طالعتنا صحف مصرية منذ أيام بأخبار عن «صحوات سيناوية» تطالب القبائل بتكوين جبهة ضد الإرهاب لمواجهة التكفيريين، وعن قبيلة الترابين بسيناء التى تعلن الحرب على بيت المقدس (المنظمة الإرهابية). وقرأنا تصريحات مؤيدة لتلك التوجهات من مستويات عسكرية رفيعة المستوى، ومن شخصيات محسوبة على زمرة الباحثين فى شئون الحركات الإسلامية. واطلعنا أيضا على انتقادات من شخصيات – ذات شأن فى المجتمع رافضة لهذا التوجه، بل وجدته أمرا يقلل من هيبة الدولة. ماهى الصحوات؟ عندما فشل الجيش الأمريكى فى هزيمة المجاهدين فى العراق، لجأ إلى خطة خبيثة عبر دفع بعض العشائر السنية لمحاربتهم، أى دفع المسلمين لمحاربة المسلمين حتى يخرج الأعداء سالمين. فالجزء الأكبر من هؤلاء المجاهدين كانوا يحاربون بجانب الجيش الأمريكى فى أفغانستان بدعمه التسليحى والمالى، ثم تحولوا إلى تنظيم القاعدة الذى اعلن الحرب على الولاياتالمتحدةالأمريكية، بعدما انقلبت على تعهداتها معهم فور انتهاء مهمتهم فى مساندتها لطرد القوات الروسية الملحدة (وفق ما كانت تدعيه). (المتداول ان الولاياتالمتحدةالأمريكية تعهدت للمجاهدين بعدم إثارة المؤامرات بين الدول العربية / الإسلامية والعمل على حل المشكلة الفلسطينية، ولكنها ساهمت فى غزو العراق للكويت، وأقام الجيش الأمريكى معسكرا على ارض السعودية (فى إطار طرد العراق من الكويت) ملحقا به كنيسة ومعبد يهودى منتهكا بذلك الحرمات الإسلامية، فضلا على تصاعد التعديات على بيت المقدس. وتنفيذا لهذا المخطط الشرير جند الأمريكيون (فى أواخر 2006) عشرين الفا من مقاتلى العشائر السنية (تحت مسمى الصحوات) ودفعوها لمحاربة المجاهدين (القاعدة) فى محافظة الأنبار كمرحلة أولى. ثم نشروا التجربة فى سائر مناطق العراق السنية فزاد عدد مقاتلى الصحوات على مئة ألف. واستمر الجيش الأمريكى فى دفع رواتبهم وتزويدهم بالسلاح وتمويل عملياتهم لمدة ثلاث سنوات كاملة. وعندما أتمت المهمة التى أنشئت من أجلها، اشترك الجيش الأمريكى مع الميليشيات الشيعية العراقية (التى شجعتها من ناحية أخرى) فى حربها بهدف تفتيتها. فلما لم يتبق لأهل السنة فى العراق قوة ذات شأن سلم الأمريكيون العراق للشيعة وولوا منسحبين. ثم وضحت أخيرا المؤامرة الأمريكية كاملة فى بزوغ ما يطلق عليه الدولة الإسلامية (داعش) / السنية واظن ان اعلان تلك الدولة كان متمشيا مع استكمال خطة تقسيم الجبهة الشرقية العربية إلى ثلاث دويليات ممزقة ومتحاربة على أساس إثنى/مذهبى (سنى / شيعى / كردى)، والتى كانت فى يوم من الأيام من أهم الجبهات المهددة للكيان الصهيونى. وللأسف الشديد بدأ فى تنفيذ اسلوب الصحوات فى سوريا. والنتيجة الحالية ان الثورة فى سوريا تضرب بعضها البعض، ومن ثم اصبح المسرح جاهزا لفرض الحل الذى تريده امريكا (دويلات إثنية / مذهبية) بما يحفظ أمن الدولة الصهيونية مجددا. ••• ومما سبق الإشارة إليه فإن استخدام الصحوات يتطلب توفير ثلاثة عناصر : اولا، البيئة الحاضنة (العشائر والقبائل)، والثانية، علماء السوء الذين يبررون قتال المسلمين بعضهم لبعض ويفتون فى الدماء (وأكثرهم من يزعمون الانتساب إلى المدرسة السلفية)، والثالثة، الدعم المالى والعسكرى. واعتقد ان طرح استخدام اسلوب الصحوات فى سيناء (للتغلب على الإرهاب) سيؤدى بنا إلى تصعيد وتعقيد المشكلة وليس حلها. فإن ذلك الأسلوب سيؤدى إلى الاقتتال بين القبائل والعشائر، والأرجح أنه