وزير الداخلية يعتمد نتيجة القبول بكلية الشرطة    ملخص تنفيذي للتقرير السنوي الثامن عشر للمجلس القومي لحقوق الإنسان    مدبولي: الحكومة مستعدة لدعم المؤسسات الصحفية للتغلب على عثراتها المالية    ب3.2 مليار دولار.. دفعة قوية للعلاقات الاقتصادية بين مصر وقطر بمشروعات استراتيجية    «الأوقاف» توزع أطنان من لحوم صكوك الأضاحي بالمحافظات    توتر العلاقات بين استراليا وإسرائيل بعد حادث إطلاق النار في سيدني    ارتفاع حصيلة العدوان على قطاع غزة إلى 70,663 شهيدا و171,139 مصابا    مدرب الأردن: سندافع عن حلم التأهل إلى نهائي كأس العرب 2025 رغم الغيابات    رياض محرز يرشح هذا المنتخب للفوز بكأس أمم إفريقيا 2025    نادين سلعاوي: نسعى لإسعاد جماهير الأهلي وتحقيق لقب بطولة أفريقيا للسلة    فرق الطوارئ بمرسى مطروح تتعامل مع تجمعات المياه بالمناطق بالمتأثرة بالأمطار.. صور    التعليم: تكثيف نشر كاميرات المراقبة بمجموعة مدارس النيل المصرية الدولية    تأجيل محاكمة سائق قتل شخصا بسبب خلافات بينهما بشبرا الخيمة ليناير المقبل    نقابة المهن التمثيلية تنعي الفنان الراحل نبيل الغول    سعد الصغير ينتقد غياب المطربين عن عزاء أحمد صلاح: مهنتنا مناظر أمام الكاميرات    عمرو يوسف يكشف موقفه حال طلب زوجته عدم العمل مع فنانة    «كريسماس بعيون الأطفال».. أنشطة ممتعة تصنع الفرح والذكريات    رئيس الوزراء يُتابع استعدادات المرحلة الثانية للتأمين الصحي الشامل    وزير التعليم يكلف «جبريل» بإدارة تطوير المناهج.. وأكرم مساعدًا لشؤون المبادرات الرئاسية    جون سينا يعلن اعتزال المصارعة الحرة WWE بعد مسيرة استمرت 23 عامًا .. فيديو    نقيب الزراعيين يطالب بتخصيص عام 2026 للزراعة والأمن الغذائى    حزب الغد يتقدم بمقترح لتعديل قوانين الانتخابات الأربعة لرئيس مجلس الشيوخ    كوزمين أولاريو يحذر من صعوبة مواجهة المغرب في نصف نهائي كأس العرب 2025    فيلم «اصحى يا نايم» ينافس بقوة في مهرجان القاهرة الدولي للفيلم القصير    بعد فيديو محمد صلاح.. أحمد السقا: أموت وأدخل النار أهون من اللي حصل فيا    محافظ أسوان يتابع جهود مكافحة مرض السعار ويوجه بتكثيف حملات حماية المواطنين    وكيل صحة سوهاج ينفي وجود عدوى فيروسية بالمحافظة    ألمانيا.. إحباط هجوم إرهابي على سوق عيد الميلاد واعتقال 5 أشخاص    موعد مباراة بايرن ميونخ وماينز في الدوري الألماني.. والقنوات الناقلة    إعلان نتائج لجان الحصر السكنى بعدد من المحافظات وفقا لقانون الإيجار القديم    الناشرة فاطمة البودي ضيفة برنامج كلام في الثقافة على قناة الوثائقية.. اليوم    لماذا زار طلاب جامعة بني سويف شركة النصر للكيماويات الوسيطة؟    