الفنية العسكرية توقع عقدي اتفاق مع شركتين لتقديم خدمات تكنولوجيا المعلومات والمنشآت المالية    تراجع جديد في أسعار الدواجن اليوم السبت 28-6-2025 بالفيوم    بعد الانخفاضات الأخيرة، الجنيه الذهب يصنع ريمونتادا في الصاغة    مدبولي يفتتح مصنعا للأجهزة المنزلية ومستودعا لشركة تجارة رائدة في أفريقيا    لأول مرة، مصر تستضيف اجتماعًا رسميًّا لمجموعة العشرين    مقتل 13 جنديا في هجوم انتحاري شمال غرب باكستان    ترامب: علاقتي جيدة ب كيم وسأعمل على حل النزاع مع كوريا الشمالية    مدرب جديد ينافس فيريرا على قيادة الزمالك في الموسم الجديد، تعرف عليه    رسالة مؤثرة من زيزو إلى عبد الشافي بعد إعلان اعتزاله    كريستيانو رونالدو بعد تجديد عقده: مؤمن بالنصر وولي عهدنا الأمير محمد بن سلمان يقوم بجهد رائع (فيديو)    مصرع شخصين في حريق سيارة تريلا بطريق أبوسمبل – أسوان    أول موجة حارة في صيف 2025، تحذير من ارتفاع الرطوبة ودرجات الحرارة الساعات المقبلة، القاهرة تسجل 39 والصعيد يتجاوز ال 40    بتجهز لفرحها، رحلة شقاء "آية" ضحية حادث المنوفية من الإعدادية إلى الكلية    قبل انطلاقه غدا، تعرف على قصة مسلسل مملكة الحرير    محمد عفيفي مطر.. شاعر الحرث والزروع.. عارض الرئيس السادات.. نشرت معظم دواوينه الأولى خارج مصر.. "من دفتر الصمت" بداية إبداعاته.. ورحل في مثل هذا اليوم منذ 15 عاما    الصحة: توقيع 10 بروتوكولات تعاون ضمن فعاليات مؤتمر صحة أفريقيا    طريقة عمل الباستا فلورا، لتحلية مسائية بأقل التكاليف    أسعار الحديد اليوم في مصر السبت 28-6-2025    تفاصيل مواصفة امتحان اللغة الأجنبية الأولى للثانوية العامة بالنظامين القديم والجديد    محافظ المنوفية يعتمد نتيجة الشهادة الإعدادية بنسبة نجاح 73.53%    نقيب المهندسين: النقابة في انتظار أصول جديدة تضاف إلى أملاكها    أسعار طبق البيض اليوم السبت 28-6-2025 في قنا    بهذه الطريقة.. أحمد فهمي يروج لفيلمه الجديد "أحمد وأحمد" مع السقا    السينما الإيرانية|إبداع تحت القمع.. أفلام انتصرت للإنسانية واستطاعت أن تعبر عن قمع الفنانين الإيرانيين الذين يضطرون إلى التصوير سرا    صاحب الفضيلة الشيخ سعد الفقى يكتب عن : شهداء لقمة العيش!    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : حكاية بين الخبز والكتب !!    مع شروق الشمس.. أفضل الأدعية لبداية يوم جديد    قرار جمهوري بالموافقة على قرض إنشاء خط السكك الحديدية (الروبيكى - العاشر من رمضان - بلبيس)    الأمم المتحدة ترحب باتفاق السلام بين الكونغو ورواندا.. خطوة مهمة نحو الاستقرار الإقليمي    العام الهجري الجديد.. فضائل شهر محرم وأسباب تسميته بهذا الاسم؟    استشهاد 11 فلسطينيا في قصف للاحتلال استهدف خيم النازحين بحى الرمال غربى غزة    موعد مباراة بالميراس ضد بوتافوجو والقنوات الناقلة مباشر في كأس العالم للأندية    عضو مجلس الزمالك يتحدث عن عروض بنتايج.. وصفقات ممدوح عباس    رسميًا.. موعد صيام يوم عاشوراء 2025 وأفضل الأدعية المستحبة لمحو ذنوب عام كامل    وزير خارجية إيران يدين تصريحات ترامب تجاه خامنئي ويصفها بالمهينة    حبس سائق التريلا المتسبب في مصرع 19 فتاة بالمنوفية    «ملوش علاقة بأداء الأهلي في كأس العالم للأندية».. إكرامي يكشف مفاجأة عن ريبيرو    واشنطن تؤكد لمجلس الأمن: استهدفنا قدرات إيران النووية دفاعًا عن النفس    عمرها 16 عاماً ووالديها منفصلين.. إحباط زواج قاصر في قنا    انتداب المعمل الجنائى لفحص حريق بمول شهير في