الحكومة: إصدار وإعادة تفعيل 2796 كارت "تكافل وكرامة"    افتتاح المكتب الوطني للوكالة الفرانكفونية بمصر في جامعة القاهرة الدولية ب6 أكتوبر (تفاصيل)    بعد تعيين السيسي 4 أعضاء بمجلس الأمناء.. 5 أهداف للتحالف الوطني للعمل الأهلي (تعرف عليها)    تفاصيل القمة المصرية الأذربيجية بالاتحادية.. السيسي وعلييف يبحثان تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري.. البناء على تقارب السنوات الماضية.. وتناول عددا من القضايا الإقليمية والدولية    جمعية رجال الأعمال تناقش تحقيق مستهدفات القطاع الزراعى فى زيادة الصادرات    تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري يتصدر المباحثات المصرية الأذربيجية بالقاهرة    بالفيديو.. الزراعة تعلن ضخ كميات إضافية من اللحوم بسعر 250 جنيها للكيلو    أسعار الخضروات والفاكهة اليوم السبت 8-6-2024 في سوق العبور    وزير المالية: توسيع القاعدة الضريبية لدفع جهود الاستثمار في الصحة والتعليم    «التضامن»: تبكير صرف معاش تكافل وكرامة لشهر يونيو 2024    وزير الإسكان يُصدر قرارا بإزالة التعديات عن 5 أفدنة ببرج العرب الجديدة    الصحة بغزة تستغيث لتوفير مولدات كهربائية لمستشفيات القطاع    الأمم المتحدة: سكان غزة يستخدمون مياه البحر القذرة لتلبية احتياجاتهم اليومية    أوكرانيا: عدد قتلى الجيش الروسي يصل إلى 517 ألفا و290 جنديا منذ بدء الحرب    رئيس فلسطين يرحب بدعوة مصر والأردن والأمم المتحدة لحضور مؤتمر الاستجابة الإنسانية بغزة    استعدادات مصر لموقعة الجولة الرابعة من تصفيات المونديال.. مران صباحي للمنتخب على استاد القاهرة.. طائرة خاصة للفراعنة.. حقيقة تغريم إمام عاشور.. وهذا موعد التوجه ل غينيا بيساو    الركراكي: انفعال زياش والنصيري بعد استبدالهما أمر إيجابي.. ولم أفهم سبب التراخي    فتح الله يتحدث عن.. صراع ثلاثي على لقب الدوري.. ترشيح الشيبي.. وطلب لشيكابالا    نجم الأهلي يوجه رسالة قوية إلى محمد الشناوي    التحقيقات في العثور على جثة قهوجي مشنوق بأوسيم: مخدر الآيس السبب    نتيجة الشهادة الإعدادية 2024 محافظة المنوفية.. الرابط وخطوات الاستعلام (بعد التصحيح)    نعتذر عن التأخير.. تخفيض سرعة قطارات السكة الحديد اليوم على معظم الخطوط بسبب درجات الحرارة    توافد طلاب الثانوية الأزهرية لأداء مادة اللغة الإنجليزية بالمنوفية.. فيديو    أسرة قهوجى أوسيم تؤكد عدم وجود شبهة جنائية حول وفاته    النائب العام السعودي: أمن وسلامة الحجاج خط أحمر    قتلها ودفنها في المطبخ.. عامل ينهي حياة زوجته لشكه في سلوكها بالغربية    لمواليد 8 يونيو.. ماذا تقول لك نصيحة خبيرة الأبراج في 2024؟    القاهرة الإخبارية: ليلة مرعبة عاشها نازحو رفح الفلسطينية بسبب قصف الاحتلال    فتح باب التقدم بمسابقة فتحى غانم لمخطوطة القصة القصيرة.. اعرف الشروط    هل يجوز الادخار لحم الأضحية؟.. تعرف على رأي الإفتاء    دار الإفتاء للمتخلفين من العمرة لإدراك الحج: حرام شرعا    كيف تستعد وزارة الصحة لاحتفالات عيد الأضحى والعطلات الصيفية؟    