هم رجال بسطاء.. يقضون معظم أيامهم فى تنظيف الشوارع، ولولاهم لغرق الناس فى بحر أكياس القمامة.. يطلقون عليهم «الزبالين» وهم فى الحقيقة أقرب إلى «صانعى الجمال» و«حماة الصحة العامة».. «روزاليوسف» عاشت بين عمال النظافة لكى تستطلع احتياجاتهم ومطالبهم.«العيب فى الحكومة مش فى الناس ولا فى الدنيا».. هذا ما قاله عم فتحى- عامل نظافة 57 عاما- وأضاف أنه يعمل بهذه المهنة منذ 40 عاما ولم تتوافر لديه حتى الآن حياة معيشية مثله كمثل الغير كأنهم «مش بنى آدمين». الحكومة كل ما تفعله هو كثرة الكلام، كما أن المواطن يتعامل معنا كأننا حيوانات. مشيرا إلى أن وضع البلد يزداد سوءا، نتعرض للموت كل يوم بسبب الصعوبات التى نواجهها فى جمع «الزبالة» من أمراض وإصابات، بالإضافة إلى بعض الحيوانات الضالة التى تتخفى داخل أكياس القمامة، وعلى الرغم من ذلك فلم يشعر أحد بقيمة «الزبال» فى المجتمع. مشيرا إلى أنه «بدون عامل نظافة سنعيش فى خرابة» وكل مطالبنا أننا عايزين «أن نعيش بنى آدمين مش حيوانات».. لدينا حقوق وواجبات يلزم توافرها. موضحا أن فترة تنظيف كل من التحرير ورابعة كانت أيام صعبة، أخذنا فيها أوقاتا طويلة حتى نتخلص من القمامة التى كانت بهما.
ولكن يوجد فرق بينهما، فمنطقة التحرير الثوار قبل خروجهم قاموا بتنظيفه على أكمل وجه فكان مثل الجنة مما وفر علينا التعب داخل الميدان، أما كل من رابعة والنهضة فكانتا من أسوأ الحالات من الدمار فأخذتا وقتا أطول. مؤكدا أنها كانت تتكون من أغراض شخصية تابعة للقائمين فى ذلك الوقت وغيرها من آثار التدمير من هدم المسجد وكل ما يحيط به، بالإضافة إلى زجاجات المولوتوف والرصاص والدماء على الأرض والخيم وهكذا. وأخيرا تمنى عم فتحى أن تسير البلاد لحال أفضل «عشان تعبنا».
«تجاهل المسئولين لنا نتج عن عدم توافر العديد من الخدمات الصحية والتأمينية التى حرمنا منها كأننا خدام.. إذا مرضنا لا نجد اهتماما».. هذا ما عبر عنه محمد إبراهيم عامل نظافة بإحدى الهيئات، يعمل فى الوظيفة منذ 25 سنة ولديه 7 أولاد، ويعانى من عبء مصاريفهم المعيشية، وكل هذا بمرتب 500 جنيه شهريا، بجانب المعاملة السيئة وخصم اليوم بيومين فلا توجد أى مراعاة لحالة العامل، مؤكدا أنه لابد من تقديرنا واحترامنا مثل أى مواطن على هذه الأرض.
محمود سيد يبلغ من العمر 18 عاما- عامل نظافة فى إحدى الشركات الخاصة، وعلى الرغم من صغر سنه فإنه لم يلتحق بأى مرحلة من مراحل التعليم، فلم يجد سوى هذه الوظيفة حتى يستطيع توفير احتياجات والدته وإخوته الصغار، وعلى الرغم من هذا فلم يجد سوى المعاملة السيئة من المشرفين عليه، مع منع الإجازات الرسمية، مؤكدا أنهم يعيشون يوميا وسط الكثير من أكوام القمامة والقاذورات تحت حرارة الشمس العالية مع التعرض المستمر للعديد من الأمراض والإصابات الناتجة عن جمع القمامة، وهذا يرجع إلى عدم توافر الأدوات والإمكانيات التى تحميهم. موضحا أن كل ما يريده فقط هو العيش بكرامة.