الإعلام الإسرائيلي يربط حادث إطلاق النار في سيدني بمعاداة السامية    الصحة: لا توصيات بإغلاق المدارس.. و3 أسباب وراء الشعور بشدة أعراض الإنفلونزا هذا العام    ضم الأبناء والزوجة للبطاقة التموينية إلكترونيًا.. خطوة بسيطة لتوسيع الدعم    فليك: بيدري لاعب مذهل.. ولا أفكر في المنافسين    أرتيتا: إصابة وايت غير مطمئنة.. وخاطرنا بمشاركة ساليبا    "الفني للمسرح" يحصد أربع جوائز عن عرض "يمين في أول شمال" بمهرجان المنيا الدولي للمسرح    حكم الوضوء بماء المطر وفضيلته.. الإفتاء تجيب    امين الفتوى يجيب أبونا مقاطعنا واحتا مقاطعينه.. ما حكم الشرع؟    وزير الكهرباء: التكنولوجيا الحديثة والتقنيات الجديدة دعامة رئيسية لاستقرار وكفاءة الشبكة الكهربائية    "الغرف التجارية": الشراكة المصرية القطرية نموذج للتكامل الاقتصادي    وزارة التضامن تقر قيد 5 جمعيات في محافظتي الإسكندرية والقاهرة    مصطفى مدبولي: صحة المواطن تحظى بأولوية قصوى لدى الحكومة    نظر محاكمة 86 متهما بقضية خلية النزهة اليوم    استمرار لقاءات رئيس شركة الصرف الصحي للاستماع لشكاوى العاملين ومقترحاتهم    السيطرة على حريق نشب بسيارة نقل ثقيل أعلى الطريق الدائري ببهتيم القليوبية    لماذا لم يعلن "يمامة" ترشحه على رئاسة حزب الوفد حتى الآن؟    جوتيريش يحذر: استهداف قوات حفظ السلام في جنوب كردفان قد يُصنَّف جريمة حرب    الداخلية تنفى وجود تجمعات بعدد من المحافظات.. وتؤكد: فبركة إخوانية بصور قديمة    مواقيت الصلاه اليوم الأحد 14ديسمبر 2025 فى المنيا    وزيرا خارجية مصر ومالي يبحثان تطورات الأوضاع في منطقة الساحل    الصحة: تقديم 19.2 مليون خدمة طبية بالمنشآت الطبية في محافظة القاهرة    اليوم..«الداخلية» تعلن نتيجة دفعة جديدة لكلية الشرطة    الشرطة الأمريكية تفتش جامعة براون بعد مقتل 2 وإصابة 8 في إطلاق نار    مواقيت الصلاه اليوم السبت 13ديسمبر 2025 فى المنيا    محافظ الغربية يهنئ أبناء المحافظة الفائزين في الدورة الثانية والثلاثين للمسابقة العالمية للقرآن الكريم    تشيلسي وإيفرتون في مواجهة حاسمة بالبريميرليج.. متابعة كاملة للبث المباشر لحظة بلحظة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوميات الأخبار
المثقفون‮: ‬المشگلة والدور

‮في عالم انكسرت فيه الحدود والقيود والمسافات‮.. لا مجال لقمع حرية الإبداع الفكري والأدبي والفني‮..‬‬
السبت‮:‬من
بين عشرات الأسئلة التي‮ ‬يطرحها المفكر والباحث المتميز‮ »‬‬نبيل
عبدالفتاح‮» ‬في كتابه‮ «النخبة والثورة‮»‬.. ‬ثمة سؤال أتوقف عنده‮: ‬أين
نضع المثقف وأدواره والنخب المثقفة وإدارة الثقافة في ظل أوضاع تتسم
بالاضطراب والعنف مع تطور‮ «الأوضاع الثورية‮»‬ ‬في مصر‮.. ‬وكيف تعاملت
النخبة مع مراحل التحول؟يقول
المؤلف ان النظام السياسي كان يدار بواسطة رئيس الجمهورية‮ -‬أيا كان
