غلق صناديق الاقتراع بأسيوط وسط إجراءات تأمينية مشددة    توسيع خطوط إنتاج «بافاريا» |رئيس الوزراء يتفقد جناح الشركة بمعرض النقل والصناعة    نتنياهو وكوشنر يبحثان نزع سلاح حماس واستبعادها من إدارة غزة    ترامب يطالب مراقبي الحركة الجوية بالعودة للعمل بسبب حالات إلغاء الرحلات    الزمالك بين المطرقة والسندان: قضايا بالجملة وتهديد بملايين الدولارات    لجان الرقابة بوزارة الرياضة تصل لمحافظة كفر الشيخ    إحالة 10 أشخاص متهمين باستغلال الأطفال في أعمال التسول للمحاكمة    تهتك في الرئة وكسر بالجمجمة، تفاصيل التقرير الطبي للراحل إسماعيل الليثي (فيديو)    تفاصيل سقوط شابين أثناء هروبهما من قوة أمنية بالدقهلية    القاهرة السينمائي يعلن القائمة النهائية لبرنامج الكلاسيكيات المصرية المرممة بالدورة ال46    «راح مني ومات».. أول تعليق ل زوجة إسماعيل الليثي بعد وفاته    أحمد التايب ل هنا ماسبيرو: مشاركتك الانتخابية تجسد إرادتك في بناء مستقبل أفضل لبلادك    فيديو.. سيد علي نقلا عن الفنان محمد صبحي: حالته الصحية تشهد تحسنا معقولا    «هنو» فى افتتاح مهرجان «فريج» بالدوحة    وكيل صحة القليوبية يتفقد مستشفى الحميات ويتابع تسليم مستشفى طوخ الجديدة    تبرع ثم استرداد.. القصة الكاملة وراء أموال هشام نصر في الزمالك    ضبط لحوم دواجن في حملة تموينية بشبرا الخيمة    ترامب يصدر عفوا عن شخصيات متهمة بالتورط في محاولة إلغاء نتائج انتخابات الرئاسة 2020    نقيب موسيقيي المنيا يكشف اللحظات الأخيرة من حياة المطرب الراحل إسماعيل الليثي    وزارة السياحة والآثار تُلزم المدارس والحجوزات المسبقة لزيارة المتحف المصري بالقاهرة    العراق يرفض تدخل إيران في الانتخابات البرلمانية ويؤكد سيادة قراره الداخلي    الأمم المتحدة: إسرائيل بدأت في السماح بدخول المزيد من المساعدات إلى غزة    قريبًا.. الذكاء الصناعي يقتحم مجالات النقل واللوجستيات    المستشارة أمل عمار: المرأة الفلسطينية لم يُقهرها الجوع ولا الحصار    وزير الصحة يستقبل نظيره اللاتفي لتعزيز التعاون في مجالات الرعاية الصحية    وزير التموين: توافر السلع الأساسية بالأسواق وتكثيف الرقابة لضمان استقرار الأسعار    أخبار الإمارات اليوم.. محمد بن زايد وستارمر يبحثان الأوضاع في غزة    دعاء مؤثر من أسامة قابيل لإسماعيل الليثي وابنه من جوار قبر النبي    هل يظل مؤخر الصداق حقًا للمرأة بعد سنوات طويلة؟.. أمينة الفتوى تجيب    مدرب منتخب ناشئي اليد يكشف كواليس إنجاز المونديال: الجيل الجديد لا يعرف المستحيل    ابدأ من الصبح.. خطوات بسيطة لتحسين جودة النوم    طريقة عمل الكشرى المصرى.. حضري ألذ طبق علي طريقة المحلات الشعبي (المكونات والخطوات )    فيلم عائشة لا تستطيع الطيران يمثل مصر في المسابقة الرسمية لمهرجان مراكش السينمائي    في أول زيارة ل«الشرع».. بدء مباحثات ترامب والرئيس السوري في واشنطن    نماذج ملهمة.. قصص نجاح تثري فعاليات الدائرة المستديرة للمشروع الوطني للقراءة    انطلاق اختبارات مسابقة الأزهر الشريف لحفظ القرآن بكفر الشيخ    ما حكم المشاركة في الانتخابات؟.. أمين الفتوى يجيب    تأجيل محاكمة 23 متهمًا ب خلية اللجان النوعية بمدينة نصر لجلسة 26 يناير    انتخابات مجلس النواب 2025.. إقبال كثيف من الناخبين على اللجان الانتخابية بأبو سمبل    علاء إبراهيم: ناصر ماهر أتظلم بعدم الانضمام لمنتخب مصر    البنك المركزي: ارتفاع المعدل السنوي للتضخم الأساسي إلى 12.1% بنهاية أكتوبر 2025    الاتحاد الأفريقي يدعو لتحرك دولي عاجل بشأن تدهور الوضع الأمني في مالي    محافظ المنوفية يزور مصابى حريق مصنع السادات للاطمئنان على حالتهم الصحية    كشف هوية الصياد الغريق في حادث مركب بورسعيد    