فى أول يوليو الماضى نشرت مجلة «فورين بوليسى» قائمة بأسوأ خمسة من أبناء الحكام فى العالم. أثارت القائمة فضولى لأسباب أثق فى أنك تعرف أهمها. وحين انتهيت من قراءتها، أثار انتباهى أن المجلة لم تذكر من العرب سوى اثنين فقط من أبناء العقيد القذافى والشيخ زايد رحمه الله. أما الثلاثة الآخرون فكانوا أبناء الرئيسين الصينى والكورى وابن رئيسة وزراء بريطانيا السابقة السيدة مارجريت تاتشر، لم أفهم لماذا اكتفت المجلة بذكر اثنين فقط من أبناء الحكام العرب، لأن ما نعرفه فى بلادنا يرشح قائمة طويلة من أولئك الأبناء بمنتهى الجدارة لاحتلال موقع متقدم فى القائمة. لست متأكدا مما إذا كانت المجلة قد أرادت تمثيل العالم العربى فقط فى القائمة، أم أنها جاملت بعض الأسر الحاكمة لسبب أو لآخر فلم تشر إلى أحد من أبنائها. أو أنها اكتشفت بعد الدراسة التى أجرتها أنها لو نشرت القائمة الكاملة لأسوأ أبناء الحكام العرب، لاستغرق ذلك كل صفحات المجلة، ومن ثم حلت الإشكال بإجراء «قرعة» فاز فيها الاثنان المذكوران. فى عدد أول أغسطس الحالى نشرت المجلة الأمريكية قائمة بأسوأ خمس فتيات من بنات العائلات الحاكمة فى العالم، لم أقبل على قراءة التقرير بنفس الدرجة من اللهفة التى استشعرتها فى المرة السابقة، لذات الأسباب التى تعرفها. ومن ثم أقبلت عليها بفضول عادى خلا من الحماس. وأثار انتباهى أن القائمة تضمنت اسما عربيا واحدا للسيدة رغد ابنة الرئيس السابق صدام حسين وقد صنفت ضمن الأسوأ لأن أباها طلقها من زوجها ثم أعدمه. ولم تبد أى حقد أو إنكار لما حدث، كما أنها اتهمت بدعم المقاومة العراقية، وهى تهمة يحاكم عليها القانون العراقى بالإعدام لكن الحكومة الأردنية رفضت تسليمها، أما الأخريات فقد كن حقا نماذج سيئة لبنات الحكام. ثلاث منهن بنات لرؤساء أذربيجان وبورما ونيجيريا، والرابعة ابنة رئيس وزراء تايلاند السابق. حين تساءلت عن السبب فى أنهم ركزوا على الأبناء والبنات ولم يذكروا الحكام الأسوأ، خطرت لى ثلاثة ردود، أحدها أن يكون ذلك مدعاة لحرج حرصت المجلة على تجنبه، والثانى أن الحكام الأسوأ فى العالم معروفون ويستطيع أى واحد أن يشير إليهم دون عناء. أما السبب الثالث فهو أن الأبناء والبنات لا تسلط عليهم الأضواء عادة. لانهم يتحركون فى ظلال الآباء، وبالتالى فانهم قد يكونون معروفين على المستوى المحلى، لكنهم لا يذكرون عادة خارج الحدود إلا إذا ارتكبوا فضائح مدوية يتعذر احتواؤها فى الداخل. الملاحظة الأهم على الأسماء التى وردت فى القائمتين أنها لأبناء وبنات حكام دول غير ديمقراطية، وأن المسوغ الأساسى لإدراجهم هو استغلالهم لنفوذ الآباء سواء فى تحقيق الثراء الفاحش أو فى ارتكاب أفعال أخرى غير مشروعة (ابن السيدة تاتشر مارس فساده فى بعض الدول الأفريقية). لست مضطرا لذكر الوقائع المنسوبة إليهم أو إليهن، لأنها من قبيل الأفعال التى تنشرها صحفنا باعتبارها أخبارا «عادية». عن الذين نهبوا المال العام وهربوا، أو الذين وضعوا أيديهم على ثروة البلد العقارية، وحصلوا على آلاف الأفدنة بالملاليم، ثم باعوها شبرا شبرا بالملايين، أو غيرهم ممن احتكروا السوق وانقضوا على مصانع القطاع العام التى بيعت بأثمان بخسة، أو استخدموا قوة السلطة لتصفية المنافسين، بطردهم من البلاد أو تلفيق التهم لهم وإيداعهم السجون... الخ. القائمتان تؤيدان القول بأن السلطة مفسدة والسلطة المطلقة مفسدة مطلقة. وإذا قال أى أحد إن الفساد موجود فى كل بلاد الدنيا. فهو محق لا ريب. لكن الفرق بين بلد وآخر يكمن فى أن ثمة دولا يستعلى فيها أهل السلطة وأعوانهم من الفاسدين ويعتبرون أنفسهم فوق القانون، وهناك دول أخرى تنكسر فيها شوكة الفساد مهما علا مقامهم لأن الجميع يخضعون للقانون، وأرجو ألا يستعبط قارئ ويسألنى: إلى أى الفئتين ننتمى.