العبور    استمرار تدريبات خطة النشاط الصيفي بمراكز الشباب في سيناء    جامعة الازهر تشارك في المؤتمر الطبي الأفريقي Africa Health ExCon 2025    شيخ الأزهر ينعى فتيات قرية كفر السنابسة بالمنوفية ضحايا حادث الطريق الإقليمي    برئاسة خالد فهمي.. «الجبهة الوطنية» يعلن تشكيل أمانة البيئة والتنمية المستدامة    هدير.. طالبة التمريض التي ودّعت حلمها على الطريق الإقليمي    عماد الدين حسين: إيران وحدها من تملك الحقيقة الكاملة بشأن ضرب المنشآت النووية    عمرو أديب عن حادث المنوفية: «فقدوا أرواحهم بسبب 130 جنيه يا جدعان» (فيديو)    ستجد نفسك في قلب الأحداث.. توقعات برج الجدي اليوم 28 يونيو    حسام الغمري: «الاختيار» حطم صورة الإخوان أمام العالم (فيديو)    طفرة فى منظومة التعليم العالى خلال 11 عامًا    سعر الأرز والسكر والسلع الأساسية في الأسواق اليوم السبت 28 يونيو 2025    أسعار الذهب اليوم وعيار 21 الآن عقب آخر تراجع ببداية تعاملات السبت 28 يونيو 2025    مدارس البترول 2025 بعد الإعدادية.. المصروفات والشروط والأوراق المطلوبة    شيماء طالبة بالهندسة.. خرجت لتدبير مصروف دراستها فعادت جثة على الطريق الإقليمي    طلبة: عبد الشافي أسطورة كروية للزمالك..وفيريرا سر تألق حسام عبدالمجيد    نجم الزمالك السابق: الأهلي يرفع سقف طموحات الأندية المصرية    فنانة شهيرة تصاب ب انقطاع في شبكية العين.. أعراض وأسباب مرض قد ينتهي ب العمى    اعرف فوائد الكركم وطرق إضافتة إلي الطعام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التنوير بحرق الكتب
نشر في الشروق الجديد يوم 17 - 04 - 2015

يمكنك أن تفعل أى شىء فى مصر الآن مهما كان متجاوزا أو مرفوضا أو مخالفا للقانون والأعراف، طالما أنك ترفع شعارا من ثلاثة شعارات ومبررات (أصلهم إخوان – الحرب ضد الإرهاب – التنوير)، يمكنك أن تقتل شخصا بلا ذنب وحين تتم مساءلتك تقول لقد كان إرهابيا، يمكنك أن تعبث بالمناهج التعليمية دون رؤية تربوية لتنتزع منها ما تشاء وإذا سألوك فقل إننى أحارب الإرهاب، بل يمكنك أن تحرق الكتب مثلما فعل التتار حين احتلوا بغداد وإذا سألوك فقل أنا أنشر التنوير وأحارب التطرف!
شاهد العالم هذه الصور التى ستدخل التاريخ بلا شك لهذه المجموعة التى كانت تحمل أعلام مصر بفرحة وتقوم بحرق مجموعة من الكتب فى فناء إحدى مدارس محافظة الجيزة، قد يصيبك مزيد من التعجب إذا علمت أن من تورطوا فى هذه الجريمة قاموا بإحضار مصورين لتصوير الحدث وعرضه على القنوات الفضائية! وتمت عملية الحرق بالتزامن مع إذاعة بعض الأغانى الوطنية (يا أحلى اسم فى الوجود – بلادى بلادى لك حبى وفؤادى – هتافات تحيا مصر).
من الكتب التى تم حرقها كتب لشيخ الأزهر الأسبق المرحوم الدكتور عبدالحليم محمود والعلامة والحجة القانونية والدستورية الدكتور عبدالرازق السنهورى وكذلك الشيخ على عبدالرازق صاحب كتاب (الإسلام وأصول الحكم)، أحد أبرز من خاضوا معارك فكرية فى بدايات القرن العشرين من أجل مدنية الدولة. وحتى تكتمل الكوميديا تم حرق كتابين لمؤلفين كلاهما كان من أعمدة نظام مبارك الإعلامية وتم تبرير كل ما مضى بأن هذه الكتب تحرض على العنف وتدعو للإرهاب.
•••
يرى البعض أن ما حدث هو محاولة مبتذلة من البعض للتقرب من السلطة التى رفعت شعار التجديد الدينى وحرب الارهاب ولكنها تحولت لمحاولة رخيصة ذات أثر عكسى. لكن الحقيقة بعيدا عن الانغماس فى تفاصيل الواقعة الكارثية فإن ما يحدث فى مصر الآن باسم التجديد الدينى والتنوير جريمة فى حق الدين والإنسانية.