بعد 3 ساعات.. أهالي الشلاتين أمام اللجان للإدلاء بأصواتهم    بث فيديو الاحتفال بالعيد القومي وذكرى المعركة الجوية بالمنصورة في جميع مدارس الدقهلية    بالصور| سيدات البحيرة تشارك في اليوم الأول من انتخابات مجلس النواب 2025    وزير النقل التركي: نعمل على استعادة وتشغيل خطوط النقل الرورو بين مصر وتركيا    هبة عصام من الوادي الجديد: تجهيز كل لجان الاقتراع بالخدمات اللوجستية لضمان بيئة منظمة للناخبين    ماذا يحتاج منتخب مصر للناشئين للتأهل إلى الدور القادم من كأس العالم    حالة الطقس اليوم الاثنين 10-11-2025 وتوقعات درجات الحرارة في القاهرة والمحافظات    تأجيل محاكمة «المتهمان» بقتل تاجر ذهب برشيد لجلسة 16 ديسمبر    الرعاية الصحية: لدينا فرصة للاستفادة من 11 مليون وافد في توسيع التأمين الطبي الخاص    وزارة الصحة: تدريبات لتعزيز خدمات برنامج الشباك الواحد لمرضى الإدمان والفيروسات    جامعة قناة السويس تحصد 3 برونزيات في رفع الأثقال بمسابقة التضامن الإسلامي بالرياض    وزير الزراعة: بدء الموسم الشتوى وإجراءات مشددة لوصول الأسمدة لمستحقيها    د.حماد عبدالله يكتب: " الأصدقاء " نعمة الله !!    شيكابالا عن خسارة السوبر: مشكلة الزمالك ليست الفلوس فقط    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شيخوخة دولة عبد الناصر «الإعلامية» «4-2»
نشر في الشروق الجديد يوم 08 - 11 - 2015


1 -
باستثناء فترات الحروب و بافتراض رشادها، عندما تعتقد السلطة، أي سلطة، أن مهمة الإعلام تكمن أساسًا في تسهيل مهمة الحاكم فهي إما جاهلة أو مغرضة، أو أنها خليط من الاحتمالين بمقادير مختلفة. لا توجد احتمالات أخرى كثيرة غير هذه. مهمة الإعلام هي الإعلام. نقطة. لكنّ إحدى مصائب الواقع المصري/العربي أن اعتقادًا كهذا تحول على مدى أكثر من نصف قرن إلى ثقافة عامة لدى كثير من الناس، و كأنه قضاء و قدر. لم تبدأ هذه الثقافة في التخلخل إلا في السنوات القليلة الماضية، و لا يزال انتشارها تحدّيًا قويًّا أمام طلاب الديمقراطية و دولة القانون، بكل ما تشمله هذه من مفاهيم حاسمة في تطور أي مجتمع، على رأسها القابلية للمحاسبة. لهذا، أساسًا، لا تزال بيننا و الإسرائيليين سنوات ضوئية.
- 2 -
دعني أضرب لك مثلًا بسيطًا في صورة هذه الحكاية الطريفة لتوضيح الفكرة. في عام 2000، تعرّف المصريون لأول مرة، بعد أكثر من ثلاثين عامًا، على الحجم الحقيقي لجرائم الصهاينة بحق أسرى مصر عام 1967، صوتًا في شهادات موثقة، و صورةً في لقطات دامغة. جاء هذا في سياق تحقيق استقصائي في برنامج "سري للغاية" الذي كنا نقدمه على قناة الجزيرة. قبل إذاعته، حملتُ الجزء الأول من التحقيق من لندن إلى القاهرة إلى أستاذنا الراحل، محمود عوض، أحد أبرز مراجع المهنية و الوطنية و الضمير. بكى الرجل في منتصفه، و لدى نهايته قال لي: "هذا ملف كامل متكامل يصمد أمام محكمة العدل الدولية و كان ينبغي على الدولة المصرية تجميعه من زمان". ثم اقترح شيئًا استغربته و تحمست له في الوقت نفسه: أن نأخذ الشريط و نهبط به على منزل صديقه الملحن الأستاذ كمال الطويل في حي الزمالك.
انتشى الرجل عندما استمع في مقدمة التحقيق لمقطع من أغنية وطنية لحّنها هو و غناها عبد الحليم حافظ في تمجيد جمال عبد الناصر في الخمسينات. "ريّسنا ملّاح و معدّينا، عامل و فلّاح من أهالينا". مضى شريط ال VHS في الدوران، ثم مضى، و أنا أسترق النظر إلى تعبيرات وجه الملحن الكبير التي بدأت في التغير، من ترحيب إلى انتشاء إلى فخر إلى سعادة تنحسر الآن جميعًا شيئًا فشيئًا نحو تململ يقود إلى وجوم يقود إلى غضب يقود إلى صدمة. ثم فجأة، دون مقدمات، نهض الرجل و داس على زر الإيقاف و ألقى بالشريط في اتجاهنا و كاد أن يطردنا حرفيًّا من منزله.
