هى معركة لابد لمجتمعنا أن يخوضها.. لابد أن يواجه عواصفها وأعاصيرها ويبحر فى أمواجها العاتية.. وهى معركة أحسب أنها صعبة وشاقة، والنصرة هنا لن تأتى هكذا بين ليلة وضحاها.. بل تحتاج إلى سنوات طويلة وكفاح شاق من عناصر مختلفة لمجتمعنا.. والأعداء كثر فى الحقيقة، يتقدمهم ثالوث متحالف معاً: الجهل.. التطرف.. العقلية السلفية. تلك العقلية التي تنظر فقط الي الماضي وترفض مع سبق الإصرار والترصد التطلع الي المستقبل.. لتجارب الآخر, فلا تستفيد من خبراته وعلومه وانجازاته, بحجة أن هذا( الآخر) مختلف عنا في معتقداته وأفكاره ومذاهبه تارة, وأننا يجب أن نحافظ علي تراثنا وتاريخنا العريق وحضارتنا تارة أخري.. والنتيجة أننا بتنا نقف( محلك سر), في مكاننا.. لانكاد نبرحه أو نتحرك منه.. بل اننا في الحقيقة نتراجع ونعود خطوات كبيرة الي الوراء, بينما يمضي الآخرون قدما الي الأمام.. إنهم( خفافيش الظلام).. هؤلاء الذين لا يريدون لمجتمعنا أن ينهض من سباته ويقوم من كبوته ويمضي في طريق العلم والعقل والتنوير.. هذه الخفافيش تحلق في سماء( الخرافات) وتحط في أرض( الأفكار القديمة السلفية).. تعشق( القولبة), وتؤمن( بالأفكار الجاهزة الثابتة), وترفض عن عمد( التجديد).. يمكنك أن تري هذه الطيور في كل مكان.. وكل موقع.. فهي منتشرة.. تحيطنا أينما ذهبنا.. والمدهش هنا, أنها تتحالف معا.. وتمد أياديها متحدة ومتآلفة وتعمل في سياق واحد, وحتي وإن كان أفرادها لا يعرفون بعضهم البعض.. ربما من منطق الحفاظ علي التراث والهوية والتاريخ.. وهو منطق مغلوط بالتأكيد.. فمن يرفض النظر الي الأمام.. الي المستقبل.. يخسر الأمس والغد معا, ويقف في نهاية صفوف الشعوب والأمم. في كتابه( دفاعا عن العقل دار العين) يدخل خالد منتصر عش الدبابير.. ها هو يتصدي بجسارة لثالوث التخلف: الجهل.. التطرف.. العقلية.. السلفية.. ها هو يشهر سلاحه في وجه كل هؤلاء الذين يرفضون نصرة بلادنا.. ها هو يواجههم بسلاح العقل والمنطق والعلم.. يقول: معركة الدفاع عن العقل لم تعد ترفا.. بل صارت قضية حياة أو موت.. ودفاعا عن التنوير والمنهج العلمي في التفكير.. وبحثا عن( العقل) ذلك الإمام الناطق في الكتيبة الخرساء كما وصفه أبوالعلاء المعري.. فإن خالد منتصر يخوض بقلمه الشجاع الجسور معارك ضد الجهل والتطرف والعقلية السلفية.. الكلمات هنا تبدو مثل طلقات الرصاص.. تصير الكتابة قبضا علي الجمر وسيرا في حقل الألغام.. يدافع كاتبنا هنا عن الفن والجمال.. يقف في نصرة استقلال المرأة.. يحارب( البيزنس الديني) الذي يتصدر القنوات الفضائية.. يطلق شعار( العلم) في مواجهة الخرافات والجهل.. يحدثنا عن فكر الشيخ الغزالي المستنير.. ويعيد معنا قراءة كتب الشيخ الجليل محمد عبده ويورد آراءه في قضية النقاب.. ويتطرق الي موضوع زراعة الأعضاء, مساندا تيار الاستنارة ضد ما سماه بظاهرة( الطبيب الدرويش).. يناقش أزمة القراءة لدي المصريين.. ويحلم بوطن يحكمه قانون العلم ودستور المعرفة.. بين دفتي صفحات الكتاب العديد من القضايا والأزمات الحيوية التي شاهدها مجتمعنا في السنوات القليلة الماضية والتي تخط معها علامات وندوب علي وجهه.. أزمات ومحن تبعث علي الحزن والحسرة معا, علي ما آلت إليه أحوالنا.. لكنها علي صعيد آخر تدفعنا الي التمسك بتيار العقل والتنوير في مواجهة تيار الجهل والسفلية.. أليس كذلك؟ المحررة