شخصه‮- ‬وكانت المسوغات الدستورية أو القانونية مجرد أمور شكلية تحت الطلب
من جانب بعض عناصر‮ «ترزية القوانين‮»‬‬،‮ ‬وهي جماعة لعبت ادوارا خطيرة في
تحويل الدساتير والقوانين إلي أدوات في أيدي التسلط السياسي،‮ ‬وأفقدت
الدستور أو القانون دلالته وهيبته‮.‬ويقدم
المؤلف في صفحات كتابه نماذج تدل علي ان هذه العناصر لم تحتجب عن الساحة،‮
‬بل يبدي ملاحظة شيقة حول بعض القوي التقليدية في الريف المصري من
العائلات الممتدة والعشائر والقبائل والأسر الكبيرة التي يتلون بعضها
ويراوغ‮ ‬مع كل نظام سياسي،‮ ‬وذلك للدفاع عن مصالحها الاقتصادية والسياسية
والحفاظ عليها‮.. ‬من خلال بناء أواصر من التحالفات مع الحزب الحاكم
والسلطة السياسية في كل مرحلة‮.‬غير ان الواضح ان المؤلف يرصد انحدار مستوي النخبة المصرية‮. ‬يقول‮:‬‮«أية
مقارنة بين أساليب وضع الدساتير المصرية تاريخيا تشير إلي ان اللجان
المعنية كانت أفضل بكثير مما حدث عندما تم اختيار لجنة تأسيسية منتخبة بعد
عملية ثورية اجهضت من خلال وثوب قوي سياسية دينية عليها‮»‬‬،‮ ‬وقد شهدت هذه
اللجنة جدلا‮ «ليس علي ذات المستوي الرفيع الذي جري أثناء وضع دساتير مصر
الأساسية،‮ ‬لا سيما دستور ‮3291 ‬ودستور ‮4591»‬ «الأخير تم وضعه علي
الرف‮»‬.. ‬ذلك ان مستوي مناقشات دستور ‮3291 «الرفيعة المقام‮»‬ ‬لا يمكن
المقارنة الجادة بينها وبين ما جري في اللجنة التأسيسية الاخيرة من مقترحات
وآراء تبدو‮ ‬غريبة حينا،‮ ‬وينطوي بعضها علي خفة حينا آخر،‮ ‬بل كان ثمة
مقترحات وضغوط حول أمور ليس مكانها نصوص الدساتير وإنما بعض القوانين
واللوائح أو القرارات الإدارية‮!‬وفي
رأي‮ «نبيل عبدالفتاح‮»‬ ‬ان القوي التي أجهضت العملية الثورية يفتقر
بعضها إلي الوعي التاريخي والحس العميق بمعني التاريخ وتحولاته،‮ ‬ومن ثم
لا يري‮ ‬غالبية هؤلاء مواقع أقدامهم ومصالحهم السياسية‮.‬ويتناول
المؤلف ذلك الصراع الضاري الذي يدور للهيمنة علي روح الأمة وضمائر الناس،‮
‬ومحاولة هندسة سلوكهم وتنميط أفكارهم علي نحو يؤدي إلي قمع حرية الإبداع
الفكري والأدبي والفني‮.. ‬في ظل عالم انكسرت فيه الحدود والقيود
والمسافات‮.‬ويلقي
المؤلف الضوء علي الصراعات الشخصية بين بعض قادة القوي الليبرالية
واليسارية والناصرية التي تعاني من‮ «الخطاب البرنامجي الفارغ‮ ‬وضعف
النزعة لبناء الائتلافات السياسية الجادة أو التوحد بين الجماعات أو
الاحزاب الصغيرة محدودة العضوية وتنتمي إلي نفس المرجعيات السياسية
والفكرية‮.. ‬إلي جانب الجمود في المستويات القيادية وتجاوز الواقع
الموضوعي لبرامجها وشعاراتها العامة والضمور في تركيبة العضوية والتآكل في
نسيجها،‮ ‬وعدم قدرتها علي جذب وتجنيد الأجيال الجديدة الشابة،‮ ‬والعجز عن
تبسيط الخطاب السياسي واللغة السياسية التي تستوعبها القطاعات الجماهيرية
