• احتجاز جثامين ضحايا كارثة الأمطار داخل مشرحة «كوم الدكة» لحين معاينة النيابة.. ووكيل وزارة التضامن ل«الشروق»: «قتلهم الإهمال» • «إسماعيل وبدر» حاولا الإبقاء على المحافظ وإلصاق التهمة بهيئة الصرف الصحي والبنية التحتية • المواطنون علموا بخبر الإبقاء عليه فحرروا محاضر جماعية وتوجهوا لمقر المنطقة الشمالية العسكرية للمطالبة بإقالته • «القهوجي إسلام» يضحي بنفسه لإنقاذ «سيدة» بعد مصرع طفليها في رواية الكاتب الكبير نجيب محفوظ، «خان الخليلي» يخرج علينا المعلم نونو أحد أبطال الرواية «بإفيه شهير» «ملعون أبو الدنيا»، تتكرر العبارة ولكن هذه المرة من داخل أحد المقاهي بمنطقة محرم بك بالقرب من شارع الإسكندراني. عقارب الساعة تشير إلى الثامنة صباحًا، السماء تسقط الثلوج، ويتحول الصباح إلى ظُلمة أضفت جوًا من الكآبة، بعد سقوط الأمطار منذ فجر أمس، الذي نتج عنه تحول الشوارع إلى آبار مياه أغرقت معظم البيوت والجراجات لتصبح «حمامات سباحة»، ويشاهد أهالي المنطقة المشهد المأساوي من أعلى البالكونات في صمت. إسلام زاهر متولي، (29 عاما)، يعمل «قهوجي» بمقهى الوفاء، يخرج عن صمته ويطلب من صاحب المقهى، تشغيل إذاعة القرآن الكريم، كمحاولة للخروج من حالة الكآبة، والغضب من وقف الحال بسبب برك المياه قبل أن يسمع الجميع صوت فرقعة ناجمة عن إصطدام مياه الأمطار بكابل مقطوع بالقرب من المقهى بدأت أطرافه في الاشتعال، وصور «إسلام» الواقعة ورفعها على صفحته بموقع «فيس بوك» لتبدأ انتشار الصور المأساوية بمدينة الإسكندرية. ويتبادل «إسلام» الحديث مع «كومساري ترام صفراء بهيئة النقل العام يدعى صابر»، قائلاً: «الكابلات كلها متهاكلة، والشركة جايبة عربيات بملايين عشان صيانة الكابلات بس مفيش فايدة في الفساد.. بيلحموا الكابلات بدل ميغيروها». وتشتد الرياح والأمطار، ويسقط أحد الكابلات المتهالكة على الأرض داخل برك المياه، ليسقط حصان داخل البركة، تصادف مروره في المكان، ليقي مصرعه في الحال، وسط مشاهدة كل مرتادي المقهى، الذين هرعوا للهروب خوفًا من الصعق. وفى نفس الوقت، تقترب «سيدة» من المقهى، قادمة من منطقة البيطاش غرب الإسكندرية، تبلغ من العمر 30 عامًا، تسير بصحبة ولديها علي وأحمد خالد، (8 سنوات، و4 سنوات»، متجهه إلى إدارة محرم بك التعليمية، لنقل ابنها على لإحدى المدراس، ويراها «القهوجي» ويطلب منها التوقف ولكنها لا تراه!!، ودون أي مقدمات تتوقف أقدام طفليها ليسقطا أمامها دون حركة وتسرع نحوهما، ويتوسل «إسلام» السيدة ألا تقترب من أبنائها، قبل أن يضع كرسيًا خشبيًا لإمساكها. وحاول «إسلام» أن يقف على الكرسي ولكن قوة تدفق المياه أفلتت توازنه ليسقط هو الآخر ويموت في الحال صعقًا بالكهرباء، وسط صراخ الأهالي ومرتادي المقهي، ليتصلوا بالنجدة التي تحركت إليهم على الفور، وكذلك سيارة إسعاف، ولكن الجميع وقف عاجزًا لقرابة الساعة ونصف خوفًا من الصعق. وجرفت مياة الأمطار الغزيرة «إسلام» أسفل سيارة وكان الأهالي في حالة «هستيرية» وغضب شديدة من عجز الشرطة والإسعاف، ولذا تحركوا بتلقائيتهم وشجاعتهم لرفع الكابل الكهربائي. «الشروق» داخل مشرحة كوم الدكة مضى أكثر من 6 ساعات على مصرع «إسلام» والطفلين «علي وأحمد» صعقًا بكهرباء الأهمال، وخلال هذا الوقت، لقى طه محمد طه، (25 عامًا)، مصرعه