لاشك أن المنابر هي قلب الأمة النابض ولسانها الفصيح وحججها الساطعة. وإن إعادة الأمة المسلمة إلي ريادتها وثيق بإحياء دور هذه المنابر. ومن ثم الاعتناء بالأئمة وهم الفئة المؤتمنة علي تعليم الناس وتربيتهم والمنوطة بهم إيصال الفهم الصحيح والمنهج الرباني ولا يتأتي هذا إلا من خلال تبني القضايا الجوهرية وطرحها طرحاً علمياً ووسطياً أزهرياً بعيداً عن الشطط والغلو والتشدد بلغة بسيطة يفهمها الناس.. ومن أجل الوقوف علي أهمية ومدي تحقيق تلك الاهداف أجرينا هذا الحوار مع الدكتور د. سامي العسالة مدير التفتيش الديني العام بوزارة الاوقاف.. فماذا قال؟! * في البداية سألته عن هدف الوزارة من توحيد خطبة الجمعة وهل أتت بثمارها حتي الأن فقال: ** الهدف من توحيد خطب الجمعة هو النهوض بالدعوة والمجتمع. حيث تراعي الوزارة موضوعات ذات صلة وثيقة بالمجتمع. والهدف من هذا الامر هو حرص الاوقاف علي الائمة وعدم الزج بهم في المعترك السياسي. وكذا الحفاظ علي المنابر. واستعادة مكانتها. وحث الأئمة علي الاطلاع والاهتمام بقضايا مجتمعهم من خلال الموضوعات التي تطرحها الوزارة. وهي موضوعات غير نمطية وتمس الواقع المعاصر. فلقد كان يشكو الكثير من الناس في الفترة الماضية أن الكثير من الخطباء يكونون في واد والمجتمع في واد آخر. وهي تكتب وتختار بدقة وعناية من خلال عدد من كبار الباحثين والدعاة من الحاصلين علي الدكتوراه وأساتذة الجامعة. وهذه الفكرة وهي فكرة الخطاب الموجه لها أهميتها في الوقت الحالي من أجل الحفاظ علي أمن واستقرار البلاد. أطر عامة * ولكن هل أثر ذلك علي إبداع الامام أو الخطيب في اختيار وتحضير الخطبة؟ ** مضي علي هذا القرار شهور عديدة وأستطيع أن أقرر لك من خلال متابعتي الميدانية. والتصاقي بالائمة والخطباء نجاح هذه الفكرة. وسعادة الائمة والخطباء بها. وهي لم تمس علي الاطلاق إبداعهم. حيث تضع الوزارة الاطار العام للخطبة وعناصرها وتترك للخطيب يبدع ويبرع في إيصال الفكرة بأسلوبه وبراعته. المنهج الوسطي * كيف يمكن إبعاد المساجد عن الصراعات السياسية؟ ** دور وزارة الاوقاف إبعاد المساجد عن الصراعات السياسية. وتوجد تعليمات مشددة بالتزام الخطباء بالمنهج الازهري المعتدل الذي يجمع الخلق علي الحق بعيدا عن الفتن والصراعات . ومنع اعتلاء المنابر ممن ينتمون إلي فصيل سياسي دون الآخر حتي لا تتحول الخطبة إلي وسيلة للانقسام والفرقة بين المصلين. وهو ما أدي إلي هجرة البعض للمساجد أو تجنبهم سماع الخطبة. ووصل الامر إلي مشاحنات واشتباكات بالايدي في بعض المساجد. ليفقد المسجد وقاره وهيبته ودوره الاساسي في الدعوة للاخلاق والتوعية. فالدعوة الاسلامية ليست محلا للنزاع السياسي. انما هدفها الحكمة والموعظة الحسنة والدعوة للاخلاق. وقد أصدر السيد الوزير الدكتور محمد مختار جمعة بالفعل تعليماته بأن يلتزم كل خطيب بمسجده وأن يتبني في خطبته المنهج الازهري الوسطي المعتدل السمح الذي يجمع الفرقاء ويقف من الجميع علي مسافة واحدة.. ويلتزم بالدعوة الاسلامية بعيدا عن الصراعات السياسية وعن الفتنة بين الناس وأن من يخالف هذه التعليمات سيتعرض للمساءلة وإيقاع الجزاء المشدد عليه. ونحن نثمن جهود الوزير بهذا الخصوص فجزاه الله خيراً علي هذا الجهد الذي يقوم به لخدمة الدين والدعوة والارتقاء بها. لا عجز في الأئمة * هل هناك فجوة بين عدد المساجد وعدد الأئمة؟ ** الزعم بنقص عدد الأئمة ممن يحاولون استغلال ذلك لاغراض في نفوسهم. نستطيع الرد علي ذلك بعدم صحة هذا الادعاء. لأن خطباء المكافأة نحو 40 ألف خطيب. ما يعني أن عدد الأئمة والخطباء يصل إلي نحو 100 ألف إمام وخطيب. بالاضافة إلي المحالين إلي المعاش الذين لايزالون يمارسون الخطابة. الوعاظ التابعين للازهر. وخريجي معهد الدعاة التابع لوزارة الاوقاف. حيث يقوم هؤلاء الخطباء بسد العجز في المساجد الحكومية بالاضافة إلي الخطابة في المساجد الأهلية والزوايا المطابقة لشروط الخطبة. * وما هي شروط الخطبة بالزوايا وهل تم حصرها والتعامل معها؟ ** مجموع الزوايا في أنحاء الجمهورية يقترب من 23 ألف زاوية. ويسمح للزوايا التي تزيد علي 80 متراً بإقامة صلاة الجمعة بشرط ابتعادها عن المسجد الكبير بمسافة طويلة. ويوزع عليهم خطباء مرخص لهم بالخطابة. في حين أن الزوايا غير المطابقة تغلق ولا يسمح بإقامة الجمعة فيها. ولكنها تفتح في باقي الاوقات طوال الاسبوع. وهذا الامر ليس مبتدعاً بل إن هذا ما قرره الفقهاء في كتب الفقه. تطبيق القانون * كيف يمكن التعامل مع الدعوة السلفية والاخوان ومحاولة خطف المنابر؟ ** التعامل يكون من خلال تطبيق قانون "ممارسة الخطابة والدروس الدينية بالمساجد" الذي صدر مؤخراً. حيث نصت المادة الاولي علي أن تكون ممارسة الخطابة والدروس الدينية بالمساجد وما في حكمها من الساحات والميادين العامة وفقاً لأحكام هذا القانون. ونصت المادة الثانية علي أنه لا يجوز لغير المعينين المتخصصين من وزارة الاوقاف والوعاظ بالازهر الشريف المصرح لهم بممارسة الخطابة والدروس الدينية بالمساجد وما في حكمها. ويصدر بالتصريح قرار من شيخ الازهر أو وزير الاوقاف حسب الاحوال. ممارسة الخطابة والدروس الدينية بالمساجد وما في حكمها. وفقاً للضوابط والشروط التي يصدر بها قرار من وزير الاوقاف أو من يفوضه في ذلك. كما تضمن هذا القانون. أن يكون للعاملين المتخصصين بوزارة الاوقاف الذين يصدر بتحديدهم قرار من وزير العدل بالاتفاق مع وزير الاوقاف صفة مأموري الضبط القضائي. فيما يتعلق بتطبيق أحكام هذا القانون. * وما هي عقوبة المخالفة لهذا القانون؟ ** نصت المادة الخامسة علي أنه مع عدم الاخلال بأي عقوبة أشد ينص عليها أي قانون آخر يعاقب بالحبس مدة لاتقل عن ثلاثة أشهر ولا تتجاوز سنة. وغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولا تتجاوز خمسين ألف جنيه أو بإحدي هاتين العقوبيتن. كل من قام بممارسة الخطابة أو أداء الدروس الدينية بالمساجد وما في حكمها بدون تصريح أو ترخيص بالمخالفة لحكم المادة الثانية من هذا القانون. وتتضاعف العقوبة في حالة العودة. كما يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن شهر ولاتزيد علي سنة وبغرامة لاتقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تتجاوز خمسين ألف جنيه أو بإحدي هاتين العقوبتين كل من ارتدي الزي الازهري من غير الفئات المشار إليها أو قام عمداً بإهانة هذا الزي أو ازدرائه أو الاستهزاء به. تصويب الخطاب * ما ملامح الخطاب الدعوي الصحيح للوزارة. وما هي الاجراءات التي اتخذتموها لتطبيقه؟ ** الخطاب الدعوي في السابق كان خطابا محدودا في قضاياه قاصرا علي بعض الجوانب الامر الذي أدي إلي تضخم بعض القضايا وضمور البعض الآخر. فغلب علي الخطاب الديني جانب المواعظ. أما جوانب الحقوق والواجبات والحريات والبناء وغيرها مما يمثل قضايا يومية ومصيرية فقل من تطرق إليها في خطابه الديني اللهم إلا القليل. ولذلك فإن الخطاب الدعوي الجديد يهدف إلي إعادة بناء الشخصية المسلمة من جديد. ونشر القيم العليا كالعلم والاتقان والايجابية وإيثار المصلحة العامة علي المصالح الشخصية خطاب يتبني هموم الامة. يوجه الناس نحو استثمار طاقاتهم. في البناء الجديد لعصر جديد يحتاج إلي كل الطاقات والقدرات والامكانات والانتماء للوطن. أما عن إجراءات تطبيقه فقد صدر بالفعل عن الوزارة كتاب الخطب العصرية بخلاف كتب الوزارة عن تجديد الخطاب الديني ومنها كتاب دليل الامام لتجديد الخطاب الديني. بخلاف اللقاءات المكثفة التي يقوم بها الدكتور الوزير مع الأئمة والخطباء والمثقفين خاصة الشباب للتعاون في تفعيل الحركة في المرحلة الجديدة. أفكار الصراع * كيف يمكن التعامل مع الخطاب المتشدد والتكفيري؟ ** الفكر المتشدد يحمل في طياته عوامل زواله وانهزامه نظراً لطبيعته المتشددة وتكوينه الاقصائي ورفضه الحوار مع الغير والانفتاح علي المستقبل. فهو لايحمل سوي أفكار الصراع والصدام مع الداخل والخارج. والتعامل مع هذا الفكر يكون بمواجهته من خلال تعاون جميع مؤسسات الدولة. التي يجب أن تتعاون فيما بينها للقضاء علي ذلك الفكر. الامن والفكر معاً * هل تكفي القبضة الامنية للتعامل مع الخطاب المتشدد. أم نحتاج للتعامل الفكري والأمني معاً؟ ** الامن وحده لايكفي للقضاء علي هذا الفكر من عقول هؤلاء الشباب بعد أن عشش فيها ذلك الفكر. فالفكر يحارب بالفكر. طالما أنه مجرد أفكار ولم يترجم إلي إرهاب. أما إذا تطور إلي تطبيق عملي إرهابي فهنا فقط تكون المواجهة الامنية والقانونية. وهنا يجب أن أؤكد علي أن البعض يقلل من هذه الاهمية مدعياً أنهم ليس لديهم فكر. وهذا فهم خاطئ فهم لديهم فكر وإن كان مخطئاً فهو يحتاج إلي تصويب. ومحاربة هذا الفكر تكون بطباعة الكتب التي ترد علي هذا الفكر. والتعامل مع الشباب المتشدد دينيا. ومحاورتهم والتواصل معهم سواء من قبل المسئولين السياسيين أو من قبل المشايخ والمختصين في الدين لمحاولة تصحيح أفكارهم حول الدين. هذا عن الشباب الذي ثبت انخراطه في التنظيمات المتشددة دون تورطه في أعمال ارهابية. وهذا ما بدأت به وزارة الاوقاف من خلال قوافلها الداخلية والخارجية. التي لا تقتصر علي المساجد فقط بل تركز علي التجمعات الشبابية والطلابية والعمالية. معاهد الدعاة وكيف يمكن التعامل مع معاهد اعداد الدعاة غير التابعة للاوقاف؟! ** وزارة الاوقاف لا تعترف بأية معاهد لإعداد الدعاة لا تخضع للإشراف الكامل للوزارة من حيث اختيار العمداء والاساتذة والالتزام الكامل بمناهج الوزارة وكتبها. واشراف الوزارة يكون وفق موافقة كتابية وترخيص مسبق. وأي معهد تشرف عليه الوزارة معلن عنه ومعروف. ولذا فنحن نحذر من الانتساب إلي أي معهد بخلاف التابع لاشراف الوزارة وعلي المتقدم أن يتأكد أولاً من ذلك قبل أن يتقدم بأوراقه إلي هذا المعهد. وإن إشراف الاوقاف علي معاهد الدعاة ضرورة لنشر الوسطية والاعتدال. طاقات معطلة * ما أسباب انتشار الفكر التكفيري من وجهة نظركم؟ ** وجود فائض طاقة في المجتمع لا يتم استخدامها علي الوجه الاكمل بسبب غياب المشاريع القومية التي تستوعب طاقة شباب الأمة. فالبطالة هي الارض الخصبة للتطرف الفكري والسلوكي. وهذا يفسر لنا انتشار الفكر التكفيري في أوساط الشباب. ونري في تاريخ فكر التكفير والخوارج بشكل عام صغاراً في السن. ومن هذه الاسباب كذلك انشغال الكثير من العلماء بالدنيا وترك الساحة لخطباء الفتنة ودعاة الجهالة. والسماح لانتشار كتب التكفير توزع وتنتشر. بينما الفكر الصوفي المعتدل الذي يحارب ذلك الفكر يوجد قصور في نشره. وأقصد هنا بالفكر الصوفي أي المعتدل الذي خرج لنا أمثال الدكتور عبدالحليم محمود والدكتور علي جمعة والشيخ الشعراوي وغيرهم. وأنا هنا أطالب بنشر هذه الكتب التي ترد علي هذه الافكار وأن يتم توزيعها ولو بالمجان كما هم يفعلون. إخوان وسلفيون * هل هناك سلفيون أو إخوان بين قيادات وأئمة الوزارة وكيف تتعاملون معهم؟ ** بالنسبة للقيادات فأستطيع أن أجزم لك أنه لايوجد قيادي واحد ممن ينتسبون إلي تلك الجماعات في الديوان أو المديريات. أما عن الأئمة فإن وجد فيهم من تأثر بهذا الفكر فهم قلة قليلة مقارنة بباقي الائمة الذين ينهجون المنهج الوسطي المعتدل. فقد كانت توجيهات معالي الوزير الدكتور محمد مختار جمعة صريحة حيث صرح بأن الوزارة لاتقصي أحدا بناء علي هويته السياسية. إلا إذا خالف منهج الوزارة الدعوي. فالإمام العامل في وزارة الاوقاف إذا ثبت عليه أنه دعا إلي فكر معين أو وجه كلمات مسيئة إلي أي مؤسسة من مؤسسات الدولة. علي الفور يتم إيقافه عن العمل وتحويله إلي الشئون القانونية لاجراء التحقيق المناسب معه. لانه معين بالوزارة أما خطيب المكافأة فيتم إلغاء ترخيصه فورا كما صرح بذلك رئيس القطاع الديني بالوزارة. دورات تدريبية * هناك بعض الدعاة ليسوا بالقوة اللازمة مما يمكن بعض السلفيين من التغلب عليهم في الحجة.. هل لعلاج من هذا السبيل؟ ** العلاج بدأت فيه الوزارة بالفعل عن طريق تكثيف الدورات التدريبية. وطبع الكتب الارشادية كما أنها تعمل علي تزويد الامام بمكتبة دينية. وتزويده أيضاً بالوسائل التكنولوجية كتابلت الذي أعلنت عنه الوزارة مؤخرا لمساعدة الامام علي البحث والقراءة ومواجهة تحديات العصر. رسالة الانبياء * أخيراً ما هي النصيحة التي توجهها للأئمة والخطباء؟ ** لما كانت رسالة الدعوة إلي الله تعالي هي رسالة الانبياء والمرسلين وجب علي الدعاة أن يتحلوا بصفاتهم. وأن يتخلقوا بأخلاقهم وتلك الاخلاق: 1- أن يلتزم الداعية إلي الله بما يدعو. قال تعالي: "أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون". فإن العالم إذا لم يعمل بعلمه تزول موعظته من قلوب الناس. نطلب من الذين يتصدرون الدعوة إلي الله أن يتكاتفوا حول الاسلام. وبيان جوهره الانساني. وحقائقه السامية. ومفاهيمه الراقية. ليجتذبوا هذه الاجيال التائهة وأن يبرزوا الحقائق التي تقرب أفراد الامة وتؤلف بين مختلف المذاهب الاسلامية. وبذلك يكونوا قد أدوا ما أوجبه الله تعالي عليهم من الدعوة إلي الله بالحكمة والموعظة الحسنة