• اللاجئون العراقيون يستنكرون عدم اهتمام العالم بهم رغم أنهم يغرقون فى البحار ويعبرون الحدود مثل السوريين • فى رحلة اللجوء إلى أوروبا ترى العراق كما تحب أن تراه موحدا بكل مكوناته وأطيافه • الكلمة التى أجمع عليها شباب بلاد الرافدين «ماكو مستقبل بالعراق ولا عودة إليه» • أحمد: أنا من كربلاء وأقسم بالله العراق فى أيام صدام حسين كان أفضل 100 مرة من الآن • مثنى: هربت من داعش فى الموصل.. وشاهدت الدمار فى الرقة وكوبانى السوريتين وأحمد الله أنى وصلت أوروبا • عبدالأمير: حلم حياتى أن أتمكن من سحب عائلتى إلى فنلندا وخاطرت بحياتى لأجل هذا الغرض • وليد: العراق تفتت وإلى التقسيم لا محالة بعيدا عن أمنياتكم بالخارج • فاضل: السياسيون العراقيون يتاجرون بالشعب بعد أن انهارت الدولة فى 2003 بمجرد أن تشرع فى الحديث مع أى من اللاجئين العراقيين الذين يتدفقون على محطة القطار الرئيسية بالعاصمة السويديةستوكهولم حتى تشعر بغصة فى حلوقهم.. شعورهم المقيت بالمرارة جراء الإهمال العربى والدولى حيالهم، وعدم النظر بعين الاعتبار لمعاناتهم، مقارنة بأشقائهم السوريين الذين يحظون بتعاطف يتعاظم يوما بعد يوم فى الأوساط السياسية والإعلامية باتساع الكرة الأرضية. بعد أن تغوص أكثر فى تجمعاتهم سواء فى محطات القطار الكبرى أو فى المسجد الكبير فى ستوكهولم، انتظارا لمواصلة الرحلة إلى فنلندا التى تمنحهم الإقامة أسرع من أى بلد آخر، تكتشف أن هذه المجاميع تضم العراق كما تحب أن تراه.. بكامل مكوناته وأطيافه، تكتشف فيهم العراق الموحد.. غير الطائفى.. وغير المنقسم؛ تتوه فى هذه المجاميع مختلف النعرات التى يتم تعليمها للأطفال مع المشى والأكل والكلام فى مشرقنا العربى المنكوب.. تستعجب من ذلك الشيعى الذى يطيب خاطر السنى، والعربى الذى يقتسم الرغيف مع الكردى.. فهم هنا عراقيون فقط، وإن كانوا لاجئين. الرابط الجامع بين هؤلاء العراقيين الذين يتوقفون على السويد قبل الوثبة لأخيرة فى رحلتهم إلى أرض أحلامهم فى هلسنكى وجاراتها عبارة لا يمكن أن تتحدث إلى أحدهم من دون أن تسمعها «ماكو مستقبل بالعراق».. وبجانب ذلك وجع وجرح عميق من تخلى العرب عنهم ومعاناتهم «تركونا نغرق بالبحار ونتوه فى الغربة.. أكو عروبة بعد؟ أكوا إسلام؟» يتساءل الشباب العراقى المهاجر بحرقة. ينفطر قلبك على بلاد الرافدين، عندما يؤكد أبناؤها الذين فروا من ويلات الحرب والطائفية وانعدام الأمن بعد انهيار الدولة العراقية على يد الاحتلال الأمريكى سنة 2003، عندما يطلبون منك عدم التحدث معهم عن العودة للوطن «الخارج مولود يا أخى، لا عيشة ولا استقرار فى كنف أمراء الحرب ممن يديرون آلة القتل فى بلادنا». «الشروق» التقت عددا من الشباب العراقى فى الشتات، ونقلت قصصهم كما حكوها، ليعرف العرب أن لهم إخوة فى الشتات، يستحقون منهم مجرد الدعاء، وهذا أضعف الإيمان.. كان يقف فى وسط محطة بغداد، وجهه الطفولى يثير الانتباه، تشعر بأنه عائد للتو من مدرسته، أو يستعد للذهاب إليها، طلبت الحديث إليه، فرحب على الطريقة العراقية الجميلة «تتدلل.. تتدلل.. على راسى حبيبى»، قال اسمى صفاء عبدالأمير، عمرى 19 سنة، طالب بالثانوية العامة، سألته عن الذى دفعه للهجرة فى هذه السن الصغيرة، قال «عندما تعيش وسط الانفجارات والرعب