الواسعة،‮ ‬والافتقار إلي بناء قواعد وشبكات اجتماعية وتمثيل مصالح لقطاعات
اجتماعية واسعة‮.. ‬واغفال الحاجة إلي صياغة النموذج السياسي الأمثل
والأكثر ملاءمة لمصر وتطورها السياسي والتنموي والثقافي والعسكري في ضوء
تجاربها‮.‬ومن
انتقادات المؤلف للنخبة‮.. ‬شكواه من اننا لا نشهد حوارا في العمق حول
مسارات التطور في النظم الاجتماعية والسياسية والدستورية،‮ ‬وإنما جدل
وسجال بعضه عقيم حول أمور تبدو من البداهات حينا أو من الجزئيات،‮ ‬وليست
من ضمن أولويات مستقبلنا‮.‬ويلاحظ
المؤلف ان بعض‮ «المثقفين‮»‬ ‬السابقين الذين تحالفوا مع السلطة والحزب
الحاكم وأحزاب المعارضة،‮ ‬تحولوا من دور المثقف النقدي إلي دور المبررين
والمساندين والتابعين للسلطة السياسية والحزبية،‮ ‬وبعض هؤلاء يسعي للتعاون
مع الحكام الجدد‮.‬وفي
تقدير المولف ان تراجع أدوار بعض المثقفين في المجال العام كنتاج لليأس من
ضعف الفعالية والقدرة علي التأثير في عملية صناعة القرارات السياسية،‮
‬إلي جانب الفجوة بين المثقفين والجماهير وضعف حضورهم المجتمعي‮.. ‬من بين
أسباب الأزمة الراهنة للنخبة‮.‬الكتاب
يحتوي علي دراسات عميقة عكف عليها باحث جاء يريد الكشف عن أمراض النخبة
وعمليات التجريف والتآكل التي جرت عبر عقود طويلة‮.. ‬ومازالت مستمرة‮.‬‮.. ‬فشكرا للمفكر والباحث نبيل عبدالفتاح‮.‬المثقف والسياسيالأحد‮:‬وسؤال يشغل العديد من المفكرين‮ ‬لوقت طويل‮: ‬هل العلاقة بين السياسي والمثقف علاقة تكافؤ وعلاقة ندية أم علاقة تبعية؟ولماذا
يحتاج السياسي إلي المثقف؟ هل لترويج خطابه أو تسويق أفكاره؟ أم أنه
يحتاجه للحديث إلي الجماهير بالنيابة عنه‮.. ‬أو لاستخدامه في صراعه مع
منافسيه وخصومه أم لاستثماره في نزاعاته مع معارضيه؟ أو للاستفادة منه كجزء
مكمل للصورة المرسومة التي تقضي بان يكون السياسي جليسا للمثقفين ونديما
للأدباء والشعراء أو ان يكونوا‮ -‬هم‮- ‬من ندمائه؟الباحث
العراقي‮ «عبدالحسين شعبان‮»‬ ‬تابع تلك العلاقة بين الشاعر العراقي
الكبير محمد مهدي الجواهري والزعيم العراقي عبدالكريم قاسم بعد ثورة ‮41
‬يوليو عام ‮8591.‬الأول
هو زعيم السلطة الثقافية والأدبية والإعلامية،‮ ‬فهو رئيس اتحاد الأدباء
العراقيين ونقيب الصحفيين‮. ‬والثاني هو زعيم السلطتين العسكرية
والتنفيذية،‮ ‬فهو القائد العام للقوات المسلحة ورئيس الوزراء في نفس
الوقت‮.‬كان
بيت الجواهري هو أول بيت يزوره عبدالكريم قاسم بعد الثورة،‮ ‬وقال عنه‮:
«هذا البيت هو الذي أنجب الثورة‮»‬ ‬ورغم ذلك شعر قاسم بالضيق إزاء ما كتبه
الجواهري في جريدته‮ «الرأي العام‮»‬ ‬بعنوان‮ «ماذا يجري في الميمونة»‬؟
وهي قرية في محافظة ميسان‮ -‬العمارة‮- ‬جنوبي العراق،‮ ‬والانتقادات التي
وجهها للحكم،‮ ‬بعد ان بدأ يشعر بان هناك اتجاها للهيمنة الفردية قد يؤدي
إلي تقلص هامش الحريات‮.‬ثم‮..
