ساهم الأزهريون فى تطور الصحافة المصرية عند بداية ظهورها فى مصر فى بداية القرن التاسع عشر وكانوا هم فرسانها الذين اعتمد الوالى محمد على باشا فى تحرير الصحف التى ظهرت فى عصره وعصر خلفائه الذين جاوا من بعده مثل صحف: الوقائع المصرية، ووادى النيل، وروضة المدارس، والأهرام والتنكيت والتبكيت، وجريدة المؤيد، الذى أنشاها الشيخ على يوسف الأزهرى موضوع كتابنا فى السطور التالية، واستمر الأزهريون يشاركون فى هذا المجال فى الصحف والمجلات التى ظهرت فيما بعد: كالمنار، واللواء، والأخبار لأمين الرافعى، والرسالة، والثقافة، والأزهر، ومنبر الإسلام .. تاريخ حافل من المجد ينبعى تسليط الضوء عليه ودراسته وتعريف الناس به، لم يقصد الأزهريون الإثارة والتهويل كما فعلت الصحف المارونية وصحف التغريب ذات التمويل المريب، وإنما عملت على نشر الوعى والثقافة لدى قطاعات عريضة من الجماهير، حافظت على ميثاق الشرف الإعلامى الذى يهدر دمه اليوم، ولا يرعاه كثير من المنخرطين فى هذه المهنة، لذلك نرجع كثيراً إلى هذه الصحف ننهل منها الدروس والعبر، ونتاولها بالدرس لأنها أدت الرسالة المرجوة منها. وسوف نستعرض فى السطور التالية لكتاب "الشيخ على يوسف وجريدة المؤيد"، الذى كتبه الأستاذ الدكتور سليمان صالح أستاذ الإعلام فى كلية الإعلام جامعة القاهرة، وهو فى الأصل رسالة جامعية نال بها صاحبها رسالة الماجستير من كلية الإعلام تحت إشراف الدكتور خليل صابات، ويتكون الكتاب من سبعة فصول، تناول فيها سيرة الشيخ على يوسف الذى ولد فى قرية بلصفورة مركز البلينا بمحافظة سوهاج فى سنة 1863، وقد توفى والده بعد عام واحد من ولادته، وقد نشأ معدما فقيراً، لم يستسلم لمشاق الحياة، بدأ على يوسف فى دراسة العلوم الدينية فى كتاب قرية بنى عدى المشهورة بإنجاب مئات العلماء الأزهريين، وقد انتقل إلى هذه القرية بعد وفاة والدة بصحبة أمه، وفى هذا الجو العلمى الصحى أتم حفظ القرآن الكريم وهو فى الثانية عشر، وفى عام 1881 انتقل إلى القاهرة للدراسة بالأزهر الشريف، وكانت الأوضاع فى مصر حبلى بالثورة العرابية التى قادها أزهرى هو الزعيم أحمد عرابى، وكانت مبادىء الشيخ جمال الدين الأفغانى يعتنقها قطاع عريض من علماء وشيوخ الأزهر وآمن الشيخ على يوسف بهذه الاراء ، وأمضى بالأزهر فترة طويلة ولكن دون أن يحصل على شهادة العالمية، فى تلك الأثناء يتجه إلى نظم الشعر حيث استطاع نشر ديوان كامل فى سنة 1885بعنوان "نسمات السحر"، كما عمل بالصحافة، فساعد أحمد فارس الشدياق فى تحرير جريدة "القاهرة"، ثم عمل محرراً فى جريدة "مرآة الشرق" التى أصدرها سليم بك عنحورى عام 1879، وهى إحدى الصحف المهمة التى روجت لمبادىء جمال الدين الأفغانى، عمل على يوسف بهذه الجريدة سنة 1884 وتولى رئاسة تحريرها حتى أغلقت نهائياً سنة 1886.
فكر الشيخ على يوسف بعد ذلك فى إنشاء جريدة أدبية، وقد واجه فى سبيل الكثير من الصعوبات التى رصدها المؤلف، صعوبة الحصول على رخصة، وعدم وجود التمويل الذى يستطيع به إصدار الجريدة الجديدة، ولكنه تمكن بمعاونة الشيخ أحمد ماضى زميله فى الأزهر من إصدار جريدة "الآداب" عام1887 التى استمرت عامين ، وقد عرفه الوطنيون من خلالها، ثم تأتى اللحظة الحاسمة فى حياته وهى إصداره جريدة "المؤيد" عام 1889، بمعاونة رجال الحركة الوطنية الأمر الذى دفع جريدة "الجريدة" أن تقول: "إن الوطنيين بمعاونتهم له على إصدار المؤيد قد منحوه ينبوعاً للثروة والجاه".
