بدأت هذه الأسطر بكلمات إدانة للتفجيرات الإرهابية فى ضاحية بيروت الجنوبية التى انتهكت حق أكثر من 40 إنسان فى الحياة، واستباحت دماء المئات. وبينما كنت أبحث عن جمل واضحة لا تكتفى بتقرير دموية ووحشية عصابة داعش وأتباعها الذين يسومون عرب المشرق القتل والدمار والتهجير والتعذيب ويهددون بالتغول فى مناطق أخرى من سيناء المصرية إلى بعض بلدان الخليج واليمن وليبيا وتونس، جمل تسجل أيضا كارثة التطرف الدينى والطائفى التى تمكن (بين عوامل أخرى) عصابات الإرهاب من ارتكاب فظائعها وجرائمها ضد الإنسانية وتوجيه شرورها إلى مجتمعاتنا المأزومة التى لم تتجاوز منذ مئات السنين صراعات السنة والشيعة وتفتقد لتواريخ طويلة من التسامح وقبول الآخر بينما أنا غارق فى بحثى عن جمل كهذه إذ بالتفجيرات الإرهابية فى باريس تنتهك حق أكثر من 154 إنسانا فى الحياة وتفرض خريطة دماء بشعة تتشابه مع خرائط دماء البلدان الغارقة فى الحروب الأهلية أو فى الصراعات المسلحة. إنه الشر الخالص، الشر الذى لا تستهدف عصابات الإرهاب من ورائه إلا ترويع الناس والزج بمجتمعات مختلفة إلى دوائر التوتر والصراع والعنف المضاد، الشر الذى يعتاش على دماء الأبرياء التى استباحها على الأرجح حين تحطمت الطائرة الروسية فوق سيناء واستباحها بكل تأكيد فى بيروتوباريس ومن قبلهما فى مدن ومناطق عديدة، الشر الذى يسقط ضحاياه دون تمييز فى قرى مسيحية فى العراق وعلى امتداد الأرض السورية وبداخل مساجد يرتادها المسلمون الشيعة فى الخليج وفى سيناء حيث تختلط دماء المدنيين والعسكريين وفى ضاحية بيروت الجنوبية التى يقطنها السكان الشيعة وفى مقاهى وصالات الموسيقى فى باريس وفى المرافق السياحية على الشاطئ التونسى، الشر الذى يجعل من الخطر الحقيقة الكبرى لعالمنا المعاصر. إنه الجنون المطلق، جنون متطرفين يخرجون من بيئات الاستبداد العربية وتنتجهم أيضا البيئات المتسامحة للديمقراطيات الغربية، جنون متطرفين يدهسون بوحشيتهم ودمويتهم وعنفهم كل قيمة أخلاقية وإنسانية تعارف عليها البشر واستندت إليها الحضارة، جنون متطرفين يدفعون بلدان العالم غربا وشرقا وشمالا وجنوبا إلى تخصيص المزيد من الموارد لصفقات السلاح وللإجراءات الأمنية ولترتيبات حماية المرافق الأساسية ويورطون بعضها فى حروب على الإرهاب لا نهاية لها (ولنا فى حروب أفغانستان المتواصلة ما يكفى من أدلة) ويحرموننا لذلك من أن تخصص موارد كافية للتقدم العلمى وللتنمية المستدامة ولمكافحة الفقر والجهل والبطالة ولتخليص البشرية مما يتهددها من أوبئة وما ينتظرها من كوارث تحدثها الطبيعة أو يصنعها الإنسان، جنون متطرفين يكرهون معانى العدل والحق والحرية وترتب جرائمهم تنصل الكثير من الحكومات من ذات المعانى كليا أو جزئيا، جنون متطرفين يهددون بإعادة عقارب الساعة فى العالم المعاصر إلى ظلام الحروب الدينية ومأساة الاستباحة اليومية وطويلة المدى للحق فى الحياة وللدماء وكارثة الاستخفاف بالدمار والخراب. إنه الإخفاق الكامل، إخفاقنا فى بلاد العرب وبعض البلاد غير العربية ذات الأغلبيات المسلمة فى أن ننجز نظاما اجتماعيا يعتمد العلمانية نسقا يضمن التسامح وقبول الآخر ويناهض التمييز ويحمى الحريات الدينية فى إطار من مواطنة المساواة التى لا تفرق بين أتباع الديانات المختلفة ولا بين أصحاب الهويات المذهبية والعرقية المتنوعة، إخفاقنا فى الفصل بين الدين والسياسة بحيث يظل للأول نقاؤه ولا تتورط الثانية فى الاستبداد ذى الإسناد الدينى، إخفاقنا فى التخلص من أوهام «المؤامرة الكونية ضد العرب والمسلمين» ومن إلصاق فشلنا فى الالتحاق بركب البشرية الباحثة عن العدل والحرية والمساواة والتقدم والتسامح بالغرب المتآمر، إخفاقنا فى ممارسة النقد الذاتى بموضوعية تواجه استبداد حكوماتنا وتخلف مجتمعاتنا وهيمنة التطرف على الكثير من مجالات حياتنا واستخفافنا بقيمة العقل والعلم وغياب إسهامنا الحضارى فى عالم اليوم، إخفاقنا فى إقرار مسئوليتنا نحن عن تغيير واقعنا المرير، إخفاقنا فى حماية الجاليات ذات الأصول العربية والإسلامية فى بلدان الغرب من إرثنا العاجز وتخليصها من عذابات فشلنا بحيث توالى سقوط البعض فى أسر أوهام المؤامرة وغياهب العنف والإرهاب.