- عاشت سنواتها الأولى فى قبو مظلم ولم ترَ النور إلا بعد 3 سنوات من ميلادها - أهل هيلين قاطعوها بعد زواجها من مسلم وفضلت العيش فى قرية أم الفحم العربية - أسلمت بعد 13 عامًا من زواجها.. وترفض العنف بجميع أشكاله ترقرقت عيناها الزرقاوان بالدموع وهى تستعيد ذكريات أليمة وموجعة مرت بها فى طفولتها ولم تفارقها يوما حتى الآن بعد أن تجاوزت سن السبعين، فقد ظلت ليلى جبارين منذ ولادتها إلى أن أتمت عامها الثالث محبوسة داخل قبو المنزل الذى اختبأت فيه مع عائلتها بمعسكر «أوشفيتز» النازى فى بولندا لتكتب لها الحياة وتنجو. على مدى أكثر من 50 عاما، أخفت ليلى عن أولادها وأحفادها المسلمين حقيقة أنها كانت من اليهود الناجين من معسكرات الاعتقال النازى، وأنها ولدت فى معسكر «أوشفيتز» على يد طبيب ألمانى مسيحى أنقذها وعائلتها من قبضة الضابط النازى أدولف إيخمان. وقالت أم رجا هكذا ينادونها جيرانها فى بلدة أم الفحم : «ولدت لعائلة يهودية لأب روسى وأم مجرية تزوجا فى يوغوسلافيا (السابقة) حيث أنجبا هناك أخوين لى، وعندما اعتقلوا عام 1941 فى معسكر أوشفيتز كانت أمى حاملا بى فى شهرها الأول، وعند ولادتى فى العام التالى، عرض الطبيب الألمانى المسيحى الذى قام بتوليد أمى أن نختبئ فى قبو تحت الأرض بمنزله بشرط ألا نغادره حتى لا يرانا أحد فى المعسكر، مضيفة: وافقت والدتى على أن تعمل خادمة فى بيت الطبيب بينما كان أبى يرعى حديقة المنزل». وأبصرت ليلى النور بعد ثلاث سنوات عندما وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها وتحرر المعتقلون فى المعسكرات النازية. وعادت الأسرة إلى يوغوسلافيا، واختارت الأم لابنتها اسم هيلين، وهو اسم زوجة الطبيب الألمانى فى «أوشفيتز» اعترافا له بالجميل، ثم أنجبت بعد ذلك طفلة أخرى قبل أن يرحلوا جميعا على ظهر سفينة تقل مهاجرين يهودًا فى طريقها إلى إسرائيل، رست على شواطئ حيفا عام 1948، وكان عمر«هيلين» أو «ليلى» آنذاك ست سنوات. وهنا تتذكر ليلى ما حدث عندما وصلت السفينة إلى ميناء حيفا، قائلة: «أمرنا البريطانيون ألا نغادر السفينة لمدة ستة أيام بسبب قصفهم للمدينة. ثم أقمنا بعدها لمدة شهرين فى عتليت (جنوبى حيفا) داخل أحد المعسكرات حيث طلبوا من الرجال الذهاب للعمل فى مستعمرات قريبة من القرية، على أن تظل النساء مع أطفالهن فى عتليت. وكنا من أوائل الناس الذين ذهبوا للعيش فى تلك المستعمرات بعد الانتهاء من بنائها، طوال عشرة أعوام، ثم انتقلنا بعد ذلك إلى بلدة رامات جان بالقرب من تل أبيب، وتعرفت هناك عام 1960 على زوجى وهو فلسطينى مسلم يدعى أحمد جبارين وكان يعمل بأحد مواقع البناء القريبة من منزلنا». وقررت «هيلين»، التى كانوا ينادونها باسم «ليئة» فى إسرائيل، الزواج من عربى مسلم والعيش معه فى أم الفحم، وهى بلدة عربية محتلة تقع داخل الخط الأخضر فى منطقة حيفا شمالى إسرائيل، إلا أن أهلها رفضوا هذه الزيجة فى بداية الأمر وقاطعوها بعد زواجها لمدة عامين كاملين، إلى أن جاءت خالتها من يوغوسلافيا لزيارة العائلة فى إسرائيل وطلبت رؤيتها، وبالفعل أتى شقيقها الأكبر ليصطحبها من منزل زوجها فى أم الفحم لرؤية خالتها فى رامات جان لتعود المياه إلى مجاريها، وبدأت عائلتها تزورها من وقت إلى آخر فى منزلها. وعن ذكريات «ليلى»، أو«هيلين»، أو«ليئة»، فى سنواتها الثلاث الأولى التى قضتها فى قبو منزل الطبيب الألمانى بمعسكر «أوشفيتز»، تقول: «كانت والدتى تعطينا خبزا منقوعا فى ماء مغلى وملح لنأكل. وكانت زوجة الطبيب تعطيها الدقيق لتغليه فى الماء، بل فى كثير من الأحيان لم تجد أمامها سوى الماء والملح لتطعمنا». وأنجبت ليلى، التى تعيش فى أم الفحم منذ أكثر من 50 عاما، ستة أبناء وبنتا واحدة كما أن لها 29 حفيدا. وهى تعيش وسط جيرانها فى جو من المودة والألفة إذ يحبها الجميع هنا فى أم الفحم ويطلبون منها دوما أن تزورهم فى منازلهم، ويعرفون أنها كانت يهودية الأصل قبل أن تشهر إسلامها بعد 13 عاما من زواجها. كما أن أهل زوجها يحبونها ويأتون دائما لزيارتها. إلا أنها أخفت على الجميع باستثناء زوجها فقط حقيقة ولادتها بمعسكر أوشفيتز، باعتبار أن ذلك الأمر يخصها وحدها وهى التى تشعر بمرارة وأوجاع هذه الفترة من حياتها فضلا عن أن العرب لا يهتمون بما حدث لليهود فى معسكرات الاعتقال. واعتنقت ليلى الإسلام بناء على نصيحة والدتها التى طلبت منها ذلك لكى لا تضطر ابنتها الوحيدة للخدمة فى الجيش الإسرائيلى، لأن الابنة تتبع ديانة الأم عند اليهود، ومن ثم لو بقيت ليلى على الديانة اليهودية فإن ابنتها ستذهب لأداء الخدمة العسكرية فى الجيش الإسرائيلى، كما أن أهل أم الفحم لن يقبلوا فكرة أن تعيش فتاة عربية فى المعسكرات الإسرائيلية. ولا تفرق ليلى فى المعاملة بين العرب واليهود، فهى تعرف جيدا كيف تتعامل معهما حيث يعيش معها فى نفس المنزل مسلمون يكنون لها كل مودة واحترام، فيما تذهب لزيارة شقيقتها اليهودية وهى الوحيدة الباقية على قيد الحياة من عائلتها وتعيش فى نتانيا (شمالى تل أبيب) والتى تأتى هى الأخرى لزيارتها فى أم الفحم. وتتذكر هنا واقعة حدثت لها عند زيارتها إلى الأردن، عندما طلب منها سائق التاكسى أجرة أغلى من التى تعودت أن تدفعها ومن ثم سألته عن السبب، فأجابها «أنتم يهود، وتملكون أموالا كثيرة»، مشيرة إلى أن البعض يخلطون دائما بين اليهود وعرب 1948.