وعبر كمال حسن، عامل نظافة آخر عن حالتهم المزرية قائلا: أعمل بتلك المهنة رغم نظرة المجتمع السيئة لنا ولأولادنا الذين لا ذنب لهم أن يصبح أبوهم عامل نظافة. مضيفا إنهم لم يجدوا العائد المناسب نتيجة عملهم طوال الشهر. مؤكدا أنهم قبل الثورة كانوا تابعين للحى وبعد ذلك أصبحوا تابعين لشركة خاصة، ومن وقتها لم يجدوا أى نوع من العلاوات أو الحوافز لأن مرتبه الشهرى يصل بالكاد إلى 500 جنيه منذ 5 سنوات، ولم يتغير مما جعله مضطرا لمد يده للمواطنين مع ترك عمله، ويتجه إلى جمع القمامة من أمام الدكاكين ليحصل على أى «حسنة» من أصحاب المحلات.
أما محسن عزمى، عامل نظافة، فيشير إلى عدم توافر تأمينات لهم نتيجة التعامل مع أكثر من شركة، مؤكدا أن هذه الشركات غير ثابته بأى إدارة، كما أنه يعانى من كثرة الجزاءات بدون أى سبب، مضيفا إنهم لم يراعوا أى ظروف مرضية، بالإضافة إلى إجبارهم على تحمل ما يتلف من الأدوات التى تسلم لهم من مكانس ومعدات نظافة وغيرها. مشيرا إلى أنه يتمنى وجود نقابة حقيقية لهم تتحدث باسمهم وتطالب بحقوقهم. مؤكدا أن كلمة زبال كلمة معتادة عند المواطنين العاديين، ولكننا نعتبرها إهانة كبيرة تقلل من آدميتنا، مشيرا إلى أن الشوارع والميادين لا تحتاج إلى نظافة بل المواطنون هم من يحتاجون إلى نظافة.
ويؤكد محمد زغلول، عامل نظافة، أن الحكومة تتعامل معهم كفئة مهمشة، وهذا التعامل ينتج عنه العديد من عدم توافر الخدمات اللازمة لبقاء الإنسان حيا، كعدم توافر كل من الخدمات العلاجية والتأمينية وبدل المواصلات، بالإضافة إلى عدم توافر أدوات النظافة التى نعمل بها وكثير من الأمور التى تجعلنا نشعر بالإحباط. مشيرا إلى أن ضعف مرتبه الشهرى الذى يتقاضاه من الشركة التابع لها لم يسد حاجته، على الرغم من أن مرتبه يصل إلى 450 جنيها وبعد الثورة أصبح 750 جنيها وأنه يبلغ من العمر 50 عاما، وحتى الآن لم يتم تعيينه فى الشركة بشكل ثابت رغم كبر سنه، ويتساءل: لماذا لا يكون لنا بدل للمواصلات؟. كما أننا ليس لدينا تأمين، على الرغم من وجود ما يسمى بتأمين اجتماعى، ولكننا غير مسجلين به.
وقال سيد عبدالكريم، عامل نظافة بإحدى الشركات الخاصة: كل ما أحصل عليه من هذه الخدمة 600 جنيه شهريا لا أكثر. مؤكدا أنهم كانوا يضعون آمالا على تحسن أحوالهم المادية بعد ثورتى 25 يناير و30 يونيو، لكن الحال كما هى عليه، بل ازدادت سوءا. مشيرا إلى أن كل الأدوات التى يستخدمها يقوم بشرائها من حسابه الخاص وليس من الشركة التابع لها، وهذا يعنى من وجهة نظره أن أحوال البلد تتدهور من الأقل فالأقل، مؤكدا أن كل ما يطلبه من الحكومة هو الرفق بحال الغلابة من خلال رفع المرتبات وتأمين المعيشة وإحساسنا بالأمان. مضيفا إنهم مهددون دائما بوقف أشغالهم بسبب كل ما يتردد عن إغلاق شركات النظافة المتواجدة فى مصر، «فربنا يستر من الجاى».
