«في 12 مارس 1896، أرسل رئيس وزراء بريطانيا إلى اللورد كرومر لتجريد حملة بطريقة مفاجئة، من الجنود المصريين والإنجليز بقيادة كتشنر لاسترجاع دنقلة، وقد فوجئت الحكومةُ المصرية بهذا القرار، واضطر الجيش المصري للتعبئة بشكل مفاجئٍ». تناولت الصحف المصرية هذا الخبر تبعا لميل كل صحيفة، حيث تناولت جريدة «المقطم» هذا القرار كما لو أن أمر الحملة أمر مصري يخص المصريين، وأن القائم بهذا القرار المصيري الخديوي وحكومته، وهذا على نقيض جريدة «المؤيد» التي شنت حملة على حكومة الاحتلال، وفضحت التبعية التي وقع في أَسْرِها الخديوي والحكومة المصرية، والتي جرت الجيش المصري في حملة غير محسوبة العواقب إلى أدغال إفريقيا. أما الأهرام، فقد هاجمت الحملة، ولكن ليس بنفس دوافع «المؤيد»، ولكن بسبب أن «الأهرام» تدافع عن الاتجاهات الفرنسية. - أظهرت الصحف المعارضة انزعاج الباب العالي العثماني من الحملة، وبرغم احتكار جريدة «المقطم»، بأمر اللورد «كرومر» كل أخبار الحملة إلا أن معظم الصحف قدمت تحقيقات متميزة عن أنباء الحملة وأحوالها، وأظهرت معاناة الجيش المصري في مواجهة دراويش «المهدية» في السودان، والتى نال فيها الجيش المصري هزائم موجعة رغم قلة عدد الدراويش، وبساطة أسلحتهم، مقارنة بحجم الجيش المصري وعتاده وقيادته الإنجليزية، وازدادت أحوالُ الحملة سوءًا. - لجأت «المؤيد» إلى الربط الدائم بين ما يحدث على جبهة جنوب السودان وأهدافه، وما يحدث على الجبهة المصرية السياسية، وإبراز دوافع مقاومة الاحتلال. لذلك أصدرت نظارة الحربية أمرها بمنع وصول أنباء حملة دنقلة، إلى جريدة المؤيد وهذا طبقا لتعليمات اللورد «كرومر». - وبرغم هذا المنع، إلا أن جريدة المؤيد اعتمدت على عدة مصادر سرية لمعرفة أنباء الحملة، وكان و من أحدِها المواطن «توفيق أفندي كيرلس»، الموظف بمكتب تلغراف الأزبكية والذي سرب للجريدة وصاحبِها الشيخ «علي يوسف» أسرار الحملة، والمراسلات المتبادلة التي كانت تحوي المصاعبَ التي يتعرض لها الجيشُ المصري في حملته بالسودان. - وفي 26 يوليو من عام 1896، أرسل السردار البريطاني كتشنر قائد الحملة برقية باللغة الفرنسية إلى ناظر الحربية في مصر مكونة من 566 كلمة تلقاها مكتب تلغراف الأزبكية وأرسلها للوزارة في مظروف مغلق ومختوم، يخبره فيها بتفشي داء الكوليرا في الجيش، ووفاة بعض ضبَّاط الجيش من الإنجليز. - وقعت البرقية في يد موظف التلغراف، فسربها إلى الشيخ علي يوسف صاحب المؤيد، وفي اليوم التالي رأى كتشنر البرقية السرية التي أرسلها منشورة بجريدة المؤيد تحت عنوان «أحوال الجيش المصري على الحدود» وتحتوي على تقرير عن وباء الكوليرا في أسوان والسودان وحلفا، ووصوله حتي جنوب مصر، ما جعل اللورد «كرومر» يشعر بالحرج من انكشاف أحوال الحملة بهذا الشكل المزري أمام الشعب المصري، وأمر ناظر الحربية بالتحقيق، واتجهت الشبهة إلى موظف التلغراف، وتمت مراقبته «توفيق كيرلس» وقبض عليه وهو ينسخ إحدى البرقيات ووجهت إليه تهمة إفشاء أسرار الحاكم الإنجليزي وتولى التحقيق وكيل النيابة محمد بك فريد، آنذاك. استدعى الشيخ علي يوسف الذي رفض التصريح بمصدر المعلومات محتجا بسر المهنة، وأوصى وكيل النيابة بحفظ التحقيق بالنسبة للشيخ يوسف لعدم وجود الدليل على إدانته، لكن أعلن النائب العام الإنجليزي تقديمه إلى المحاكمة. انتهى التحقيق بتوجيه تهمة إفشاء لأسرار الجيش وإثارة للذعر عند أهالي الجنود إلى كيرلس وإلى علي يوسف كشريك، وقدمت القضية إلى محكمة جنح عابدين، وفجر إبراهيم الهلباوي المحامي مفاجأة وهي أن الشاهد الوحيد على موظف التلغراف «إسكندر تادرس» هو محرر بجريدة المقطم الذي يهاجم المؤيد في مقالاته تحت عنوان «الزارع للشر عند ابليس». فصدر الحكم ببراءة الشيخ علي يوسف والذي حمل على الأعناق إلى خارج المحكمة، وحبس «توفيق كيرلس» ثلاثة أشهر، وفي الاستئناف صدرالحكم ببراءته.