الرئيس السيسي يصدق على مبادرة «مصر معاكم» لرعاية القصر من أبناء شهداء    الرئيس السيسى يثنى على الخدمات المُقدمة من جانب صندوق تكريم الشهداء    «الوطني الفلسطيني»: غزة جزء لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية    ضمن «صحح مفاهيمك».. واعظات «الأوقاف» يقدمن لقاءات توعوية لمكافحة العنف ضد الأطفال بشمال سيناء    الكرنبة ب30 جنيه.. أسعار الخضروات اليوم الثلاثاء 28 أكتوبر 2025 في أسواق المنيا    بينها التصالح بمخالفات البناء.. 9 قرارات هامة في اجتماع الحكومة الأسبوعي    مدبولي: افتتاح المتحف المصري الكبير سيسهم في جذب المزيد من الحركة السياحية لمصر    شقق شركة مدينة مصر تبدأ بمقدم 140 ألف جنيه وقسط شهري 5 آلاف فقط.. تفاصيل المشاريع وفرص الاستثمار العقاري    وزيرة التخطيط: تهيئة بيئة الاستثمار لتوسيع نطاق مشاركة القطاع الخاص    محافظة أسوان تنفذ حملة لرفع 500 حالة إشغال ومراجعة تراخيص المحلات    نتنياهو: حماس سلمت جثة محتجز عثر الجيش الإسرائيلي على رفاته بالفعل    زيلينسكى: مستعدون للسلام دون التنازل عن أراضٍ    جهود لبنانية - أمريكية لحصر السلاح بيد الدولة.. وحزب الله يرفض التسليم    تطعيم لاعبي الأهلي وجهاز الكرة ضد فيروس A    لتعزيز الصدارة.. موعد مباراة نابولي ضد ليتشي والقناة الناقلة    موعد مباراة أتالانتا وميلان في الدوري الإيطالي    حسم موقف آدم كايد من مباراة الزمالك والبنك الأهلي    رابطة الأندية: لا تأجيل لمباراتي بيراميدز.. وطولان لم يقدم برنامج إعداد المنتخب الثاني    «الداخلية» تعلن مواعيد إجراء «قرعة الحج» على مستوى الجمهورية (تفاصبل)    الداخلية تعلن البدء فى إجراء قرعة الحج بعدد من مديريات الأمن بالمحافظات    صانع محتوى يدّعى تعرضه للسرقة لزيادة المشاهدات.. والأمن يكشف الحقيقة    حملات أمنية مكبرة بكافة قطاعات العاصمة.. صور    العالم يتجه إلى القاهرة.. الصحافة العالمية: المتحف المصري الكبير مشروع يعيد رسم القوة الناعمة المصرية دوليا    المسألة المصرية وعقلية «روزاليوسف» الاقتصادية    افتتاح المتحف المصري الكبير 2025.. مصر تبهر العالم في أضخم حدث ثقافي بالقرن الحادي والعشرين    من قلب الأقصر.. «مدينة الشمس» تستعد لاحتفال أسطوري بافتتاح المتحف المصري الكبير| فيديو    تقترب من 19 مليون جنيه.. إجمالي إيرادات فيلم «أوسكار عودة الماموث»    الإفتاء توضح الحكم الشرعي لتقنية الميكرو بليدينج لتجميل الحواجب    "القومي للمرأة" يشارك في احتفال اليوبيل الماسي للهيئة القبطية الإنجيلية    عشرات شاحنات المساعدات تغادر رفح البري متجهة إلى غزة عبر كرم أبو سالم    مقتل ثلاثة أشخاص في جامايكا أثناء الاستعدادات لوصول إعصار ميليسا    محافظ أسيوط يستقبل الرحلة الجوية المنتظمة بين القاهرة وأسيوط دعما لمنظومة النقل والتنمية بالصعيد    جراجات مجانية لأعضاء النادي في انتخابات الأهلي    رئيس جامعة سوهاج يعلن تكليف 1113 أخصائي تمريض لدعم المستشفيات الجامعية    