‬ماذا عن العلاقة بين جمال عبدالناصر ومحمد حسنين هيكل‮ «التي يطلق عليها
هيكل علاقة حوار»‬؟ أو العلاقة بين الزعيم الكوبي فيدل كاسترو والاديب
الكولومبي العالمي‮ «جابريل جارسيا ماركيز‮»‬‬،‮ ‬وكان صديقا له ويحرص علي
ان يلتقي به بانتظام؟ ما الذي اراده كاسترو من ماركيز؟ وما الذي اراده
ماركيز من كاسترو؟لقد
تعرف صاحب‮ «مائة عام من العزلة‮»‬ ‬علي كاسترو في يناير عام ‮9591
‬وتدعمت الصداقة بينهما عندما عمل ماركيز مراسلا في وكالة أنباء‮ «برنسا
لاتينا‮»‬ ‬في العاصمة الكوبية هافانا‮.‬هناك
من قال‮ -‬مثل المؤلف البريطاني جيرالد مارتن‮- ‬ان ماركيز كان يشعر بحالة
انبهار‮ ‬غير عادي إذا كان قريبا من زعماء في السلطة‮»‬. ‬وهناك من قال انه
كان يريد دائما ان يكون‮ «شاهدا علي السلطة‮»‬. ‬وفسر آخرون هذه الصداقة
بانها ترجع لاقتناع ماركيز بان الزعيم الكوبي يختلف كليا عن الزعماء
الآخرين‮.. ‬سواء من الأبطال أو الطغاة أو الأوغاد الذين جاء ذكرهم في
تاريخ أمريكا اللاتينية بدءا من القرن التاسع عشر‮.‬وماذا عن علاقة الكاتب الفرنسي الكبير‮ «اندريه مالرو‮»‬ ‬والرئيس التاريخي لفرنسا شارل ديجول؟نحن
نعرف ان ديجول هو الذي قام بعدة محاولات لاقناع اندريه مالرو بدخول عالم
السياسة والحكم،‮ ‬وبان يتخلي عن موقف المبدع المنفصل عن المجتمع،‮ ‬بل ان
المرء يستعيد ما كتبته زوجة ديجول،‮ ‬واسمها‮ «ديفون‮»‬‬،‮ ‬في مذكراتها
عندما تروي كيف عاد الجنرال ديجول متأخرا ذات ليلة وتسلل علي أطراف أصابعه
إلي مخدع الزوجية،‮ ‬والسؤال الذي وجهته اليه الزوجة‮: «أين كنت الليلة»‬؟
وجاء الرد‮: «الليلة نجحت في اغتيال اندريه مالرو‮»‬! ‬وكان يقصد ان الكاتب
وافق بعد جهد وممانعة علي تعيينه وزيرا للثقافة في الحكومة الفرنسية‮!‬ما
نعرفه ان مالرو كان يحمل لديجول تقديرا كبيرا،‮ ‬وانه كتب العديد من
خطاباته،‮ ‬وظل يعتبره التجسيد الحي لأمته ولشخصيتها‮. ‬كما ان ديجول كان
يجعل مالرو يجلس في المقعد المجاور له في اجتماعات الحكومة ويتركه يتكلم
طويلا دون مقاطعة،‮ ‬ويقول‮: «ان من يضع مالرو علي يمينه يكون بمنأي عن
الرداءة‮»‬.‬وماذا
عن علاقة الزعيم اليمني عبدالفتاح اسماعيل بالأديب والشاعر السوري ادونيس
أو علاقة الرئيس العراقي السابق صدام حسين بالكاتب العراقي حسن العلوي؟ كل
من نعرفه عن الأخير انه ساهم في تهيئة الأجواء لصعود صدام‮.‬الحاكم يحتاج إلي المثقف لسببين‮:‬أولا‮:
‬الظهور أمام الرأي العام كصاحب مشروع فكري ثقافي،‮ ‬وخاصة إذا كان
المثقف يتمتع بمصداقية عالية،‮ ‬الأمر الذي يضفي علي الحاكم وخطابه صورة
ايجابية ويساعده علي أن يحظي بتأييد شعبي‮.‬ثانيا‮:
‬إذا ظهر الحاكم تحت مظلة ثقافية،‮ ‬فإن ذلك يلعب دوراً‮ ‬في جعل صورته،‮
‬كصاحب سلطة مهيمنة،‮ ‬تتواري إلي الخلف لتحل محلها صورة تظهر جوانبه
الإنسانية ذات البعد الأخلاقي مما يحدث تأثيرا نفسيا طيبا لدي مواطنيه‮.‬علاقة الزيت بالماءالاثنين‮:‬الفيلسوف
الإنجليزي‮ «فرنسيس‮ ‬بيكون‮»‬ ‬يقول ان المعرفة سلطة،‮ ‬أي ان سلطة
المثقف هي معرفته ووسيلته الإبداعية لنشر ثقافته وبسط سلطانه‮.‬إذن‮..