إحالة 7 أطباء للتحقيق خلال جولة تفتيشية مفاجئة بأسيوط    عقوبة إفشاء الأسرار الخاصة في القانون    الأهلى يواجه النجوم استعدادا لمواجهة فاركو فى الدوري    حاكم دونيتسك الروسية: القوات الأوكرانية تكثف قصف المقاطعة بأسلحة بعيدة المدى    بعد حادث وفاته..7 معلومات عن رائد الفضاء الأمريكي ويليام أندرس    «الصحة» تستعد لموسم المصايف بتكثيف الأنشطة الوقائية في المدن الساحلية    الجيش الأمريكي يدمر خمس مسيرات حوثية وصاروخين وزورق في اليمن    من جديد.. نيللي كريم تثير الجدل بإطلالة جريئة بعد إنفصالها (صور)    مصافحة شيرين لعمرو دياب وغناء أحمد عز ويسرا.. لقطات من زفاف ابنة محمد السعدي    مواعيد مباريات يورو 2024.. مواجهات نارية منتظرة في بطولة أمم أوروبا    «اهدى علينا شوية».. رسالة خاصة من تركي آل الشيخ ل رضا عبد العال    الفرق بين التكبير المطلق والمقيد.. أيهما يسن في عشر ذي الحجة؟    فريد زهران: ثورة 25 يناير كشفت حجم الفراغ السياسي المروع    "المهن الموسيقية" تهدد مسلم بالشطب والتجميد.. تفاصيل    دعاء ثاني أيام العشر من ذي الحجة.. «اللهم ارزقني حسن الإيمان»    كريم محمود عبدالعزيز يشارك جمهوره صورة من محور يحمل اسم والده الراحل    حاول قتلها، زوجة "سفاح التجمع" تنهار على الهواء وتروي تفاصيل صادمة عن تصرفاته معها (فيديو)    نجيب ساويرس ل ياسمين عز بعد حديثها عن محمد صلاح: «إنتي جايه اشتغلي إيه؟»    مفاجأة.. مكملات زيت السمك تزيد من خطر الإصابة بالسكتة الدماغية    بعد الزيادة الأخيرة.. أسعار استمارة بطاقة الرقم القومي الجديدة وكيفية تجديدها من المنزل    الإفتاء: الحج غير واجب لغير المستطيع ولا يوجب عليه الاستدانة من أجله    طبق الأسبوع| من مطبخ الشيف هبة راشد.. طريقة عمل الجلاش باللحم والجبنة    نيجيريا تتعادل مع جنوب أفريقيا 1 - 1 فى تصفيات كأس العالم    بالأسماء.. إصابة 7 أشخاص في حادث تصادم ميكروباص وملاكي على طريق جمصة بالدقهلية    فريد زهران ل«الشاهد»: ثورة 1952 مستمدة من الفكر السوفيتي وبناءً عليه تم حل الأحزاب ودمج الاتحاد القومي والاشتراكي معًا    منتخب مصر الأولمبي يفوز على كوت ديفوار بهدف ميسي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هيكل بلا حواجز
نشر في الشروق الجديد يوم 04 - 05 - 2015

لم يكن أقرب الصحفيين إلى رجل يوليو القوى «جمال عبدالناصر».
تعارفا على خطوط النار، مقاتل يحارب وصحفى يغطى حرب فلسطين، غير أن العلاقة لم تأخذ مدارها الحقيقى إلا فى مارس (1953) حيث صاغ رؤية القائد الشاب لأفق التغيير على صفحات مجلة «آخر ساعة» التى يترأس تحريرها.
كانت هذه «فلسفة الثورة» أول وثائق يوليو.
عند هذه اللحظة الفارقة فى تجربته الطويلة فرض حول نفسه حواجز منيعة، بتعبيره هو «ستائر كثيفة»، لا ينقل لأحد آخر حرفا واحدا مما يدور مع «عبدالناصر» من حوارات مسهبة فى السياسات العليا تستند على صميم المعلومات.
«‬هل تعرف ما هو الكتاب الذى أشعر بالفخر أننى كتبته؟».
أجاب بنفسه: «لمصر لا لعبدالناصر».
علاقته ب«عبدالناصر» موضوع سجال طويل عن المثقف والسلطة.
كان من رأى المفكر الفلسطينى الراحل إدوارد سعيد «أن المثقف يكف عن أن يكون مثقفا إذا اقترب من السلطة».