نحن أمام هجمة عشوائية تفيض بالجهل والرعونة والسطحية البالغة، فحين تستضيف إحدى الفضائيات شخصا يقول (إن 99% من العاهرات محجبات) فى إطار دعوته لخلع الحجاب فلا يمكن اعتبار ذلك وجهة نظر ولا رؤية تنويرية بل هو سب وقذف وتشويه لكل امرأة مصرية ترتدى الحجاب!
يتشدق هؤلاء بالليبرالية وهم لا يدرون عنها شيئا، فالليبرالية لا تقول للناس البسوا أو اخلعوا بل تترك الحرية لكل فرد فى عمل ما يريد طالما أنه لن يضر المجتمع أو يتجاوز القانون العام. هؤلاء المهرجون على كل لون وشاكلة يجمع بينهم ضحالة الفكر والخلو من المضمون والتبجح بالجهل، والعجيب هو تمكينهم من منابر الإعلام وخطاب الناس.
تخيل أن التلميذ الصغير الذى يحاول أهله تنشئته على حب القراءة شاهد معلميه وهم يقومون بحرق الكتب ويحتفون بذلك ويعتبرونه ضربا من الوطنية الخالصة! أى تشوه سيصيب هذا الجيل؟ وأى عداء للمعرفة؟ إن فكرة حرق كتاب فى القرن الواحد والعشرين الذى صارت فيه المعرفة متاحة للجميع عبر شبكة الانترنت هى فكرة مختلة تستدعى ماضيا سلبيا لفترات انحطاط إنسانى وفكرى عاشتها الانسانية.
الأفكار ذات أجنحة لا يمكن منعها من التحليق وأيا كان محتوى أى كتاب فحرقه ليس الحل بل تفنيد أفكاره وغرس القيم السليمة والفكر الصحيح وتأصيل ذلك بالإقناع ومواجهة الحجة بالحجة وليس اللجوء لبيئة محاكم التفتيش والعصور الوسطى.
لا يمكن وصف هؤلاء بالتنويريين بل هم دعاة التنوير الظلامى وممارساتهم هذه لا تختلف عن فاشية من ينتقدونهم ولا علاقة لها بالوسطية او الاعتدال بل هم وقود لهوس دينى مضاد وتطرف انتقامى قادم سيجد المبررات للتحول للعنف من أجل حماية الدين الذى يرون أن هؤلاء يحاربونه ويسيئون إليه.
•••
إذا قمنا بعقد مقارنة بين مدعى التنوير من هؤلاء وبين تنويرى حقيقى مثل الإمام الشيخ محمد عبده سندرك كم هو الفرق شاسعا بين فهم هؤلاء لحرية الفكر واستقلال الارادة، يقول الشيخ (إن الإسلام أطلق سلطان العقل من كل ما كان قَيَّده، وخلَّصه من كل تقليد كان استعبده، وردّه إلى مملكته يقضى فيها بحكمه وحكمته، مع الخضوع مع ذلك للَّه وحده، والوقوف عند شريعته، ولا حدَّ للعمل فى منطقة حدودها، ولا نهاية للنظر يمتدّ تحت بنودها، بهذا تمَّ للإنسان بمقتضى دينه، أمران عظيمان طالما حرم منهما، وهما: استقلال الإرادة، واستقلال الرأى والفكر، وبهما كملت له إنسانيتُه، واستعد لأن يبلغ من السعادة ما هيّأه اللَّه له بحكم الفطرة التى فطر عليها).
مصر تمضى إلى مستقبل مظلم إذا استمر هؤلاء فى تصدر منابر الفكر والإعلام وخطاب الجماهير. السلطة التى تبنت خطاب التجديد الدينى لا يمكن أن تغسل يديها من هذه الخطايا التى يمارسها من يحاولون التقرب منها بهذه الترهات والأحاديث الفارغة والأفكار المغلوطة.
لا نطالب بقمع أى فكرة مهما كانت تفاهتها ولكن لابد من توفير البيئة المناسبة لنقاش الأفكار وتصارعها، ولا يمكن حصر منابر الاعلام فى المقربين من السلطة الذين يتبنون هذه الأفكار العبثية دون وجود معادل ومكافئ موضوعى يفند هذه الأوهام.
نريد تنويرا حقيقيا يجدد الأفكار ويحفظ الثوابت والويل لأمة تهدم ثوابتها وتعبث بهويتها وليبقى هدفنا الواضح هو تجديد لا تبديد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.