- 3 -
كان الباحث الإسرائيلي، موتي غولاني، الذي كشف النقاب أولًا عن مسؤولية بني جلدته قد تعجّب في الجزء الثاني من التحقيق من رد الفعل الرسمي في مصر: "أتدري شيئًا! لقد أثار رد الفعل المصري فضولي. لديّ إحساس بأن الذي ضايقهم لم يكن حقيقة أن جنودًا إسرائيليين قتلوا أسرى حرب مصريين. لقد كانوا يعلمون و لم يكونوا بحاجة إليَّ أو إلى أحد من زملائي كي يخبرهم بذلك. إننا - نحن الإسرائيليين - مازلنا نبحث عن جثث جنودنا في حرب 48، و هو شيئ لا تجده في العالم العربي. ماذا إذًا عساه يحدث لو طالب الشعب المصري حكومته بالبحث عن ذويه؟ لم ترغب الحكومة المصرية في سماع المزيد، و إنما قالت: (حسنًا، أعطونا تقريرًا تعترفون فيه بأنكم أشرار و بأنكم أخطأتم، نعرضه على شعبنا و دعوا الأمر ينتهي)".
- 4 -
كان هذا لونًا من الإعلام الحر لم تعتده أعين كثير ممن تربوا على "إعلام" ما بعد 1952 الذي تحول تدريجيًّا إلى جزء لا يتجزأ من المجهود التعبوي - باستثناء من رحم ربي فلم يرحمه الحاكم و خُدّامه - و اختُرعت له وزارة اسمها وزارة "الإرشاد" .. ال .. إ .. ر .. ش .. ا .. د، في إطارها الشعب كله "عيّل تايه" و هي ترشده. و حين تفكر قليلًا في الأمر لن تجد في نفسك وازعًا كبيرًا إلى لوم الأستاذ كمال الطويل، رحمه الله، و لا كثير من جيله أو الأجيال التي تلته. من الصعب أن يواجه المرء وحده حقيقة أنه كان على خطأ فادح كل هذه السنوات و أنه كان ضحية أخرى من ضحايا التحرش العقلي - في أكثر الأوصاف أدبًا - بكل ما قد تحمله مواجهة كهذه من مرارة و من احتقار محتمل للذات. لا بد إذًا أنها مؤامرة و لا بد أن من يقف وراءها خونة، و هكذا تستريح النفس.
- 5 -
بصوته الجهور و نبرته التي تعتلي الآن أعلى نقطة في طبقة الجواب و كأنه يضرب الهواء بقبضته، ينطلق نجم "صوت العرب"، أحمد سعيد: "و الآاان .. أيها الأخوة العرب .. من المحيط إلى الخليييججج .. بعد أن استمعنا إلى نشرة الأخباااررر .. من قلب العروبة النابضضض .. نستمع إلى الفنانة شااادية .. في أغنية .. شببباكنا ستااايره حرييير". و في مفارقة هزلية، تتهادى شادية في منتهى الرقة مع صوت الكمان الناعم المنساب، كي تعلن عن مدرسة بارزة في "الإعلام"، مدرسة "شباكنا ستايره حرير". جاءت هذه المدرسة نتيجة حتمية لتوجيه معنوي يخاطب العاطفة و يحتقر العقل، و يخلط الوطن بالحاكم، و يتحول معه المتلقي إلى جزء من قطيع لا يصلح إلا للاصطفاف وراء رسالة صيغت في أعلى و لا تقبل المناقشة. لا مكان في هذه المدرسة للمعلومات المجردة النزيهة، و لا مكان فيها للمنطق. لحصة "التربية القومية/الوطنية" فيها نصيب الأسد، لا ينافسها فيه سوى حصة "الألعاب" (لاحظ هنا الموروث الفاشي).
و بهذا المعنى، يمكن اعتبار هذه المدرسة الأب الشرعي لمدرسة "سمّعنا يا ريّس حنتيرة" المنتشرة الآن على شاشات التليفزيون المصري في ما يعرف بالتوك شو. لا وزن هنا لأي معيار مهني في الحصول على الخبر/المعلومة و لا في طريقة العرض أو التحليل أو المناقشة، و لا في إعداد المادة الصحفية وفقًا للقواعد المهنية/الأخلاقية. فقط "الريّس حنتيرة" ينفرد بالكاميرا حاملًا الرسائل من أعلى، و أحيانًا من تلقاء ذاته، مع جانب من "افتكاساته". فجأة يكتشف منعدم الموهبة و الأهلية أنه أيضًا يمكن أن يكون "الريّس حنتيرة". أي أحد بهذا المعنى يمكنه أن يكون "الريّس حنتيرة". و فجأة تكتشف السلطة أنها أمام مَعين لا ينضب من الحناتير. لكنّ كلًّا منهما سيكتشف بعد قليل أنه على متن عربة طائشة و على مرمى البصر إما حافة مستنقع سحيق أو هاوية جبل أشم، و لا شيئ في المنتصف. مشكلتنا جميعًا في هذه اللحظة أن ثمة حبلًا يربط كراكون الوطن كله بمؤخرة العربة الطائشة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.