الشبكة هدية أم مهر؟.. حكم النقض ينهى سنوات من النزاع بين الخطاب    3 وزارات تناقش تأثير تغير المناخ على الأمن الغذائي في مصر    جامعة القناة السويس تنظم قافلة شاملة بقرية أم عزام بمركز القصاصين    دراسة: زيارة المعارض الفنية تُحسن الصحة النفسية    ب«الشيكولاتة والعسل والتوت».. طريقة عمل ال«بان كيك» أمريكي خطوة بخطوة    غيران ولا عادي.. 5 أبراج الأكثر غيرة على الإطلاق و«الدلو» بيهرب    ضبط صانعة محتوى بتهمة نشر مقاطع رقص ب«ملابس خادشة» في الإسكندرية    اتصال هاتفي بين وزير الخارجية ومستشار الرئيس الأمريكي لبحث تطورات الأوضاع في السودان وليبيا    فلكيًا.. موعد بداية شهر رمضان 2026 ومكانته العظيمة في الإسلام    ضبط (100) ألف مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 28-10-2025 في محافظة الأقصر    ضبط 3 أطنان دقيق في حملات مكثفة لمواجهة التلاعب بأسعار الخبز الحر والمدعم    «بلغهم بالتليفون».. شوبير يكشف تفاصيل صادمة في أزمة إيقاف «دونجا» ودور عامر حسين    شيخ الأزهر للرئيس الإيطالي: ننتظر إعلان إيطاليا الاعتراف بدولة فلسطين    استعدادات مكثفة لمتابعة جاهزية المراكز الانتخابية قبل انطلاق انتخابات النواب بقنا    وزير الداخلية التركي: لا خسائر بشرية جراء زلزال باليكسير    ميسي يكشف عن موقفه من المشاركة في كأس العالم 2026    الصين تحقق مع نائب برلماني تايواني للاشتباه في قيامه بالدعوة للانفصال    14 شاشة لمشاهدة احتفالات افتتاح المتحف المصري الكبير بأسوان    نزلات البرد وأصحاب المناعة الضعيفة.. كيف تتعامل مع الفيروسات الموسمية دون مضاعفات؟    الباعة الجائلون بعد افتتاح سوق العتبة: "مكناش نحلم بحاجة زي كده"    استقرار اسعار الفاكهه اليوم الثلاثاء 28اكتوبر 2025 فى المنيا    خالد الجندي: في الطلاق رأيان.. اختر ما يريحك وما ضيّق الله على أحد    بعد حلقة الحاجة نبيلة.. الملحن محمد يحيى لعمرو أديب: هو أنا ضباب! أطالب بحقي الأدبي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الذين يطلبون فرعونًا جديدًا
نشر في الشروق الجديد يوم 07 - 10 - 2015

لا يكفى أن يطمئن الرئيس المصريين من أن أحدا «لا يستطيع أن يعود بهم إلى الوراء أو أن يفرض عليهم إرادته، لا رئيس ولا غيره».
القضية لا تتعلق بنوايا رجل بقدر ما تتعلق بالخيارات الكبرى التى تجعل مثل هذه العودة مستحيلة.
أشباح الماضى تحوم فى السياسات والفضائيات تطلب فرعونا جديدا يستأنف ما اعتادته من مصالح على حساب الغالبية العظمى من المصريين.
بقدر حضور الماضى فى المشاهد السياسية والاقتصادية والإعلامية فإن شرعية الحاضر مرشحة للتآكل بأسرع من أى توقع.
وهذا خطر داهم لا يصح التهوين من أخطاره على المستقبل المصرى كله.
بتعبيره لوسائل الإعلام الأمريكية فإن «حلم يناير» مازال حاضرا.
السؤال: أى حلم بالضبط؟
صلب «يناير» الدعوة للانتقال إلى نظام جديد يلتحق بعصره وتستحقه مصر.
بتعبير آخر سجله فى احتفالات أكتوبر: «30 يونيو هو حدث جلل كبير».