سألته: «حتى أندريه مالرو أبرز المثقفين الفرنسيين الذين قاوموا الاحتلال النازى قبل أن يعمل بعد التحرير وزيرا للثقافة بجوار الجنرال شارل ديجول؟».. قال: «حتى أندريه مالرو».
سألته مرة أخرى: «الأمر ينصرف بنفس المنطق إلى صديقك المقرب هيكل».. أجاب:«نعم».
لم يكن الأستاذ «محمد حسنين هيكل» مقتنعا بهذه القطعية فى تعريف العلاقة بين المثقف والسلطة، ف«مالرو صديق ديجول قبل السلطة ولا يعقل أن يقطع علاقته به ما إن وصل إليها حتى يحتفظ بصفة المثقف وقد خدم الثقافة الفرنسية كما لم يخدمها أحد آخر، كما أن علاقتي بعبدالناصر مسألة أفكار ورؤى وأحلام أمة فى لحظة تحديات كبرى وتحولات عاصفة وواجبي الوطني قبل أى شىء آخر حتم أن أساعد بقدر ما استطيع».
فى حوار بين الرجلين على مائدة إفطار فى منزل «هيكل» على نيل الجيزة أبدى «سعيد» تفهما لتعقيدات التعريف ومزالق التعسف فيه.
فى أية تجربة إنسانية فإن اختبار الزمن يكشف وينير.. كيف تكون المواقف وأين تتبدى الخيارات؟
كان الاختبار الأول فى حقبة «أنور السادات»، ناصره فى البداية قبل أن تتباعد الطرق، ولم تكن المسألة شخصية.
غادر «الأهرام» التى جعل منها واحدة من أهم عشر صحف فى العالم: «إذا بقيت كنت سوف أخسر نفسى بالدفاع عن سياسة لا أقتنع بها».
قال للسيدة زوجته بعد لقاء عاصف فى بيت الرئيس على مشهد من أصدقاء مشتركين:«تأكدى أن الموقف الأخلاقى سوف ينتصر فى النهاية».
فى هذا اللقاء العائلى تحدث «السادات» لأول مرة عن رهانه الكامل على الولايات المتحدة وأنها تملك (99٪) من أوراق اللعبة.
بقدر ما كان دوره مؤثرا فى صياغة مشروع «عبدالناصر» فإن نقده للإدارة السياسية لحرب أكتوبر لعب دورا جوهريا فى لفت الانتباه العام إلى مخاطر خيارات «السادات» وأثرها الفادح على تهميش الدور المصرى فى محيطه وعالمه.
بابتعاده عن السلطة سقطت الحواجز كلها وتأكد ما كان يعتقد فيه أن الصحفى أقوى من السياسى.
تصور«السادات» أن خروجه من «الأهرام» حكم بالإعدام المهنى على صديقه السابق.
عندما حاور«هيكل» «آية الله الخمينى» فى باريس عشية الثورة الإيرانية سأل «السادات» صديقهما المشترك «سيد مرعى» صهر الرئيس ورئيس مجلس الشعب الأسبق: «بأية صفة؟».
كانت إجابته:«قل له بصفتى صحفيا».
نصحه «مرعى» وهما بملابس البحر على شاطئ «المنتزه» بعيدا عن أية آذان تسمع: «خد بالك يا محمد.. لن يتركك».
ولم يكن غريبا أن يدخل سجونه فى اعتقالات سبتمبر الشهيرة التى سبقت مباشرة حادثة المنصة.
لا هو رجل كل العصور ولا هو صديق كل الرؤساء على ما تقول الحملات الممنهجة عليه.
عارض علنا «مشروع التوريث» من فوق منصة الجامعة الأمريكية بالقاهرة فى خريف (2002) حيث لم يكن أحدا باستثناء مجموعة من الصحفيين الشبان فى جريدة «العربى» مستعدا للاقتراب من الملف أو الحديث فيه.
واصل مناهضته لحكم «مبارك» بلا تردد أو انقطاع وتعرض لحملات تشهير عرض خلالها خدماته كل من يطلب قربا من السلطة.
ورغم أية ادعاءات عن مهادنته لحكم الإخوان فإنه هو من كتب بيان (3) يوليو الذى عزل الرئيس الأسبق«محمد مرسى» وتعرضت حياته للخطر من جراء موقفه حين استهدف منزله الريفى فى«برقاش» للحرق.