سيصل بنا إلى تدخل دولى /إسرائيلى، بمعنى آخر إلى كارثة اكبر بكثير لما حدث لنا فى 67 ونسف كل ما تم إنجازه فى 73 عبر اعلان دولة سيناء الإسلامية (وفق مخطط موشى ديان سابقا ومخططات تقسيم المنطقة حاليا) فقبائل سيناء لها عادات وتقاليد راسخة بعيدة بعض الشىء عن مفاهيم دولة القانون ومنها ما يلى : 1- الأخذ بالثأر (عادة مشروعة حسب الشريعة الإسلامية) وإذا مات صاحب الثأر قبل أن يثأر لنفسه من خصمه، ورث أولاده الثأر من بعده. وعندما يثأر الرجل لنفسه، ويقتل قاتل أبيه أو أمه أو أخته أو أى شخص آخر، فإنه يشعر بارتياح عظيم ويغمس منديله أو ثوبه فى دم القتيل ثم يرفع المنديل أو الثوب على عصاه أو سيفه أو بندقيته. 2- الأحلاف والقلائد كل قبيلة من قبائل سيناء مرتبطة «بحلف» أو «قلد» مع سائر القبائل الأخرى. «والحلف» هو معاهدة دفاعية وهجومية. أما «القلد» فهو معاهدة لمنع الحرب أو الغزو وحفظ السلام بين القبائل. ولكل قبيلة شخص يطلق عليه «حسيب» لحفظ عهودها مع القبائل الأخرى ويعرف «بالعقيد» أو «نقال الأقلاد» أو «نقال العلوم». 3- الطنب طلب الجوار فى حالة حدوث نزاع بين شيخ القبيلة وجماعة من رجاله نتيجة خلاف فى الرأى أو المشورة، فخرجوا عن الولاء له وكان لديهم القدرة على مقاومته، فإنهم يقاومونه وإلا «طنبوا» على شيخ قبيلة أخرى أى (لجأوا إليه) ونصبوا خيامهم بجوار خيامه، وطلبوا أن ينصفهم، ويأخذ لهم حقهم من شيخهم. وفى أغلب الأحيان يرحب بهم شيخ القبيلة الأخرى، ويقبل إقامتهم بجواره ويذبح لهم الذبائح، ثم يرافقهم إلى شيخ قبيلتهم ويوفق بينهم، ويعرف ذلك عندهم «بالطنب» أو «طلب الجوار» أو «الحماية» ويسمى المستجير «طنيب». ••• واعتقد ان الإرهاب فى سيناء الذى له دوافع خارجية لا يمكن التصدى له بالأمن فقط لأن له عوامل داخلية متعددة من أهمها: غياب التنمية، ضعف مؤسسة العدالة، انتشار الفساد عبر التهريب والمخدرات، حرمان السكان من التمتع بالمواطنة الكاملة، عدم تفهم عادات وتقاليد أهل سيناء المشار إلى بعض منها أعلاه. ولا يجب أن يغيب عن ذاكرتنا ان قبائل وعشائر سيناء هى التى رفضت ان تعلن استقلال سيناء إبان الاحتلال الإسرائيلى الذى كان يرعى اهلها رعاية كاملة ووفر لها البيئة الإعلامية العالمية لإعلان هذا الاستقلال. ومن الاحاديث المتداولة بين أهل سيناء عن اهتمام الاحتلال بهم عبر توفير جميع الخدمات المتميزة متضمنة الخدمات الصحية فكان يرسل فورا طائرة هليكوبتر لنقل المريض الذى يحتاج إلى عناية إلى مستشفى عكا العسكرى. لذلك فإن الدراسة المتعمقة التى تمت فور انسحاب إسرائيل من سيناء واضطلع بها مجلس الشورى بقيادة المرحوم الدكتور محمود محفوظ قد نوه فى مقدمتها بضرورة العناية القصوى بأهل سيناء الذى عمل الاحتلال جاهدا لتغيير نظرتهم إلى دولتهم الأم. ••• وبناء على ما سبق، أرى أهمية ان يقوم السيد الرئيس بسرعة تعيين مفوض يتبع سيادته مباشرة لشئون سيناء ويفضل أن يكون مدنيا متفهما لعادات وتقاليد أهل سيناء، ويساعده فى ذلك مجلس وزراء مصغر يختاره بمعرفته ومجلس أهلى من رؤساء القبائل، يخصص له ميزانية منفصلة للاضطلاع بمراجعة المشروعات السابق دراستها ثم إعداد ومتابعة وتنفيذ رؤية متكاملة لتنمية سيناء المستقبل «أمنيا، سياسيا، اقتصاديا، اجتماعيا، ثقافيا». وهناك العديد من الأسماء التى يمكن طرحها لهذا المنصب أحدهم دكتور صلاح عرفة صاحب فكرة ومشروع البسايسة الجديدة فى سيناء.