يوم الثلاثاء سيقف الرئيس الأمريكى باراك أوباما فى مكتبه البيضاوى استعدادا لاستقبال الرئيس حسنى مبارك فى قمة ربما لن تستغرق ساعة كاملة ولكنها ستؤشر لإطلاق صفحة جديدة كما يأمل المصريون والأمريكيون كل لأسبابه من العلاقات المصرية الأمريكية، التى طالما وصفها الرسميون هنا وهناك بالاستراتيجية، بما يعنيه ذلك من آفاق أرحب للعلاقات الثنائية والمصالح الإقليمية المشتركة. تأتى قمة مبارك أوباما الجديدة بعد عشرة أسابيع من أول لقاء جمع الرئيسين فى القاهرة فى الرابع من يونيو خلال ما وصف رسميا «بالزيارة التاريخية» لأوباما الرئيس الأمريكى الذى تضاهى شعبيته فى مصر تلك التى يتمتع بها نجوم السينما الأمريكية أمثال براد بيت وانطونيو بنداريس والتى ألقى خلالها محاضرة فى جامعة القاهرة وعد فيها كما فعل أسلاف له بإنهاء الصراع العربى الإسرائيلى، من خلال اتفاقية سلام تاريخية بين الفلسطينيين وباقى العرب من ناحية وإسرائيل من ناحية أخرى. كما تأتى هذه. ويقول دبلوماسيون مصريون وأمريكيون إن ملف السلام العربى الإسرائيلى سيكون الأساس فى مباحثات مبارك أوباما هذا الأسبوع فى واشنطن. وحسب المصادر الدبلوماسية فإنه من المقرر أن يعرض أوباما على مبارك الخطوط العريضة لخطة سلام يخطط الرئيس الأمريكى لطرحها ربما خلال أول كلمة يلقيها أوباما أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة فى الأسبوع الثالث من شهر سبتمبر هذا العام. وحسب نفس المصادر فإن أوباما سيستمع من مبارك عما يمكن أن يقدمه العرب من خطوات للتطبيع مع إسرائيل لدعم خطته للتحرك نحو السلام كما أن مبارك سيسأل أوباما عن تفاصيل خطة وقف الاستيطان الإسرائيلى غير الشرعى فى الأراضى الفلسطينية المحتلة كفاتحة لإطلاق بعض الخطوات التطبيعية تجاه إسرائيل. ولا يخفى دبلوماسيون مصريون ارتياحهم لما يصفونه «بالكيمياء الجيدة» التى تسود بين مبارك وأوباما. فأوباما كما يقول دبلوماسى مصرى رفيع «غير مغرور ولايظهر عجرفة كريهة كتلك التى كان يبديها (الرئيس الأمريكى السابق جورج) بوش (الابن). كما أنه يبدو جادا فى مسعاه لتحقيق سلام تاريخى بين العرب وإسرائيل وهذا ما يسعى الرئيس مبارك لدعمه». من جانبهم يعرب الدبلوماسيون الأمريكيون بدورهم عن الارتياح لما تبديه القاهرة من «انخراط إيجابى» فى دعم جهود أوباما الهادفة لإطلاق مفاوضات السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل. ويقول دبلوماسى أمريكى زار القاهرة مؤخرا «إننا ممتنون لما أبدته القاهرة من تعاون إزاء طلب أوباما من دول عربية وإسلامية النظر فى سبل دعم السلام وتشجيع الرأى العام فى إسرائيل على دعم حكومته للتحرك نحو التسوية». وحسب الدبلوماسى نفسه، فإن القاهرة أجرت اتصالات عديدة فى هذا الشأن وهو الأمر المقدر أمريكيا. وفى القاهرة كما فى واشنطن هناك تطلع لأن تؤدى هذه الزيارة بصورة ما لإعادة صياغة العلاقات الأمريكية مع مصر وصورة مصر فى أمريكا وصورة أمريكا فى العالم العربى والإسلامى. ويقول دبلوماسى مصرى رفيع، أنهى مؤخرا عمله بسفارة مصر فى واشنطن، إن العلاقات المصرية الأمريكية شهدت «إهدارا كبيرا للطاقات المشتركة التى طالما مكنت القاهرةوواشنطن من تغيير الواقع فى المنطقة» واليوم بزيارة مبارك إلى الولاياتالمتحدة «يفتح الباب أمام التعويض عن هذه الأوقات» الضائعة، بما يخدم «مصالح أمريكا كقوى دولية بلا منازع الآن ومصر كقوى إقليمية عظمى». وعلى الجانب السياسى تتركز المصالح المصرية فى شقين أحدهما إقليمى والثانى محلى، بلا فاصل حقيقى بين الأول والثانى. فمصر كما أشار بيان صحفى صادر عن مكتب وزير الخارجية عازمة من خلال هذه الزيارة على تأكيد كونها الشريك الإستراتيجى المهم للولايات المتحدةالأمريكية. وتفاصيل هذه الشراكة، كما يقول دبلوماسيون مصريون وامريكيون، تشمل التعاون فى إعادة إطلاق عملية السلام العربية الإسرائيلية باجتماعات قد تبدأ تمهيدية فى شرم الشيخ عقب شهر رمضان بين الرئيس الفلسطينى محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو مع ممثلين عن الرباعية الدولية، وصولا إلى مؤتمر سلام إقليمى تستضيفه واشنطن فى بدايات الخريف. كما تشمل تفاصيل التعاون المأمول بين مصر وأمريكا تصورات حول أمن منطقة الخليج بما يشمل منع هيمنة إيران عليها وضمان استقرار العراق. إلى