صعقًا أيضًا نتيجة سقوط كابل كهربي داخل حفرة مياة بمنطقة المنشية، كما توفى القبطان حسن الناضوري، نتيجة أزمة قلبية بعد أن غرقت سياراته أسفل كوبري المندرة التابع لدائرة المنتزة. الجثامين كلها داخل ثلاجة المشرحة، والأهالي تقبلوا الفاجعة وترحموا على موتاهم، ولكن الجميع ينتظر تكريم الجثامين بسرعة دفنها، وهو ما لم يحدث على الرغم من إرسال محافظ الإسكندرية، وكيل وزارة التضامن الاجتماعي، لتسهيل عملية إستخراج تصاريح الدفن لأهالي الضحايا. الوقت يمر ومعه تتزايد علامات الغضب على وجوه الأهالي، متسألين ما الذي يمنع حضور النيابة العامة لمعاينة جثامين موتاهم «ضحايا الإهمال»؟، فيما تصاب والدة الطفلين بصدمة نفسية وعصبية أثناء التحقيق داخل سرايا النيابة، لسماع أقوالها. نجل القبطان حسن الناضورى، حمل المحافظ، والحكومة المسؤولية عن مصرع والده، واتهمهم بالإهمال الجسيم، والتسبب في مصرع أرواح بريئه، إلى جانب تقاعس النيابة العامة، وعدم إسراعها في استخراج تصاريح الدفن لوالده، وباقي الضحايا، ومطالبتهم لهم لتأجيل مراسم الدفن إلى اليوم الاثنين. وكيل وزارة التضامن الإجتماعي، الذي يتواجد أمام المشرحة، لم يتمالك نفسه عند مشاهدة الأطفال وهم في المشرحة، وصرح ل«الشروق»، بأن «الشتاء برىء مما حدث لهؤلاء الأطفال، وأن الإهمال ثابت، والنيابة العامة سوف تحاول إثباته خلال الأيام القادمة». لماذا تغرق العاصمة الثانية؟ بالأمس، كان اللواء طارق المهدي، واليوم هاني المسيري، المحافظ الجديد، يدير الأزمة مع أول «شتواية» عقب توليه المسؤولية، تغرق الإسكندرية في مياه الأمطار، استدع قيام «المسيري» بعقد مؤتمر صحفي حضره كل مسؤولي إدارة الأزمة من مديري «إدارة المرور، وهيئة الصرف الصحي وإدارة الحماية المدنية»، والسكرتير العام الذي يرأس جميع رؤساء الأحياء، وأثناء الاجتماع كان الجميع يحاول التهرب من المسؤوليه، وهو ما جعل المحافظ يرسل مذكرة إلى رئيس الوزارء، يؤكد فيها وجود نقص حاد بشبكات البنية التحتيه التي تهالكت عبر سنوات. «الشروق» رصدت ارتفاع حدة الغضب بين جموع المواطنين الذين ألحقت بهم خسائر بشرية ومادية جسيمة، حيث قام العشرات منهم بتحرير عدد من المحاضر للمطالبة بإقالة محافظ الإسكندرية، فضلاً عن ذهاب عدد كبير منهم لمقر قيادة المنطقة الشمالية بمنطقة مصطفى كامل، للإستغاثة بالرئيس السيسي. «الرئاسة» تتدخل.. وإقالة «المسيري» وعلمت «الشروق»، أن جهات سيادية داخل قيادة المنطقة الشمالية العسكرية، رفعت تقريرًا سريعًا إلى رئاسة الجمهورية، بشأن حالة الغضب الشديدة التي اجتاحت الشارع السكندري، ليكون الرد سريعًا من الرئاسة لرئيس مجلس الوزراء، مفاده: «ضرورة إقالة محافظ الإسكندرية، ودعوة مجلس الوزراء، للاجتماع مع الرئيس، في صباح الاثنين، لبحث تداعيات ما يحدث بمحافظات مصر». وعقب ذلك الاتصال، تم الاتفاق مع «المسيري»، على تقديم استقالته كجزء من الخروج اللائق، ولاسيما أن التخلي عن محافظ الإسكندرية، لم يكن ضمن خطة رئيس الوزراء، ووزير التنمية المحلية، بعد تصريحهما بأن «ما حدث بالإسكندرية اليوم أكبر من أي محافظ، وأي مسؤول، وألصقا التهمة بإنهيار شبكة البنية الأساسية التحتية»، ووافقا على إقامة مشروعين لشبكة مياه الأمطار والصرف الصحي، وتخصيص 75 مليون جنيه بشكل عاجل لحل تلك الأزمة.