كصحفى فهو مستعد أن يلتقى جميع اللاعبين السياسيين«باستثناء الإسرائيليين».
من طبيعة المهنة استقصاء المعلومات من مصادرها قبل وضعها فى سياق وتحليل ورؤية.
راهن على اللواء «عبدالفتاح السيسى» مبكرا وعلاقتهما الإنسانية عميقة بأكثر من أى توقع دون أن يحول ذلك من أن يبدى انزعاجه من تنحية السياسة وتغييب الرؤى.
فى رحلة مهنية وسياسية امتدت لأكثر من سبعة عقود فإنه من الطبيعى أن تتناقض القراءات والمواقف غير أن هذا شىء والتشويه المتعمد شىء آخر تماما.
لا يمكن قراءة التاريخ المصرى المعاصر بدون توقف جدى أمام أدواره وإسهاماته.
هو مفكر استراتيجى وأطروحاته فى الأمن القومى مدرسة كاملة يتعلم عليها العسكريون والدبلوماسيون المصريون.
وهو مهنى من طراز فريد وصفته «الواشنطن بوست» عند نهاية القرن العشرين أنه «أفضل صحفى فى العالم خلال هذا القرن» واهتزت مديرة التدريب فى وكالة «رويترز» وهى تقدمه لإلقاء محاضرة فى جامعة «أكسفورد» قبل سنوات «أكاد لا أصدق أننى أقف أمام الأسطورة الحية».
لا يولد شىء من فراغ ولا قيمة تتأسس على إدعاء.
سأل ذات مرة: «ما العبقرية؟».
لم يكن يتحدث عن نفسه لكن إجابته بذاتها موحية معتمدا على تعريف مفكر هولندى معاصر.
«‬الاتقان فى التقنية وشىء ما آخر».
التقنية المتقنة من ضرورات أية مهنة لكنها وحدها محض «صنعة» لا إبداع فيها.
شىء ما آخر يضفى على المواهب استثنائيتها.
عبقريته فى أسلوب عمله ونظام حياته.
كل شىء يخضع لنظام دقيق، لكل دقيقة أهميتها ولكل ورقة أرشيفها، قضيته الخبر «لا قيمة لأى تحليل سياسى ما لم يستند إلى معلومات مدققة».
بعض الذين حاولوا أن ينالوا منه كرروا فيما يشبه المحفوظات أن العالم تغير وأنه فقد مصادر معلوماته.
وكان ذلك افتراء على الحقيقة.
عندما جاء الرئيس الأمريكى «باراك أوباما» إلى القاهرة وألقى محاضرة فى جامعتها وقف تقريبا وحده ضد الهوس الإعلامى والسياسى الذى صاحب هذه الزيارة.
لم يشر بأى حرف إلى اللقاء الذى جمعه على انفراد فى«جامعة شيكاغو» لنصف الساعة مع «أوباما» قبل إعلان تنصيبه مرشحا رئاسيا باسم الحزب الديمقراطى.
رغم الحملة عليه لم يكن مستريحا للكشف عن هذا اللقاء «لا أريد أن أختفى وراء أى شىء».
هذا مجرد مثال لمئات اللقاءات على هذا المستوى لم يعلن أبدا عنها.
لم يكن يريد إثارة حساسية أحد فى السلطة وقد كانت الحساسية تجاهه بالغة طوال سنوات «مبارك».
يدرك حقائق الحياة وعدد السنين«أنا لا أخفى مرضى ولا سنى».
ذات مرة قال: «ربما أكون قد تلكأت على المسرح».
وكانت العبارة قاسية من رجل وهبه الله الهمة والعافية إلى التسعين من عمره.
لا توجد أمة تحترم نفسها تسأل مواهبها الاستثنائية عندما يتقدم بها العمر أن تصمت وهى تستطيع أن تتكلم، ف«إذا لم أتكلم أنا فمن يتكلم» حسب بيت شعر شهير للمسرحى البريطانى الأعظم «وليم شكسبير».
أدعو الله أن يحفظ لهذا البلد أسطورته الحية، أن يقف على قدميه من جديد بعد العملية الجراحية التى أجراها فى لندن، يمشى حيث شاء ويتحدث فيما يريد، يعلم ويلهم الأجيال الجديدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.