نشر هذا المقال بتاريخ : 26/2/2009 يدور الخلاف بين من يتوقع ازدياد الوفرة النفطية عبر المستقبل المنظور ومن ثم يروج لانخفاض الأسعار أو ارتفاعها بمعدلات بطيئة، وبين من يتوقع ازدياد الإمدادات النفطية ندرة تعجزها عن مواجهة الارتفاع المطرد فى الطلب العالمى، ومن ثم يقترب الإنتاج العالمى من ذروته لكى يتجه للنضوب الطبيعى، وتتجه معه الأسعار إلى الارتفاع. ويعتمد من يساند احتمال وفرة النفط وتدنى السعر على أن كلفة التنقيب والانتاج تتجه إلى الانخفاض نتيجة للتحسينات التقنية، ومن ثم يمكن التوسع فى انتاج الحقول ذات التكلفة المرتفعة. وفى رأينا ان هذه مقولة صحيحة ولكن ما يستخلص منها كاتجاه عام غير صحيح: أولا: لأن التكلفة عادت تتجه الى الارتفاع على تفصيل لا يتسع المجال لشرحه، وثانيا: لأن النتائج النهائية لتلك التحسينات التقنية لم تنجح فى زيادة الاحتياطيات المكتشفة، إذ لم يعد فى الإمكان العثور على حقول عملاقة من نوع حقول الخليج العربى. فقد انخفض متوسط حجم الحقل المكتشف خلال الستينيات من 200 مليون برميل، عندما ركزت الشركات جهودها فى الشرق الأوسط، إلى 50 مليون برميل خلال التسعينيات. وكنتيجة لذلك انخفض متوسط حجم النفط المكتشف عالميا من 70 مليار برميل سنويا خلال الستينيات إلى 20 مليار برميل خلال التسعينيات، وهو ما لا يكفى لتعويض ما ينضب بالإنتاج، إذ يغطى نحو 55 مليون ب/ى فقط بينما يبلغ الإنتاج العالمى فى الوقت الحاضر 86 مليون ب/ى مع تزايد مطرد. وإذا كان خبراء جيولوجيا النفط العالميين لا يستبعدون احتمال العثور على حقول عملاقة، إلا أن تلك الحقول قد لا توجد إلا فى المناطق النائية والصعبة وبتكلفة مرتفعة. ويؤكد هؤلاء الخبراء أن العالم لم يتمكن من تعويض ما استخرج من النفط الخام على مدى السنوات العشرين الماضية. ومن ذلك، كما يوضح تقرير لمجموعة IHS Energy Group أن اثنتى عشر دولة مسئولة عن إنتاج ثلث الإنتاج العالمى من النفط لم تستطع خلال السنوات العشر 1992-2001 تعويض ما نضب من احتياطياتها إلا بنسب ضئيلة. بل إن أهم الدول المنتجة وهى روسيا والمكسيك والنرويج وبريطانيا تراوح معدل التعويض فيها بين 15% و31%. كذلك توقعت وكالة الطاقة الدولية IEA التى أنشئت عام 1974 لتخدم مصالح الدول الصناعية الغربية، فى تقرير أذاعته عام 1998، أن اجمالى العرض العالمى من النفط بنوعيه (التقليدى وغير التقليدى) يمكن أن يقصر بحلول 2020 عن مواجهة الطلب العالمى المتزايد، وان العالم يمكن أن يواجه بحلول العام المذكور عجزا يقدر بنحو 19 مليون ب/ى وهو ما ينبغى توفيره من مصادر نفطية غير تقليدية وغير معلومة فى الوقت الحاضر. وفى ضؤ تلك الندرة النفطية، لا يتوقع ان ترتفع القدرة الانتاجية للنفط خلال المستقبل المنظور الا فى عدد محدود من الدول، يأتى فى مقدمتها خمس من دول الخليج العربى وفنزويلا، ما يسهل معه تنسيق سياسات الانتاج والتصدير والتسعير (جدول 1). أما الاستهلاك العالمى من النفط فيتوقع أن يرتفع من نحو 86 مليون ب/ى فى الوقت الحاضر الى نحو 120 مليون ب/ى بحلول 2030. وفى هذا الاطار يرتفع استهلاك الدول الصناعية الغربية أعضاء من 49 مليون ب/ى إلى 57 مليون ب/ى. واذ يبلغ إنتاج تلك المجموعة من النفط نحو 22 مليون ب/ى فى الوقت الحاضر ولا يتوقع ان يتجاوز هذا الحد بحلول 2030، فان العجز فى احتياجاتها النفطية يمكن ان يرتفع خلال تلك الفترة من نحو 27 إلى 35 مليون ب/ى، وتزداد معه درجة الاعتماد على الاستيراد (جدول 2). فى ضوء ما تقدم، يمكن الآن فهم محاولات الغرب، بقيادة الولاياتالمتحدة، فرض الحراسة والوصاية - طوعا او غصبا - على نفط الخليج العربى الذى يضم ثلثى احتياطيات النفط العالمية ويتوقع ان لا تقل مساهمته عن نصف الصادرات النفطية العالمية بحلول 2030. ويصبح السؤال: هل نحن مقبلون على فائض أم على عجز فى العرض العالمى للنفط؟ وإذا كان العجز هو الأرجح فكيف يعالج؟ هل سيدرك المنتجون والمستهلكون أن عصر النفط قارب على النضوب فيحسنون استخدام ما تبقى دون مقاومة لدور الثمن فى تحقيق التوازن، أم أن الضغط الغربى سوف يزداد بغية استنزاف الباقى من النفط فى أقل فترة زمنية وبأدنى الأسعار؟ تشير المعطيات الحالية الى ان الدول الصناعية، بقيادة الولاياتالمتحدة، تميل للاستمرار فى ممارسة الضغط الجماعى على الدول المصدرة للنفط، وبخاصة دول الخليج العربى، لزيادة معدل النضوب Outtake من 2% حاليا إلى نحو 4-6%. ويعرّف معدل النضوب بانه مقياس نسبى لحجم الإنتاج السنوى مقسوما على حجم الاحتياطيات التى تم اكتشافها وتنميتها Developed reservesوهو ما يشير الى العمر الانتاجى لتلك الاحتياطيات. ومعنى استجابة أوبك لهذه الضغوط ان احتياطياتها المؤكدة التى يستغرق نضوبها 50 خمسين عاما فى ظل معدل نضوب 2% يمكن ان يتقلص عمرها الى 25 عاما برفع هذا المعدل إلى 4%، وهو الاطار الزمنى الذى تحتاجه الدول الصناعية الغربية لتدبير أمورها بالتوصل إلى بدائل للطاقة تغنيها عن النفط الذى سيكون قد غادرنا إلى الأبد، ناهيك عما يمكن ان يصيب الحقول المرهقة بالانتاج من أضرار جسيمة. حينئذ قد لا تجد الدول المصدرة للنفط مفرا – إذا تحررت إرادتها – من مقاومة هذه الضغوط بترشيد الإنتاج وتحجيمه حفاظا على معدل معقول للنضوب، وحفاظا على ثروتها النفطية من الهدر بلا مقابل يعبر عن قيمتها الحقيقية والتى سوف تزداد كلما اقتربت من بداية النضوب الطبيعى. وإذا كان ثمة ما يستفاد مما تقدم، فان من واجب الدول المصدرة للنفط، وبدلا من قبول ما تروجه بعض الدوائر الغربية عن الوفرة النفطية عبر مستقبل ممتد، أن تقوم تلك الدول بتدقيق وتحقيق ما لديها من احتياطيات النفط والغاز على وجه اليقين، ثم تحسن طرحه فى الأسواق العالمية فى إطار سياسة رشيدة منسقة، وبما يحقق أفضل عائد لاستغلال تلك الثروة الناضبة. وحبذا لو اتجه الجانب الأكبر من استهلاك النفط الى الصناعات البتروكيماوية حيث ترتفع فيها القيمة المضافة Value added الى 2600 دولار اذا تحول برميل من النفط الى منتجات نهائية قابلة للاستهلاك. جدول (1) نمو القدرة الإنتاجية للنفط (الوحدة = مليون برميل / يوميا) الدولة أو المنطقة 1990 2003 2020 2030 2030 بالمائة السعودية 8.6 10.6 14.5 17.1 13.9 العراق 2.2 2.3 4.3 5.6 4.5 الإمارات 2.5 3.3 3.9 4.6 3.7 الكويت 1.7 2.4 3.8 4.5 3.6 ايران 3.2 4.2 3.9 4.3 3.5 اجمالى الدول الخليجية الخمس 18.2 22.8 30.4 36.1 29.3 قطر 0.5 0.9 2.5 0.8 0.6 ليبيا 1.5 1.5 1.9 1.8 1.5 الجزائر 1.3 1.5 1.9 1.8 1.5 اجمالى الدول العربية المهمة مع إيران 21.5 26.7 36.7 40.5 32.8 فنزويلا 2.4 3.0 5.0 5.9 4.8 نيجيريا 1.8 2.0 2.7 3.2 2.6 اندونيسيا 1.5 1.4 1.3 1.1 0.9 اجمالى أوبك 27.2 33.1 45.7 50.7 41.1 نصيب أوبك من إنتاج العالم بالمائة 39.1 40.2 42.5 41.1 روسيا (منطقة تصدير) 11.7 8.5 10.9 11.6 9.4 دول بحر قزوين (منطقة تصدير) 00 1.9 5.2 7.5 6.1 اجمالى الإنتاج فى أهم مناطق التصدير 38.9 43.5 61.8 69.8 56.6 نصيب مناطق التصدير من العالم بالمائة 56.0 52.9 57.5 56.6 الولاياتالمتحدة 9.7 8.8 10.4 10.4 8.4 بحر الشمال 4.0 6.3 5.1 4.3 3.5 باقى العالم 16.9 23.7 30.3 38.8 31.5 اجمالى العالم 69.5 82.3 107.6 123.3 100 جدول (2) درجة الاعتماد على استيراد النفط (الوحدة نسبة مئوية من الاستهلاك المحلى) الدولة او المنطقة 2004 2015 2030 الدول الصناعية أعضاء OECD 56 62 65 الولاياتالمتحدة 64 69 74 أوروبا 58 75 80 اليابان 100 100 100 الصين 46 63 77 الهند 69 77 87