أيضا لأكثر من 20 عاما فى ليبيا، قائلا:«يومية العامل المصرى تقريبا 40 جنيه ليبى ولما كانت العملة بتساوى 5 جنيه مصرى، فشوفى بقه المبلغ اللى بيدخل فى اليوم كام». «الصعيد لا يهتم به أحد.. هو فى حد هيلاقى فى بلده عيشة كريمة ويتغرب ويسيب عياله؟!».. تلك هى الجملة التى اتفق عليها الجميع، فما من أحد من المختطفين العائدين إلا وهو يتمنى أن يسافر لأى بلد بحثا عن رزقه، وبعضهم لا يمانع إطلاقا فى العودة مرة أخرى إلى ليبيا، لأنه ما من فرصة هنا لتكفى حاجتهم. ثلاثة من المختطفين العائدين من ليبيا في قريتهم "ساقية داقوف" بمسالوط «كنا نموت فى اليوم مائة مرة».. هكذا لخص العائدون واقعة اختطافهم التى بدأت فصولها فى 30 ديسمبر الماضى، واستمرت حتى تمكنت السلطات الليبية بالتعاون مع الأجهزة الأمنية المصرية من تحريرهم بعد أسبوعين من اختطافهم. قال سعداوى عبدالحفيظ: «احنا كنا كلنا عايشين فى «إجدابيا» ولما حصل فيها مشاكل، روحنا على «زلة» وبعد فترة وقعت عملية الاختطاف، دخلوا علينا الساعة 2 الفجر من نوافذ المسكن الذى نعيش فيه، خُفنا وحاولنا الاختباء فى الحمام، كنا نرتجف، 20 رجلا فى حمام خوفا من مصير غير معلوم قد ينتهى بالموت فى أغلب الأحوال، أغمضوا أعيننا وركبنا سيارات تابعة لهم، أنزلونا فى مكان غير معلوم وظللنا هناك لأسبوعين، لا نعرف الصباح من المساء ولا نعرف الوقت، فقط نقول الشهادة وننتظر موتنا». وتدخل عمر حسن، فى الحديث قائلا: «حاولت التحدث مع أحد المختطفين، قلت لهم أنا أكبرهم سنا وفى مقام عمهم، قولوا لى ما تريدون ونحن سننفذ، فقط اسمحوا لنا أن نغادر ليبيا خلال ساعات وسنفعل ذلك فى الحال، إلا أنه يضيف أن المختطفين كانوا يقولون له إنه ليس من حقه أن يسأل عن الغرض من الخطف، حتى إنهم كانوا يسألونهم عن طريقة دخولهم إلى ليبيا، وهل لهم صلة بأى من المسئولين المصريين». ويتابع عمر: طوال فترة الاختطاف وحتى هذه اللحظة ونحن لم نعرف هوية الخاطفين، مرت أيام الاختطاف ونحن فى خوف شديد، حتى فوجئنا بهم فى يوم يرحلوننا عبر طائرات إلى مكان غير معلوم وسلمونا لأشخاص، علمنا أنهم من السلطات الليبية، وطمأنوننا وفحصونا طبيا، وأبلغونا أنه سيتم نقلنا عبر طائرات خاصة إلى مصر، وهو ما حدث بالفعل بعد 3 أيام من بقائنا فى حوزة السلطات الليبية». ويتذكر أحد المختطفين معاناته قائلا: «ضربونا جميعا وقيدوا أرجلنا وأغضموا أعيينا طوال الوقت، كنت أتصبب عرقا فى كل مرة يفتح أحدهم الباب، إلى أى مكان سيأخذوننا؟ وماذا سيفعلون بنا؟ كل ما كنا نريده أن نعرف هويتهم وماذا يريدون منا؟ لم نتوقع أنه سيكتب لنا عمر جديد». شقيق ووالد عمر "أحد المختطفين العائدين من ليبيا" وعلى الرغم من أن عودة المختطفين جميعهم سالمين هى الفرحة الكبيرة، إلا أنها «فرحة منقوصة» بحسب ما قاله أحدهم موضحا: «بعدما خطفونا، رجعوا إلى مسكننا وسرقوا أموالنا كلها «تحويشة عمرنا»، أنا مسروق منى 30 ألف جنيه، وفى ناس مسروق منها 10و 20 ألف، مين يعوضنا عن فلوسنا؟»، تعرضوا جميعا إلى السرقة، عادوا إلى مصر ب«الأحذية فقط» كما قال أحدهم:«كنا حافيين، رجعنا بالشباشب اللى أخدناها من اللسلطات الليبية»، وعلى الرغم من تقديرهم لاستقبال الرئيس السيسى لهم فى المطار فور عودتهم، فإنهم طالبوا الحكومة المصرية بتعوضيهم عما جرى لهم، وأن يوفروا لهم فرص عمل كما وعدهم المسئولون وعلى رأسهم الرئيس. ظروف اختطاف صعبة وسيناريوهات بشعة كان ضحايا الاختطاف العائدين معرضين للدخول فيها، إلا أن بعضهم حين توجهت له «الشروق» بالسؤال بشأن إمكانية عودتهم مرة أخرى إلى ليبيا، أجاب قائلا: «هندور مرة واتنين وتلاتة هنا ولو ملقناش شغل هنسافر، أحسن ما نموت من الجوع، ولو متنا هناك، هنبقى شهدا»، غير أن آخر اعتبر أن ما رآه يثنيهم عن التفكير فى السفر مرة أخرى، لكنهم شددوا على مطالبهم للحكومة بتوفير فرص عمل لهم.