هذا مما لا شك فيه غير أن هناك من يطلب خطف «يونيو» على النحو الذى جرى ل«يناير».
صلب «يونيو» طلب بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة.
يصعب الادعاء أننا اقتربنا بأية درجة من هذا الطلب.
بعض الأسباب تعود إلى حجم التحديات التى اعترضته عند صعوده الرئاسى من حرب توحشت مع الإرهاب وحصار دبلوماسى شبه خانق وتصدع اقتصادى ينذر بانهيارات محتملة.
وبعض الأسباب الأخرى تعود إلى غياب أية بوصلة ترشد الخطى وتلهم التغيير العسير.
فى غياب البوصلات تراجعت الرهانات الكبرى بفداحة.
فى فراغ الرؤية تقدم الماضى ليملى كلمته على السياسات ويصفى حسابه مع «يناير».
بتصاعد مخاوف عودة الدولة الأمنية تكاد «يونيو» أن تتقوض.
لا يمارى أحد فى أهمية عودة الأمن لأدواره ودعمه فى الحرب مع الإرهاب لكن ذلك لا يعنى إهدار كرامة المواطنين والعصف بحقوقهم.
ولا يشك أحد فى ضرورة الاستثمار وفق القواعد التى يعرفها العالم لكن ذلك لا يعنى الدوس على الحقوق الاجتماعية للطبقة الوسطى والفئات الأكثر عوزا والتساهل فى أى حرب ممكنة مع الفساد وركائزه.
إطلال الماضى يزكى القلق العام على صورة المستقبل.
الثقة العامة من مقتضيات أى إنجاز محتمل وأى استقرار مطلوب.
لماذا تغيب الثقة العامة فى صورة المستقبل؟
ببساطة لأنه لا توجد رؤية معلنة، السياسة تراجعت بفداحة والقدرة على بناء التوافقات العامة فى أدنى درجاتها.
لم تترتب على «يونيو» سياسات جديدة تنسخ الماضى وتتسق مع دعوتها لبناء دولة العدل والحرية.
نعم «حدث تغيير كبير» على ما يقول الرئيس لكن فى النفسية العامة لا فى السياسات المتبعة.
الناس تغيروا والسياسة لم تتغير.
الإنهاك البادى من تجربة الخمس سنوات الأخيرة لا يعنى أنهم لم يتغيروا.
وإذا كان هناك من لا يعتقد فى ذلك فسوف يدفع الثمن باهظا.
بكلام واضح لم يعد ممكنا حكم مصر على الطريقة التى كانت تحكم بها من قبل.
رغم ذلك فهناك من يطلبون فرعونا جديدا ويلحون على الطلب كأن مصر لم تقم بثورتين لتستحق الديمقراطية.
هذا أسوأ سيناريو ممكن، فهو يسحب من المصريين حقهم فى بناء نظام جديد يلتحق بعصره ويسحب من الرئيس صورته فى التاريخ.
انطوت دعوات تعديل الدستور من فوق منابر الفضائيات على هذه الفكرة المدمرة لأى معنى وقيمة وتضحية بذلت فى هذا البلد.
المثير أن بعض الذين سعوا بدأب لتصفيته معنويا حتى لا يكون مرشحا محتملا لمنصب وزير الدفاع خلفا للمشير «محمد حسين طنطاوى» قبل الانتخابات الرئاسية التى صعدت ب«محمد مرسى» إلى الاتحادية هم بعض الذين يدعون اليوم إلى أن يكون فرعونا جديدا.
القصة طويلة وهو يعرف تفاصيلها ومطلع على أسرارها.
بأى تعريف جدى للدور الذى يتوجب عليه الاضطلاع به بعد ثورتين فإنه بناء دولة المؤسسات لا دولة الفرد، دولة الثورة لا دولة الثورة المضادة.
الثورات ليست خالدة إلا بقدر ما تستقر أهدافها ومبادئها فى الضمير العام.