وقد تعرضت الجريدة لتحديات جمة ومنافسة من الجرائد الموالية للإستعمار على رأسها جريدة "المقطم" التى خصها اللورد كرومر بالرعاية وتوفيرالأخبار، وقد هاجمت الإحتلال البريطانى بعنف منذ إنشائها، وقد احتضنت جريدة "المؤيد" خلال الفترة التى مثلت فيها دور اللسان الناطق باسم الحركة الوطنية بكل تياراتها المتحالفة مع الخديو عباس الحاكم الشرعى للبلاد فى مواجهة الانجليز المحتلين للبلاد، وهى التيارات التى شكلت الأحزاب المصرية الثلاثة سنة 1907(الحزب الوطنى، وحزب الإصلاح على المبادىء الدستورية، وحزب الأمة)، وتعرض المؤلف لظروف نشأة جريدة المؤيد وتطورها، ومواقفها من القضايا السياسية والوطنية والأزمات التى تعرضت لها، خصوصاً مع الشيخ أحمد ماضى، وقضية التلغرافات التى نشرتها بعد أن توصلت إلى نسخة منها وهى أن الجنرال كتشنر بعث بتلغراف إلى وزير الحربية يخبره فيه بأن الكوليرا قد تفشت فى الجيش، ثم ذكر عدد الإصابات والوفيات التى حدثت بين الجنود المصريين فى السودان وكان سبقاً صحفياً بلغة العصر ، استطاع على يوسف الحصول على نص التلغراف وترجمته فى 28يوليو 1896، وهو يبين مدى معاناة الجنود المصريين وتدنى أحوالهم المعيشية تحت القيادة الانجليزية فى السودان وتمت محاكمة على يوسف وبراءته، ومحاولة الحكومة نفيه وإغلاق المؤيد .. كما خصص الباحث فصلاً لحرية الصحافة فى عهد لورد كرومر، والصراع بين كرومر والخديو عباس، وتحول المؤيد إلى جريدة ناطقة باسم الخديو عباس، كما تحدث عن تطور توزيع جريدة المؤيد، وتطور ملكيتها، وفترات توقفها.
وقد اهتم المؤلف بدراسة "حزب الإصلاح على المبادىء الدستورية"، الذى أنشأه الشيخ على يوسف ليكون ناطقاً باسم الخديو عباس حلمى الثانى، وتناول تكوينه الطبقى، ونشاطه السياسى، كما تناول موقف المؤيد من القضايا الوطنية، وبالأخص موقفها من الاحتلال البريطانى وسياسته فى مصر، واعتداءاته، وإعادة فتح السودان، وأزمة فاشودة واتفاقية السودان. كما تناول المؤلف موقف المؤيد من الاحتلال البريطانى فى الفترة 1900إلى 1915خصوصاً من الوفاق الودى، وحادثة طابا سنة 1906التى حاولت الدولة العثمانية إقتطاعها من مصر وضمها لفلسطين، فتبنى هذه القضية حتى فشلت هذه المحاولة، ثم تناول العديد القضايا الأخرى كحادثة دنشواى الغاشمة وحط مع جريدة اللواء على الاحتلال الانجليزى البغيض، ثم تعرض لمحاولة مد إمتياز قناة السويس التى تحمس لها رئيس مجلس الوزراء بطرس غالى وحاول فرض رأيه على الجمعية التشريعية .. وكذلك رصد المؤلف لموقف المؤيد من الدستور وقضايا الحريات ومن قضايا الإصلاح الاجتماعى والاقتصادى، وخصوصاً الصراع بين سعد زغلول وزير المعارف ودنلوب فى وزارة المعارف، والجامعة المصرية هذا المشروع القومى الناجح الذى تكاتفت حوله كل القوى الوطنية لإخراجه إلى النور، وقضية تحرير المرأة ، وقد أوضح المؤلف أن المؤيد هى التى نشرت مقالات قاسم أمين عن تحرير المرأة، ثم انقلب أمرها عندما أصدر كتابه الثانى "المرأة الجديدة" فى عام 1901، والتزمت حتى عام 1915 بالدفاع عن الحجاب ضد السفور.
كما عالج المؤلف موقف المؤيد من الإصلاح الإقتصادى، والصناعات الوطنية والتجارة المحلية، ومن الدعوة إلى إنشاء بنك وطنى، كما تحدث عن موقفها من قضايا الفكر القومى، والجامعة الإسلامية، والقومية العربية، والوطنية المصرية.
وبعد ما أحلى شباب الصحفيين أن يرجعوا إلى تراثنا الصحفى المجيد ينهلون منه، ويستمدون منه الدروس والعبر وكيفية التناول والحس الوطنى الزائد الذى كان سائداً... الكل يريد المجتمع فى أحسن حال، هذا الجيل القديم كانت لديه رسالة عظيمة لا تنتظر المقابل، وكان لا يستطيع أحد من الثراة ورجال الأعمال ان يشترى ذمة كاتب، لذلك عاشت فى وجدان الناس كثير وأسفوا عن احتجاب هذا النوع من الصحف والمجلات.