والدمار، وإذا كان بإمكانك الهروب منها ولم تفعل فلا تلومن إلا نفسك». خط سير رحلة عبدالأمير، الذى ترك أهله فى حى الكرادة ببغداد، تقريبا هو نفس خط سير آلاف العراقيين والسوريين الذين ينزحون إلى أوروبا، «18 يوما قضيتها فى الطريق الذى مر ببلدان عديدة حتى وصلت إلى هنا فى السويد، لا يفصلنى عن فنلندا أرض أحلامى إلا تذكرة من هذه المحطة إلى هلسنكى، وهناك أبدأ حياة جديدة بعيدة عن الرعب والقتل والدم». قلت: وماذا عن العراق؟ رد بحدة وغضب «ماكو مستقبل بالعراق.. حلم حياتى أن أتمكن من سحب عائلتى إلى فنلندا.. هم مولوا سفرتى وخاطروا بحياتى لأجل هذا الغرض.. التمسك بالحياة وسط الدمار انتحار.. القوانين الفنلندية تسمح بجمع شمل اللاجئين، وتتساهل مع العراقيين بشكل عام». صفاء عبدالأمير يلخص الشاب الصغير رحلته من بغداد حتى وصل السويد فى عجالة «ودعت عائلتى فى بغداد وتوجهت إلى أربيل (شمال العراق)، ومنها تحركت إلى اقرب نقطة تركية إلى اليونان، وهى ميناء أزمير، ومنها اتفقت ومجموعة من الشباب العراقى مع مهرب تركى على تهريبنا إلى جزيرة «ثاسوس» اليونانية، ومن هناك نجحت فى الوصول إلى العاصمة أثينا، ومنها ركبت سيارة إلى حدود مقدونيا، ودخلتها بالفعل، وعشت مغامرات مع الشرطة المقدونية»، يقولها وهو يبتسم وكأنه يحكى عن مباراة فى كرة القدم قد انتهى منها للتو. «سرت على الأقدام يومين حتى وصلت الحدود الصربية، واكرمنى الله ونجحت فى الوصول للعاصمة بلجراد، ومن هناك اتفقت مع مهرب على الاندفاع بى صوب بودابست عاصمة هنجاريا (المجر) مقابل 1500 يورو، وكان حظى وافرا، حيث تم ذلك بسلاسة ولم أتعرض لنصب المهربين مثل الكثيرين من تعساء الحظ، ومن بودابست دخلت النمسا، وفى فيينا شعرت بأن رحلتى قد نجحت، فى فيينا تجد العرب المهاجرين بانتظارك.. مصريين على عراقيين على شوام.. الكل يساعد بحجز التذاكر للوجهة الثانية للاجئين، ويقدمون لنا الطعام والشراب، ويوفرون لنا الراحة ليوم أو اثنين، وهو ما حدث معى، حيث ركبت القطار بعد ذلك من فيينا إلى كوبنهاجن، ومنها إلى ستوكهولم، وبعد أقل من ساعتين سأركب القطار فى اتجاه محطى الأخيرة هلسنكى.. أرض الاحلام». بالقرب من عبدالأمير كان يجلس كرار وليد (21 سنة)، من الدورة ببغداد، قال رحلتى كانت شاقة حتى وصلت إلى هنا.. كانت معى زوجة عمى، الذى كان ينتظرها فى ألمانيا، كنت فى قمة الرعب ليس على حياتى، ولكن لخوفى من تعرضها لمكروه، وأنت تعرف ما يمكن أن نتعرض له فى مثل هذه الرحلة». يتشابه خط سير وليد مع خط سير عبدالامير حتى الوصول إلى النمسا، التى تحرك منها وليد إلى ألمانيا «لا أستطيع أن أصف لك حجم سعادتى عندما جمعت عمى بزوجته التى فقدت الأمل فى الالتقاء به مرة ثانية منذ أن خرج من العراق قبل 6 أشهر، وهناك نجح فى الحصول على عمل، واستقرت حياته» يقول وليد. ويضيف بأنه واصل سيره فى اتجاه فنلندا، حيث ركب القطار إلى مدينة «مالمو» السويدية، ومنها إلى ستوكهولم، حيث هو الآن، ومنها سيتحرك إلى فنلندا. تسأل وليد عن الأسباب التى أدت إلى هذا الوضع بالعراقيين، يكرر نفس عبارة عبدالأمير «نبحث عن مستقبل يا أخى.. ماكو مستقبل بالعراق.. العراق تفتت.. صار أحزابا وطوائف.. وهو إلى التقسيم لا محالة.. نحن عراقيون ونعرف ما نقوله بعيدا عن أمنياتكم خارج