فى نهاية المطاف تستقر الشرعية الثورية فى الشرعية الدستورية.
الدساتير ليست مقدسة غير أن التلاعب بها عواقبه وخيمة.
هذه حقيقة ثبتت فى تجربتى «حسنى مبارك» و«محمد مرسى».
لا يجوز بأية حال ارتكاب نفس الخطيئة مجددا فمصر لا تحتمل هذه المجازفات الخطرة.
يمكن تمرير أية تعديلات دستورية من المجلس النيابى المقبل بالنظر إلى تشكيله المحتمل.
ويمكن تمرير التعديلات فى استفتاء شعبى، غير أن كتلة حرجة جديدة سوف تولد وتتغير بعدها المعادلات والحسابات.
يحسب للرئيس التنبه لكمائن الخطر وتحسبه من الوقوع فيها.
بنص كلماته فى احتفالات أكتوبر: «إن بعض الناس تتحسب مما قيل عن تعديل الدستور وأنا أشارككم التحسب».
التحسب تعبير دقيق للغاية، فما بعد التلاعب بالدستور انهيار محتمل.
التعبير نفسه إيجابى بشأن قطع الطريق على الذين يتهمون الدستور أفضل إنجاز سياسى ل«30» يونيو بأنه «مؤامرة» انخرطت فيها لجنة «الخمسين» بكامل أعضائها.
كانوا أول من رقصوا للدستور الجديد وأول من مسحوا به صالات الفضائيات قبل تطبيقه.
شىء لا يدعو لأى احترام ويدعو لكل تحسب من المستقبل المجهول.
فى تحسب الرئيس دخول إلى ما وراء الحملة الممنهجة ضد الدستور «أنا واحد منكم ولا تتعاملوا معى باعتبار صاحب سلطان».
السلطان تعبير مخفف للفرعون.
غير أن ما يضمن حسن النوايا أن تتسق معه السياسات.
المعضلة الحقيقية أن التعهدات المطمئنة لا تنعكس فى السياسات الجارية.
لا يستبعد بضغط ذات القوى العودة إلى الإلحاح من جديد على صناعة الفرعون.
فإذا لم يكن «عبدالفتاح السيسى» فليكن من بعده.
اللعبة تحكمها المصالح التى تطلب استنساخ الماضى بسياساته ورجاله.
هذا هو موضوع الصراع الحقيقى فى مصر الآن.
الحسم يتطلب أن تكون هناك رؤية تضمن أوسع توافق وطنى لبناء البلد من جديد الذى نهبت موارده وتقوضت مكانته وتفككت دولته بأثر الماضى وسياساته التى يطلبون عودتها.
أية رؤية حقيقية لابد أن تلتزم بالدستور وإلا فقدت شرعيتها.
هذا موضوع حوار تأخر بأكثر مما هو طبيعى.
وفق تعهده بأنه لا ولاية ثالثة بمعنى لا إلغاء للدستور الحالى الذى يحدد مدد الرئاسة لمرتين يأتى بعدهما رئيس جديد فإن أول مهامه تأكيد احترام القيم الدستورية فى الحريات والحقوق العامة والعدل الاجتماعى وفى التوازن بين السلطات.
تنشأ الدساتير لوضع قيود على السلطة التنفيذية.
إذا لم تكن هناك مثل هذه القيود فإنها لا تساوى الحبر الذى كتبت به.
هذه مهمة ليست هينة فى أى حساب جدى.
إنجازها يضعه مباشرة فى مصاف القادة الكبار الذين انتقلوا بشعوبهم من حال إلى آخر.
والتنكر لها يضعه فى مكان آخر لا يحبه لنفسه.
فهو رجل شغلته طويلا قبل التقدم إلى الرئاسة صورته فى التاريخ.
أخطر اختباراته أن يتذكر أنه بشر وأن الأمانة التى تحملها بإرادة شعبه تستحق رؤية أوضح تعيد ل«يناير» حلمه وتصنع ل«يونيو» دولته الدستورية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.