ويضيف صالح، عامل نظافة: إن المعاناة والصعاب التى نواجهها فى هذه المهنة لا تنتهى، بداية من نظرة المجتمع القاسية إلى تدنى المستوى المعيشى «يعنى نعيش فين طالما الأرض اللى مولودين عليها مش عاوزانا»، مشيرا إلى أنهم يعيشون بستر ربنا، خاصة أن ما يتقاضاه لا يكفى فردا واحدا 600 جنيه شهريا لا قيمة لها فى «زمن انعدمت فيه الرحمة»، ويتساءل متعجبا: هل هذا المبلغ يكفى لفتح بيت مكون من زوج وزوجة وأولاد؟!. مناشدا الحكومة الرحمة، «فنحن لم نطلب منهم الجاه، إنما نطالب بأبسط حقوقنا وهو أن نصبح على وش الأرض تعبنا من كتر ما احنا تحت الأرض». مضيفا أن الأحوال ازدادت تدهورا بعد ثورة يناير وحتى الآن لم يحدث أى نوع من التغيير أو تحقيق مطلب واحد من مطالبنا فى المعيشة.
ويشير عبدالله كريم، حاصل على دبلوم صنايع، إلى أنه يعمل فى وظيفة عامل نظافة إلا أنه لم يتم تعيينه على الرغم من خروج الكثيرين على المعاش، وأن عدم التعيين يترتب عليه عدم الاستقرار خاصة بعد أن وصلت اليومية إلى 12 جنيها، مؤكدا على ضرورة تعيين العمالة المؤقتة وتثبيتهم حتى يشعروا بالاستقرار، ويكون هذا حافزا لجذب عمال آخرين من أصحاب المؤهلات الذين لا يجدون عملا.
وقال ياسر عيسى، عامل نظافة، إنه يتعرض لكثير من المعاناة من جانب أصحاب المحلات والأهالى لانتشار القمامة فى الشارع. مؤكدا أن الأهالى يوجهون اللوم عليهم على الرغم من أننا نعمل على جمع القمامة ووضعها فى أحد الأركان بحيث تأتى عربات الشركات لإزالتها، ولكنها لم تعمل بقدر المستطاع لكى تقضى على هذا المشهد، مضيفا إنهم يعيشون أسوأ حالات الفقر تحت حكومة لم تراع أى ظروف إنسانية قد تواجه العامل، بالإضافة إلى تدنى المرتبات التى أصبحت أقل كثيراً جداً من مستوى المعيشة اليومية، مؤكدا أن كل ما قامت به الثورتان لم يغير أى شىء فى حياتنا سوى كثرة الأشغال والعمل على تنظيف الأماكن التى تقام فيها الاعتصامات مثل رابعة والنهضة والتحرير، وهكذا، بالإضافة إلى العديد من الإصابات التى نتعرض لها أثناء جمعنا للقمامة، لكن لم توجد لدينا حلول أخرى غير العمل لأن «أكل العيش مر والآن اختفى العيش والأكل هو المر».
وأشار عادل محمد، عامل نظافة، إلى أنه يتم تقسيم ورديات على مدار اليوم منها وردية تبدأ من 7 صباحا حتى 3 عصرا بمبلغ 750 جنيها ومن الساعة 3 عصرا إلى 10 مساء ب 450 جنيها، ومن 10 مساء إلى 7 صباحا ب750 جنيها، على الرغم من ذلك فلم تتحسن الحال نظرا لصعوبة الحياة داخل مجتمع «كل يوم أسعاره بتزيد واحنا بس اللى سعرنا بيقل». مشيرا إلى أنه بعد الثورة تدهورت الحال بهم وأصبح الآن غياب يوم واحد عن العمل يخصم بمعدل 3 أيام، وعلى الرغم من «مص القطاع الخاص دمنا» فلم نجد حلا آخر سوى العمل به. مضيفا إن حالهم بين يد الله فى هذه الظروف، مؤكدا أنه فى حالة وجود حكومة أو عدم وجودها سيبقى الوضع كما هو عليه.