(نشر هذا المقال بتاريخ 9 أغسطس 2009) دكتور بيرول Fatih Birol تصفه الدوائر المتخصصة فى شئون الطاقة بأنه أحد أهم خبراء العالم فى هذا المجال، إذ يقود فريق الخبراء الذى يقوم بتحرير أحد أهم المراجع العالمية World Energy Outlook، الذى تصدره سنويا الوكالة الدولية للطاقة IEA، ويعتمد عليه الكثير من أجهزة البحث العلمى المتخصصة فى هذا المجال. وكان الاتصال قد بدأ بينى وبين بيرول عام 2004 عندما طلب منى مراجعة وتصحيح ما توصل اليه خبراؤه عن الطاقة فى مصر، ونشر بالفعل فى WEO-2005 الذى خصص للطاقة فى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا MENA. وقد فاجأ بيرول العالم يوم 3/8/2009 بحديث نشر فى صحيفة «The Independent» وأعادت نشره أغلب صحف العالم، إذ حمل الحديث نذر الكارثة التى يتوقع بيرول أن تحل بالعالم بحلول 2020، وهى بلوغ الإنتاج العالمى من النفط ذروته فى ذلك العام لكى يبدأ رحلة النضوب النهائى. وفى أول دراسة من نوعها تجريها IEA على 800 حقل نفطى كبير تغطى ثلاثة أرباع الإنتاج العالمى، تكشفت الحقيقة المفزعة: وهى أن أغلب الحقول الكبرى قد تخطت نقطة الذروة، وأن معدل انخفاض الإنتاج العالمى يقدر الآن بنحو 6.7% سنويا فى المتوسط، بينما كان لا يتعدى 3.7% عند تقديره عام 2007، وهو ما تعترف الوكالة بخطأ تقديرها السابق. يضاف إلى ذلك تباطؤ الاستثمار العالمى الموجه لتوسيع القدرة الإنتاجية للنفط، وهو ما يهدد بوقوع أزمة نفطية Oil crunch تعرقل تعاقى الاقتصاد العالمى. وإذ يركز بيرول على منطقة الشرق الأوسط التى يقدر نصيبها من السوق العالمية للنفط بنحو 40%، فإنه يرى أن سيطرة عدد قليل من الدول النفطية على الاحتياطيات النفطية سوف يحكم قبضتها على تدفق الإمدادات ويهدد بوقوع أزمة نفطية ترفع الأسعار بعد 2010. وينصح بيرول الدول الغربية بالاستعداد لليوم الذى يفارقنا فيه النفط إلى الأبد وهو ليس بعيدا، وأن هذا التحول سوف يتطلب إنفاق أموال وجهود طائلة. ومما يعزز هذا الرأى، كما ترى الوكالة، إن إنتاج النفط فى الدول غير الأعضاء فى أوبك قد تخطى بالفعل ذروته، وأن الطلب العالمى المتزايد على النفط سوف يتجاوز العرض، مما يؤكد اتجاه السعر إلى الارتفاع. ويرى بيرول أن الطلب العالمى، حتى لو بقى ثابتا عند مستواه الحالى، فإن العالم سوف يحتاج لما يعادل من احتياطيات النفط أربع أمثال ما لدى السعودية، كما يحتاج لما يعادل 6 أمثالها فى حالة مواجهة الزيادة المتوقعة فى الطلب من الآن وحتى عام 2030. ويحذر بيرول أخيرا من اللجوء إلى رمال القار Tar sands التى توجد بوفرة فى كندا، إذ يتطلب استغلالها تكلفة باهظة، بالإضافة إلى ما يتخلف عنها من ملوثات مدمرة للبيئة. على تلك الخلفية يأتى تحذيرنا المماثل الذى أطلقناه منذ أكثر من عشر سنوات فى عدد من المؤتمرات والدراسات المنشورة، خاصة تقرير «الاتجاهات الاقتصادية الإستراتيجية» الذى أصدرته دار الأهرام عام 2005. ومن المؤسف أن الكثير من الخبراء العرب الناطقين بلسان الحكومات التى يعملون بها قد عارض بشدة هذا الاتجاه، داعيا إلى أن النفط متوافر بغزارة وسوف يزداد وفرة فى المستقبل، مما يدعو للحذر فى رفع أسعاره خشية انصراف المستهلكين عنه ومن ثم يصبح سلعة بائرة. ويعتمد من يساند الوفرة النفطية وتدنى الأسعار على أن كلفة التنقيب والإنتاج تتجه إلى الانخفاض نتيجة للتحسينات التقنية، ومن ثم يمكن التوسع فى إنتاج الحقول ذات التكلفة المرتفعة. وفى رأينا أن هذه مقولة صحيحة ولكن ما يستخلص منها كاتجاه عام غير صحيح لأسباب عديدة، أهمها أن