جانب ذلك تأمل مصر فى الحصول على تطمينات من واشنطن بشأن دعم استقرار السودان وبقائه دولة واحدة غير مقسمة بما يعنيه ذلك عدم إسقاط النظام الحالى فى الخرطوم. ومن الأرجح أن يكون سلام الشرق الأوسط واستقرار الخليج على مائدة مبارك أوباما، بينما تأتى القضايا الأخرى على مائدة مباحثات يجريها الرئيس مع نائب الرئيس الأمريكى جو باديدن. أما البعد المحلى فهو بالأساس الاتفاق على تناول جميع القضايا المتعلقة بتطوير الممارسة الديمقراطية المصرية بعيدا عن الإعلام وتناول جميع الخلافات من خلال جلسات منتظمة ومتوالية لحوار استراتيجى يتم على مستوى وزيرى الخارجية مرتين فى العام وعلى مستوى مساعدى الوزراء مرتين إضافيتين. وعلى الجانب الاقتصادى تأمل مصر فى إعادة صياغة أكثر استقرارا للمساعدات الاقتصادية المصرية الأمريكية بما ينهى حالة التهديد التى سادت خلال سنوات الإدارة الأمريكية السابقة والتى مالت أحيانا بتأثيرات من الكونجرس وأحيانا برغبات من اليمين المحافظ فى الإدارة إلى ربط استمرارية المساعدات الاقتصادية بل وأحيانا العسكرية بتطور ملف حقوق الإنسان والديمقراطية فى مصر. ولا يخفى المسئولون المصريون قلقا من صعوبة التوصل إلى صفقات تتلعق بملف المساعدات الاقتصادية وملف تطوير التعاون الاقتصادى فى مجالات التجارة والاستثمار خلال العام الحالى. ويقول دبلوماسى تجارى مصرى «لدينا أفكارا كثيرة ولكن السؤال هل يرغب أوباما، وهل يقدر، على التعامل مع هذه الأفكار؟» والتى تبدأ بتوقيع اتفاقية تعاون تجارى محدثة وصولا إلى بدء التفاوض حول اتفاقية تجارة حرة. ويقر المسئولون المصريون أن رفع صورة مصر كحليف استراتيجى لديه قول وتأثير فى الولاياتالمتحدة وجنى بعض المكاسب الاقتصادية وخفض بل ربما إنهاء أى انتقادات للممارسات الحقوقية فى مصر من شأنه أن يسهم فى تحسين صورة «الحكومة» قبيل انتخابات تشريعية مقررة فى 2010 وانتخابات رئاسية مرتقبة عام 2011. على الجانب الأمريكى هناك أيضا مطالب أبرزها التعاون المتواصل والمعلن فيما يتعلق بدعم فرص السلام الإسرائيلى الفلسطينى، وادماج إسرائيل فى المنطقة. ولا يكف المسئولون الأمريكيون عن تذكير الدبلوماسيين المصريين الذين يلتقونهم «بالشجاعة التاريخية» للرئيس الراحل أنور السادات والتى فتحت باب السلام بين العرب وإسرائيل. وترى واشنطن أن القاهرة قادرة على أن تطرح من خلال اجتماعات جامعة الدول العربية وبالتنسيق مع حلفاء عرب آخرين لمصر وأمريكا خاصة الأردن والسعودية أفكارا فى هذا الصدد. ويقول دبلوماسى أمريكى، رفض ذكر اسمه، إن الانفتاح الذى تبديه سوريا على السلام مع إسرائيل والانفتاح الذى تبديه إدارة أوباما نحو سوريا يجعل العالم العربى مهيئا لاتخاذ قرارات «تاريخية بصورة تدريجية فيما يتلعق بالعلاقات مع إسرائيل». كما تريد أمريكا من مصر أيضا أن تظهر شجاعة فى العراق من خلال فتح السفارة المصرية هناك حتى لو لم يقم السفير المصرى فى بغداد بصورة دائمة لما لذلك من تأثير إيجابى على تشجيع عواصم عربية أخرى إرسال دبلوماسيها للعراق. كما تريد أمريكا من مصر التعاون مع السعودية أيضا فى مساعدة أمريكا فى مواجهة طالبان فى أفغانستان. وحتى الآن يبدو الجانبان مستعدين للتعامل مع هذه المطالب المشتركة. ويمثل حرص الرئيس المصرى كما يقول مسئولون مصريون على إتمام زيارته للولايات المتحدة التى كانت مقررة فى ربيع العام الجارى وتم تأجيلها لظروف فقدان الرئيس حفيده بالرغم من مرور ما لا يجمل ثلاثة أشهر على زيارة أوباما للقاهرة «رغبة مصرية أكيدة فى التشديد على طى صفحة التوتر فى العلاقات مع أمريكا وفتح صفحة جديدة من التعاون الوثيق». ويرافق الرئيس المصرى فى واشنطن وفد رفيع المستوى يمثل تشكيله قائمة المطالب المصرية: وزير الخارجية، ومدير عام المخابرات المصرية، ووزير المالية، ووزير التجارة والصناعة بعد أن حالت الخلافات الداخلية فى الحكومة المصرية من انضمام وزيرة التعاون الدولى صاحبة فكرة تحويل مخصصات المعونة الامريكية لمصر إلى وقف له فوائد سنوية، وبالطبع جمال مبارك أمين لجنة السياسات بالحزب الوطنى الحاكم، وعدد من المفكرين الاستراتيجيين، ورجال الأعمال الذين سيتواصلون مع الوفد، الذى تقول مصادر مصرية وأمريكية متطابقة، إنه الأكبر فى زيارات الرئيس الخارجية، بما فى ذلك للعاصمة الأمريكية.