العراق بعراق موحد». «مهما حكيت لن تتصور كيف هى الحياة فى مجتمع ضربته الطائفية.. تركت الدراسة بعد أن تلقت العائلة اوامر مباشرة من إحدى الميليشيات بترك المنطقة، لأنهم يريدونها حكرا على طائفتهم فقط، تركنا المنطقة وتركت الدراسة، وأهلى شجعونى على الهجرة على أمل اللحاق بى، بالاستفادة بقوانين جمع الشمل فى فنلندا» يواصل وليد. «كنت صغيرا عندما كان صدام حسين بالحكم.. لكن ما أذكره أن العراق كان أفضل كثيرا عما هو عليه الآن.. ماكو طائفية.. ماكو انفجارات.. لم يكن بمقدور أحد تهجير عائلتى من ديارنا.. كان قاسيا لكن كانت هناك دولة يمكن اللجوء إليها عند التعرض للظلم.. كل ما أتمناه من الله أن أعيش حياة هادئة ومستقرة والعراق له الله». كان يجلس فى مكان قصى بمحطة القطار الرئيسية فى ستوكهولم، قال سأعطيك اسمى الأول فقط، «فاضل»، من جزيرة الخالدين بمحافظة الأنبار، «أعمل مهندسا للديكور، وبالإضافة لذلك كنت أدرس القانون، الذى نفتقد تطبيقه فى بلادنا»، حكى عن رحلته التى تتشابه مع رحلات كل القادمين من العراق إلى أوروبا. تسأله عن العراق يبادرك كالطلقة بنفس العبارة التى تكررت على لسان كل العراقيين الذين التقيتهم فى استوكهولم «ماكو مستقبل بالعراق.. أنا مهندس ولا أعمل.. لا يمكنك أن تسأل بالعراق عن المستقبل.. بل عن قاموس بغيض انتهى من العالم إلا من بلاد العرب.. مفرداته: الطائفية.. المحاصصة.. الحكم الطائفى.. القتل على الهوية.. الميليشيات.. فساد الطبقة السياسية.. انعدام الأمن.. البطالة.. الجوع.. إلخ إلخ». «العودة إلى العراق صارت لى مستحيلة.. كل شيئ فى حياتى ضاع.. مكتبى تدمر.. سيارتى حرقت.. مزرعتنا نهبت، دراستى للقانون عجزت عن الاستمرار فيها، أبى توفى بالحرب مع الأمريكان سنة 1991، وأخى متزوج ولديه أولاد ولا يستطيع مغادرة العراق لهذا السبب، أمى سيدة كبيرة فى السن، أخى وأمى قالا لى هاجر، دبرا لى مبلغا وقالا لى ابحث عن مستقبلك، وقطعت الرحلة آملا فى أن استطيع جلب والدتى إلى هنا»، يحكى فاضل. ويواصل «العراق كان أفضل وأحسن أيام حكم صدام حسين، يا أخى فى عز الحصار الاقتصادى الذى ضرب على بلدنا كانت الأسرة تصرف 14 نوعا من الغذاء بالبطاقة التموينية، وبكميات تكفى وتزيد عن حاجة الأسرة، مضافا إليها حتى أمواس الحلاقة!». «اليوم السياسيون فى العراق يتاجرون بالشعب.. أشهر البنايات فى شوارع لندن وباريس بأسماء ما يسمونهم نواب الشعب العراقى، لا أعتقد أن تحسنا سيطرأ على العراق فى ظل وجود هذه الأحزاب وهذه الحكومة الطائفية.. الآن لا جيش وطنيا بالعراق.. لا جهاز إداريا يخدم كل العراقيين بنفس الدرجة.. لا دولة بالعراق.. ما دام من يحكمونها من الغرباء الدخلاء على العراق ولا نعرف لهم أصلا». بأسى شديد يقول فاضل «كان بودى أن أعيش بدولة عربية ما دام الخروج من العراق قد كتب علينا.. ذهبت إلى الأردن فطردتنى السلطات.. حاولت الذهاب إلى السعودية فرفضوا استقبالى.. أكو عروبة بعد؟ أكو إسلام؟.. المسلمون وكأنهم صاروا غير مسلمين شنو الفايدة؟». كان الوحيد الذى تلحظ ابتسامته من بين جموع العراقيين الموجودين بمحطة القطار الرئيسية بستوكهولم، نادى على «ألا تريد أن تكتب قصة شاب من الموصل هرب من داعش»، وراح فى ضحكة طويلة، رحبت، قال تحب أحكيلك بالمصرى أم بالعراقي؟ أنا أحب اللهجة المصرية تعلمتها من الدراما والأفلام التى أحبها، قلت: كما تحب. قال «اسمى مضر مثنى، فى السنة النهائية بكلية الطب البيطرى، يوم 6 يونيو 2014 صارت معركة كبيرة بالجانب الأيمن من الموصل بحى 17 تموز، وقتها صار فيه حظر تجوال، عشناه لمدة 4 أيام، بعدها نزلنا الشوارع وجدنا الزى العسكرى الذى يرتديه الجنود تحول إلى اللون الأسود، ووجدنا أناسا غرباء لا نعرفهم هم من يسيرون الأمن، وتأكدنا من أن داعش سيطر على كل شئ فى الموصل». «كانت معاملة داعش للسكان فى الأسبوع الأول جيدة، ولكن بمضى الوقت بدأت وتيرة الذبح والقتل على الهوية والاغتصاب بوحشية تظهر للعلن وتطرد بشكل مستمر.. شعور مقيت وانت مرعوب على عرضك.. أن تموت بأى طريقة هذا ما أهونه على الإنسان الحر، أما ان يتم سبى أختك.. أمك.. زوجتك.. جارتك.. هذا هو الذى لا يمكن أن يطيقه بشر»، يواصل مثنى، الذى تختفى ابتسامته كلما مضى فى الحكى. وأضاف «كان لى صديق عزيز، وكان معى أيضا بالجامعة.. قالوا زورا إنه ضابط وأعدموه يوم 17 ديسمبر 2014، بحسب ما قال لأهله بعض الشهود، إلى أن جاء يوم 15 أغسطس 2015 وأخبروهم بأنه مقتول، والجثة ماكو». «بعد مقتل صديقى لم أطق العيش بالموصل.. أبى وأمى كبار بالسن، شجعانى على الهروب إلى تركيا، لكن ذلك ليس بالأمر السهل كما يتصوران، لكى أقوم بذلك يتعين على دخول الأراضى السورية، وهو ما تم بالفعل، رأيت الأهوال عندما مررت بمدينة الرقة السورية وبعدها كوبانى، اللتين شهدتا مواقع عسكرية تشيب لها الولدان، رأيت أناسا لا أعرف ما الذى اتى بهم لتخريب بلادنا، بكيت على أهالينا السوريين من التشرد والبؤس والقهر الذى يعيشون فيه تحت سيطرة أمراء الحرب فى هذه المناطق.. بكيت العروبة الذبيحة والإنسانية التى أهينت فى هذه المناطق.. بعد يومين من الجحيم وصلت الحدود التركية» يقول مثنى. ويضيف «مكثت فترة فى تركيا، وتمكن أهلى من إرسال مبلغ من المال إلى يساعدنى على الهروب إلى بلجيكا، ولما أعلنت السلطات فيها رفض طلبات لجوء العراقيين، قررت تعديل الوجهة صوب فنلندا». «اتفقنا مع مهرب تركى نطلع على ياخت سياحى إلى اقرب جزيرة يونانية، حتى نضمن الإبحار فى أمان؛ ولذلك دفعنا المبلغ مضاعفا، 2200 دولار بدلا من 1100، وعندما ذهبنا للسفر عند منتصف الليل وجدنا الرجل قد أحضر مركب صيد عادى، وإذا قررت التراجع ستضرب بالنار، ولا دية لك، ركبنا المركب دون سترة نجاة، وانطلقت بنا من ساحل أزمير، ودخلنا الشاطئ اليونانى بعد نحو ساعة وأكثر قليلا، دخلنا جزيرة يونانية، وبقينا فيها 5 أيام، إلى أن حصلنا على تصريح بالمكوث فى اليونان مدة 10 أيام بعدها نغادر وإلا أعادونا إلى بلادنا، وهو ما مكننا من الذهاب بالباخرة إلى اثينا»، يواصل مثنى. ويضيف «تحركنا بعد ذلك فى اتجاه الحدود المقدونية، ومنها إلى صربيا، ومنها إلى فيينا، ومنها إلى برلين، فكوبنهاجن، ثم إلى مدينة مالمو السويدية ومنها إلى ستوكهولم، حيث أتحدث إليك الآن، وصباح غد سأكون فى فنلندا إن شاء الله». قبل أن يودعنى مثنى قال لى «أنا عاتب على عرب أسيا، الأفارقة أبعد جغرافيا على الأقل.. أن أتحدث عن الجار القريب.. أيهما أقرب لى فنلندا أم السعودية؟ قطر أم ألمانيا؟ أقول لهم جميعا: ضاع العراق العربى الكبير، وضاعت سوريا قلب العروبة.. ولسه الحبل على الجرار يا عرب.. وكل واحد دوره جاى.. ربنا يستر كما تقولون بمصر».. وغاب عنى مثنى لكن بعد أن تلاشت ابتسامته التى التقانى بها. بالقرب من مقر متطوعى الصليب الأحمر بمحطة ستوكهولم، وقف أحمد حسن، وزوجته التى أمامها رضيعتان فى سيارة صغيرة للأطفال، قال جئت من بغداد، مثل أى شاب من هؤلاء وأشار بيديه على الشباب الذى ينتشر فى المحطة. أحمد حسن وأسرته «العنف والبطالة والطائفية البغيضة تدفع الإنسان كى يكره حياته»، قالت الزوجة، مضيفة بأن «أحمد مدرس، ولا يعمل منذ 5 سنوات، وكان يعيش بدعم اسرته.. ما فيه أحد يحب ترك بلده، لكن لأجل هاتين الطفلتين جئنا إلى هنا.. نريد أن تعيشا بعيدا عن التفجيرات والعنف والكراهية». الحل فى الوضع العراقى المأزوم من وجهة نظر أحمد «فيه رجال يبعثهم الله يعملون لمصلحة العراق والشعب العراقى.. لا مصالحهم الشخصية، لا تصدق أن الحكام الحاليين يحبون طوائفهم.. هم يحبون مصالحهم الشخصية.. ومصلحتهم فى شحن الناس وتحريضهم على بعضهم البعض.. يرحم الله شعبنا المسكين». بالقرب من منطقة حجز التذاكر بالمحطة كان يقف عادل وأحمد، وهما فى العقد الرابع من عمرهما، قالا نحن من كربلاء، وفى طريقنا إلى فنلندا، قلت ما الذى دفعكما للهجرة وأنتم فى الجنوب الآمن نسبيا؟، انفجر عادل فى وجهى «هكذا أنتم يا عرب لا تتصورون أن أحدا يعانى فى العراق غير الطائفة السنية.. يا أخى أقسم بالله الشيعة يعانون من الحكومة والميليشيات مثل السنة بالضبط، الطائفتان مضطهدتان وغيرهما من الطوائف الموجودة بالعراق». لم أنجح فى تهدئة الرجل وكأننى نكأت جرحا غائرا لديه «الجنوب العراقى ليس به داعش لكن به الذى لا يقل وحشية عن داعش.. فيه ميليشيات تتحكم فى العباد.. العمل متوقف.. لدينا برلمان فاشل وحكومة فاسدة.. ماذا تتصورن عن أهل الجنوب.. نعيش فى رغد العيش؟.. أنتم لا تعرفون معنى العيشة تحت رحمة أمراء الحرب.. المجلس الأعلى الذى يترأسه عمار الحكيم والتيار الصدرى وحزب الدعوة كلهم امراء حرب.. هل ارتحت؟.. هل اقتنعت بأن أهل الجنوب يعيشون الجحيم مثل إخوانهم فى مناطق السنة؟.. العراق كله يرثى له». يتدخل أحمد بلهجة اقل حدة «نصف هؤلاء الذين تراهم حولك فى السويد وغيرها من البلدان الأوروبية من الجنوب.. سأزيدك من الشعر بيتا.. أقسم بالله العراق فى أيام صدام حسن كان أفضل 100 مرة من الآن.. الآن العراق صار له 100 زعيم ورئيس.. ضاعت الحرية الشخصية تحت حكم الطوائف.. صدام كان ظلمه يطال الجميع دون تمييز، لكن فى عهده كانت لدينا دولة.. كانت لدينا وظائف.. متاجر وأعمال.. والأهم من ذلك كله كان لدينا أمن.. لم تكن أى ميليشيا على الظهور وفرض الإتاوات على البلاد والعباد.. يا أخى كان لدينا وطن». أثناء انسحابى من نقطة تجمع اللاجئين العراقيين فى محطة ستوكهولم.. تلتقط أذنى أغنية المطرب العراقى سعدون جابر، الشهيرة، المليئة بالشجن والحزن واللوعة على فراق الأهل، يبدو أن شابا كان يستمع إليها من هاتفه المحمول: صغيرون يا بعد أهلنا وبفراقك شلون نذرى لخيط عيونى لمن يرجعون أغيد يا صغير يابا روحى كاويها خايف من الفرقة يابا تحترق بيها نذرى لخيط عيونى لمن يرجعون صغيرون يابعد اهلنا وبفراقك شلون اقرأ أيضًا: مسئولة بالصليب الأحمر: زيادة اللاجئين تضع أوروبا فى ورطة