المناهج الأزهرية جنت عليها الظروف المختلفة فاختفى أمثال شلتوت والغزالى والشعراوى.. وانفسح المجال للأدعياء والمغرضين النبى وعد بأنه سيبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة عام من يتصدرون الساحة ويملأون الفضاء كلاما ويرمون علماء الأمة بالجهل فى أول حوار له منذ أكثر من عامين، قال رئيس مجمع اللغة العربية، الدكتور حسن الشافعى، إن كثيرا ممن يُقصدون الآن لتفسير النصوص الدينية، وما يعتبرونه تجديدا للفكر الدينى، هم غير مؤهلين أصلا لتلك المهمة، والناس يستطيعون بسهولة التمييز بين الأدعياء الذين يتمسحون بفتح باب الاجتهاد، وهم أبعد الناس عن العلم الشرعى وأهله. وأضاف الشافعى ل«الشروق»: الشريعة فى نصوصها وأدلتها لا زيادة فيها ولا نقص منها، ولكن تطبيقها على وقائع كل عصر هو مهمة العقل المسلم.. وإلى نص الحوار: * ما هى رؤيتكم لمسألة تجديد الخطاب الدينى؟ - من الحقائق الدينية المعروفة أن الكتاب والسنة هما المصدران اللذان يعتمد عليهما فى بيان أحكام الدين الإسلامى، وقد جرى «علماء الصحابة»، ومن بعدهم من الفقهاء والمجتمعين أن يتلقوا النصوص الشرعية بالقبول إن كانت قرآنية لتواتر نقل القرآن وثبوت روايته، حرفا حرفا، وإن كانت نبوية أخضعوها لقواعد الحديث للتأكد من حجية ثبوتها أولا، فلا يقبل إلا المتواتر والصحيح والحسن، ثم يأتى بعد ذلك بيان المعنى. فالقرآن كما فى النص الإلهى كلام عربى، ومنه المحكم الذى لا يحتمل إلا تفسيرا واحدا، والمتشابه وهو حمال أوجه وكذلك الحديث، وبيان المعنى فيها يحتاج إلى تطبيق أحكام اللغة العربية، والقواعد الشرعية لتفسير النصوص، وقد تكفل ببيانها «علم أصول الفقه»، وبهذين المعيارين مع معرفة اجتهاد الأئمة السابقين، ومواقع إجماعهم واختلافهم، ومعرفة أحوال الناس. وما يستجد من المسائل والوقائع، فينزلون أدلة الشرع على أحوال الواقع ومن ثم ينشأ ما نسميه الفقه، اعتقاديّا كان وهو الفقه الأكبر أو عمليّا وهو الفقه الذى ينظم مسالك الحياة العملية للفرد والجماعة والحياة الإسلامية، وقد يسميه البعض «الفكر الإسلامى» أو «الفكر الدينى» أو الخطاب الدينى، كما يشيع فى هذه الأيام. بهذه المقدمة التى أرجو ألا تُمِلّ القارئ الكريم يتبين لنا أن الشريعة فى نصوصها وأدلتها لا زيادة فيها ولا نقص منها، ولكن تطبيقها على وقائع كل عصر هو مهمة العقل المسلم المتمرس بعلوم الكتاب والسنة، واللغة العربية، وقواعد أصول الفقه وتطبيقاتها، وتراث الأئمة السابقين، لا يقتصر ذلك على شخص ولا فئة، ولكن يعتمد على الأهلية العلمية، والكفاءة الفكرية، والإخلاص للعلم والدين، دون تأثر بأية دوافع أخرى، كما يُثبت تاريخ أئمة الفقه الأربعة السنية، وغيرهم ممن قبلهم وبعدهم من العلماء والمجتهدين. * ما دور المؤسسات الدينية فى مسألة التجديد؟ - الأمر مقصور على مؤسسة بعينها ولكن لأن علماء الأزهر بمصر، وهو معقل الفكر الدينى فيها بل فى العالم الإسلامى، هم من يرجى فيهم العلم باللغة، والتفسير والحديث، وأصول الفقه التى هى معيار الفهم والتفسير، والتراث الفقهى الغنى للأمة فى عصورها السابقة، لهذا، ولما أكَّده تاريخ الأزهر خلال ألف عام أو تزيد، اتخذهم الناس مراجع لهم، واعترف الدستور المصرى الأخير بهذه المرجعية، فى المسائل الدينية، عند الاختلاف، وهو تقرير للواقع المعيش وإلا فهناك علماء وأساتذة جامعات، وأقسام للشريعة؛ يجمعون الشروط المطلوبة للتصدى لمشكلات الأمة فى ضوء الشريعة، ولهم جهودهم المعتبرة أيضا، ولا يمكن الحجر عليهم، وإن كان لهيئة كبار العلماء بالأزهر مرجعية الإفتاء فيما يجرى الخلاف فيه بين العلماء. ودعنى أقل لك بكل أمانة: إن كثيرا ممن يُقصدون الآن لتفسير النصوص الدينية، وما يعتبرونه تجديدا للفكر الدينى، هم غير مؤهلين أصلا لتلك المهمة، والناس يستطيعون بسهولة التمييز بين الأدعياء الذين يتمسحون بفتح باب الاجتهاد، وهم أبعد الناس عن العلم الشرعى وأهله، وبين العلماء الذين لا يخلو منهم عصر، كما وعد النبى صلى الله عليه وسلم (يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة عام من يتصدرون الساحة، ويملأون الفضاء كلاما، ويرمون علماء الأمة بالجهل والتضليل)، ورحم الله القائل: رمتنى بدائها وانسلت. *هل المجهود الذى تقوم به المؤسسات الدينية كاف للتجديد؟ - هناك تسابق ومنافسة فى هذا الصدد، يلحظهما الجميع، وليس ذلك من طبيعة العمل الفكرى، فالفكر لا يتحرك بفتح الصمام ولا هو «موضة» تظهر فى المناسبات، ولكنه عقول متفتحة، ومناهج علمية، وكفاءات تبنى على نار هادئة، ثم تكون الثمرات والإنجازات المطلوبة. وأهم خطوة فى هذا الصدد ليست فى «الخطاب نفسه» بقدر ما هى فى الخطيب». أعنى الأزهرى الحقيقى القائم بالدعوة إلى الله، وإرشاد الناس إلى صحيح الدين؛ وذلك بالرجوع إلى المناهج الأزهرية الحقيقية التى جنت عليها الظروف المختلفة، فاختفى أمثال شلتوت والغزالى والشعراوى، وانفسح المجال للأدعياء والمغرضين، هذا هو العلاج الحقيقى للقضية دون مواربة، إن أردنا عودة مصر إلى مكانتها فى العالم الإسلامى، واحتفاظها بقوتها الناعمة، وتأثيرها فى عالم اليوم، وفى هذا نفسه نشر الدعوة الحقيقة بالحكمة والموعظة الحسنة ومقاومة تيارات التشدد، التى جلبتها رياح غريبة حاربها الغزالى وغيره من علماء الأزهر، واستشهد من أجلها الشيخ الذهبى. * ما دور مجمع اللغة العربية فى هذا الصدد؟ أما عن مجمع اللغة العربية ودوره: فبالرغم من أن مهمتنا خدمة اللغة وصيانتها وتيسيرها للدارسين، فإن اللغة ليست لسانا فحسب بل هى وعاء لفكر وثقافة، وفى تطوير الفكر المصرى عموما أدبا وإبداعا ونقدا خدمة لهذه الثقافة العربية والإسلامية. على أن المجمع يحوى لجانا متخصصة، منها لجنة للفلسفة الإسلامية وقد سبقت أن أصدرت معجما فلسفيا، يجرى تحديثه الآن، ولجنة أخرى للعلوم الشرعية، سبق أن أصدرت معجما لمصطلحات أصول الفقه، ومعجما آخر لمصطلحات الحديث النبوى الشريف، ويجرى إعداد معجم ثالث الآن للمصطلحات الفقهية يركز على القضايا المثارة فى الحياة المعاصرة، وهذه الثلاثة من أدوات تجديد الخطاب الدينى والفكر الإسلامى. وأعتقد أن فى تضافر المؤسسات العلمية والثقافية واللغوية بمصر وخاصة فى الأزهر والمجامع والجامعات، ما يجعلنا نقف فى وجه الفكر المتشدد فى صوره القديمة والمتجددة: تكفيرا أو إرهابا أو إساءة إلى الدين إذا ما سلكنا الطريق السديد والنهج الرشيد، ولا نشكو خصومنا ومؤامراتهم، وإنما نُجمِع أمرنا، ونجمع قوانا، ونوحد صفوفنا ضد «داعش» وأحكامها فى الداخل والخارج، مخلصين لله وحده، وهو حسبنا ونعم الوكيل.