‬المعرفة قوة أو سلطة،‮ ‬غير ان سلطة المعرفة تختلف عن السلطة السياسية
والعسكرية من حيث التأثير والسلطان والجبروت‮.. ‬فالأخيرة تمتلك أدوات
القمع وبإمكانها تسخير الأدوات المعرفية والثقافية لفرض سلطتها القمعية،‮
‬فيما يري الباحث عبدالحسين شعبان‮.‬فالأنظمة
الديكتاتورية استخدمت القمع السياسي والبوليسي،‮ ‬وكذلك القمع الثقافي
والفكري عن طريق تطويع وتوظيف بعض المثقفين لتبرير سياساتها وترويج
خطابها‮.‬أما
المثقف الذي يحترم نفسه وثقافته،‮ ‬فإنه يضع نفسه بعيدا عن الاستخدام
الوظيفي لثقافته من جانب السلطات التي تسعي لإضفاء مشروعية علي القمع
السياسي،‮ ‬لأنه يعرف ان المثقف الذي لا يحترم معرفته وثقافته‮.. ‬يتنازل
عن سلطته بثمن بخس‮. ‬ولذلك فإنه يجب ان يبقي يده علي الزناد،‮ ‬كما يقال،‮
‬لإطلاق كلمة الحق كلما شعر بضرورة ذلك،‮ ‬وكلما كان الأمر واجبا حتي لا
يتخلي عن دوره‮.‬وعلي
مر التاريخ،‮ ‬كان الحكام يغدقون علي الأدباء والشعراء الموالين الذين
يقومون بالدعاية لأشخاصهم،‮ ‬ويعاقبون من يمتنع عن ذلك بالتهميش والعزل
والسجن أو بالتصفية الجسدية أحيانا،‮ ‬لأنهم يدركون أهمية سلطة الثقافة‮.‬ومسئولية
المثقف أكثر بكثير من مسئولية الفرد العادي،‮ ‬فهو تحت الأضواء،‮ ‬ورأيه
موثق،‮ ‬ومواقفه لا يطويها النسيان‮. ‬وإذا كان العديد من الناس يغيرون
آراءهم وينتقلون من ضفة إلي أخري،‮ ‬ويصدرون أحكاما قاطعة وحازمة،‮ ‬ثم
يتراجعون عنها ويقولون نقيضها‮.. ‬ولا يجدون من يحاسبهم،‮ ‬فإن الأمر يختلف
تماما عن حالة المثقف،‮ ‬لأن كل رأي أو موقف محسوب عليه وموثق‮.‬هل
هناك من يغفر لوزير الدعاية السياسية في ألمانيا النازية‮ «جوزيف جوبلز‮»‬
‬دوره في تلميع صورة‮ «أدولف هتلر‮»‬ ‬وخطاباته وسياساته وحروبه التي أودت
بأرواح عشرات الملايين؟ إنه الرجل الذي صور زعيمه هتلر للألمان علي انه
المنقذ لهم ولبلادهم،‮ ‬وهو صاحب شعار‮ «اكذب‮.. ‬ثم اكذب حتي يصدقك
الناس‮»‬.‬ولهذه
الأسباب،‮ ‬فإن هناك من يري ان علاقة المثقف بالحاكم تشبه حالة اختلاط
الزيت بالماء،‮ ‬فهما عنصران‮ ‬غير قابلين للمزوج والخلط حتي إذا وضعا معا
لفترة طويلة،‮ ‬فإنهما سيعودان كل إلي أصله ولا يندمجان ليشكلا عنصرا واحدا
يملك الصفتين‮.‬وتظل
العلاقة بين المثقف والحاكم ملتبسة حتي إذا صاحبتها مظاهر التوافق‮.
‬وسيكون الخاسر الأكبر هو المثقف في‮ ‬غالب الأحيان،‮ ‬بسبب اختلال موازين
القوي‮. ‬وخير مثال علي ذلك ما انتهت إليه العلاقة الحميمة بين الشاعر
العملاق المتنبي وسيف الدولة من الجفاء والهجاء‮.. ‬والعداء‮.‬


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.