وزير العدل المستشار محفوظ صابر، ارتكب خطأ سياسيا فادحا حينما جهر بما يؤمن به الكثيرون سرا، وقال إن أولاد عاملى النظافة أو «الزبالين» لا يحق لهم الالتحاق بسلك القضاء، المستشار نال عقاب زلة لسانه وتمت إقالته قبل أيام. منذ هذا الوقت وحتى الآن، يتبارى الكثير من المسئولين على إظهار الود والتودد لعمال النظافة، من أول الإمساك بالمكنسة وتنظيف الأماكن، نهاية بالإشادات اللفظية المتوالية وتكريمهم، ورأينا مئات المقالات والتعليقات التى تشيد بالزبالين، وتعلن التضامن معهم، وتنتقد وزير العدل المقال وكل من يؤمن بنفس أفكاره. كل ما سبق جيد، وسلوك محمود، ويعيد الاعتبار لعمال النظافة وأولادهم وأسرهم، وعلينا أن نحيى ونشكر كل شخص أو مسئول قال كلمة حق فى هذا الموضوع، لكن علينا أن نسأل: هل هذا يكفى؟!. للأسف الشديد لا يكفى، لأنه لا يكلف صاحبه إلا نطق بعض عبارات منمقة جميلة ساحرة، أو أداء بعض الحركات العابرة، ثم ينتهى الأمر. ما يحتاجه الزبالون وأولادهم أكثر كثيرا من الكلام والعبارات المنمقة. نعم يحتاج الزبالون إلى التعاطف والكلمات الطيبة، لكن حاجتهم إلى إصلاح أحوالهم هو الأهم. ابن الزبال أو ابن أى مهنة مهمشة يحتاج نظاما تعليميا ديمقراطيا وسليما، ويعبر عن حاجات المجتمع الفعلية، بحيث تتاح لهذا الابن فرصة حقيقية لتعليم حقيقى يتمكن عبره من الحراك الاجتماعى إذا كان متفوقا دراسيا ولديه مؤهلات أفضل من ابن أى مسئول كبير. ما يحتاجه الزبال وأولاده خدمات صحية حقيقية وليس على طريقة التأمين الصحى الراهنة حتى يتمكن من تلقى علاج فعال لأمراض المهنة والتى تجعل ظهورهم محنية والمخاطر التى يتعرضون لها رهيبة وأعمارهم قصيرة. ما يحتاجه ابن الزبال إعلاما مستنيرا ينصره ويدافع عنه وعن كل المهن الهامشية المختلفة، والتى يصفها البعض بأنها مهن دنيا، إعلاما يجعل الناس جميعا يحترمون العاملين فى هذه المهنة، باعتبارهم الذين ينظفون البلد، وأن نتوقف عن استعمال كلمة زبال فى مجال السب والشتم والتقليل من مستوى أصحابها. ما يحتاجه ابن الزبال مجتمعا مدنيا حيويا وعاقلا ونشيطا يقول للناس إن تنظيف الشوارع مهنة محترمة، وأن الزبال أشرف ألف مرة من أى «ابن ناس» عاطل ولا يعمل أو ينفق أموال أسرته على المخدرات والهلس أو التطرف؟. ما يحتاجه ابن الزبال حياة آدمية كريمة، ومسكنا صحيا لائقا، وتأمينا على الحياة ضد مخاطر هذه المهنة الصعبة. ما يحتاجه ابن الزبال أن تعيد السينما النظر فى الصورة النمطية التى تكرسها للزبال، خصوصا بعد الفيلم الشهير لمحمود ياسين وحسين فهمى «انتبهوا أيها السادة» الذى تم إنتاجه عام 1980 واعتبره البعض يسخر من الزبالين ويدعو أساتذة الجامعة إلى هجر مهنتهم والعمل زبالين، لأنهم يكسبون أكثر. مشكلتنا فى المجتمع أن معظمنا يمارس النفاق من دون أن يرمش له جفن، أى ندافع ونتضامن مع الزبالين وسائر أصحاب المهن الدنيا لفظا، فى حين أننا لا نطبق ذلك على أرض الواقع. وبهذا المعنى فربما كان وزير العدل المستقيل أكثر شجاعة، لأنه تجرأ وقال علنا ما يفكر فيه كثير من الناس سرا ولا يعلنونه خوفا من التعرض أحيانا لعقاب المجتمع. نريد أن ينحاز المجتمع للزبالين وغيرهم فى المضمون وليس فى الشكل فقط. الانحياز للزبالين وأولادهم وغيرهم من أصحاب المهن البسيطة يحتاج أفعالا على الأرض وليس كلمات معسولة أمام كاميرات الفضائيات فقط.