النتائج النهائية لتلك التحسينات التقنية لم تنجح فى زيادة الاحتياطيات المكتشفة، إذ لم يعد فى الإمكان العثور على حقول عملاقة من نوع حقول الخليج العربى. فقد انخفض متوسط حجم الحقل المكتشف من 200 مليون برميل، خلال الستينيات، عندما ركزت الشركات جهودها فى الشرق الأوسط، إلى 50 مليون برميل خلال التسعينيات. وكنتيجة لذلك انخفض متوسط حجم النفط المكتشف عالميا من 70 مليار برميل سنويا خلال الستينيات إلى 20 مليار برميل خلال التسعينيات، وهو ما لا يكفى لتعويض ما ينضب بالإنتاج، إذ يغطى نحو 55 مليون ب/ى فقط بينما يبلغ الإنتاج العالمى فى الوقت الحاضر 85 مليون ب/ى مع تزايد مطرد. كذلك يؤكد خبراء جيولوجيا النفط العالميين أن العالم لم يتمكن من تعويض ما استخرج من النفط الخام على مدى السنوات العشرين الماضية. ومن ذلك، كما يوضح تقرير لمجموعة IHS Energy Group أن اثنتى عشرة دولة مسئولة عن إنتاج ثلث الإنتاج العالمى من النفط لم تستطع خلال السنوات العشر 1992-2001 تعويض ما نضب من احتياطياتها إلا بنسب ضئيلة. بل إن أهم الدول المنتجة وهى روسيا والمكسيك والنرويج وبريطانيا تراوح معدل التعويض فيها بين 15% و31%. وتؤكد دراسة IEA المنشورة فى أكتوبر 2004 أن حجم الاكتشافات النفطية خلال السنوات العشر الأخيرة لم يتجاوز نصف ما قام العالم باستخراجه واستهلاكه من النفط خلال الفترة المذكورة. وتأتى بيانات المساحة الجيولوجية الأمريكية (USGS) لعام 2002 لتضفى قدرا كبيرا من الشك على حجم الاحتياطيات النفطية العالمية إذ تقدرها بنحو 959 مليار برميل بنقص 11% عن التقديرات المعلنة. كما تقدر احتياطات أوبك بنحو 612 مليار برميل وهو ما يقل بنحو 30% عما هو شائع ومنشور. ولا يتسع المجال لذكر ما سبق أن أبديناه تأكيدا لاتجاه النفط إلى النضوب المبكر، ولكننا نشير إلى التساؤل الذى طرحناه بمناسبة حديث أوباما فى القاهرة (الشروق 14/6/2009)، إذ قلنا «ولا يحتاج الأمر لشرح طبيعة الصراع العالمى الذى يتوقع أن ينشب مستقبلا حول توزيع الموارد النفطية الناضبة، إذ لن يتوقف الصراع حول السعر الذى يمكن أن يحلق إلى آفاق شاهقة، بل يمتد أيضا إلى مجرد الحصول على النفط بأى سعر. وقد بدأت مظاهر هذا الصراع تبدو فى اتجاه بعض الدول النامية، ومنها الصين والهند والبرازيل، إلى تأمين احتياجاتها المستقبلية من النفط بالاستثمار مباشرة فى التنقيب عن النفط فى دول نفطية غير خاضعة للنفوذ الغربى الأمريكى. وإذ تستهلك الولاياتالمتحدة 21 مليون ب/ى ولا يتجاوز إنتاجها 8 ملايين ب/ى مما يجعلها تعتمد على الاستيراد بنحو 62%، ويتوقع أن ترتفع تلك الدرجة إلى 74% بحلول 2030، فبماذا يبرر الرئيس أوباما وجود الأساطيل والقواعد العسكرية الأمريكية فى الخليج؟، وهل لوجودها علاقة بالصراع المتوقع حول البترول وازدياد اعتماد الولاياتالمتحدة على الاستيراد؟». وقد أجاب أوباما على تساؤلنا بأسرع مما نتوقع، إذ قام بطرح مشروع المظلة الدفاعية التى تمثل نصف قوس يبدأ من بحر قزوين وينتهى ببحر العرب، أى إنها فى الواقع لا تستهدف غير إيران. فهل إيران بهذه القوة العدائية التى تحتاج لمثل هذه المظلة، وهل هى فى موقف المعتدى أم موقف المدافع وهو ما شرحنا أبعاده فى «الشروق» (20 و27/7 و3/8/2009). ويبقى أخيرا أن نتساءل عن موقف مصر من الصراع الدولى المتوقع لتأمين احتياجات الدول من الطاقة، وهل أعدت مصر نفسها لهذا الموقف بالاحتفاظ بما لديها من احتياطيات محدودة من البترول والغاز؟ (تنظر إجابتنا عن هذا السؤال فى «الشروق» (5/2 و15 و22 و29/3 و5 و12 و22/4/2009).