فى الاسبوع الماضى زار مصر، محمد يونس، مؤسس أول بنك لتمويل الفقراء فى العالم، لعرض تجربة بنك جرامين ببنجلاديش فى مؤتمر اقتصادى، وطلب رئيس الوزراء منه توصيات لمساعدة مصر فى علاج مشاكل الفقر. يونس الذى يبدو شخصا عاديا، والذى قد لا تلاحظ وجوده إذا لم تكن تعرفه من قبل لهدوئه وقلة كلامه، تألم بشدة لمعاناة شعبه، بعدما ضربت مجاعة بنجلاديش فى عام 1972 عقب حصولها على الاستقلال، واستغلال المرابين لهم، فانبثقت فكرة البنك، التى بدأت بإقراض مجموعة من السيدات نحو 27 دولارا من ماله الخاص يقطنون مكانا قريبا من الجامعة التى يدرس فيها علم الاقتصاد. تخليص هؤلاء السيدات الفقيرات من جشع المرابين، دفع يونس إلى عمل مشروع بحثى لتصميم نظام مصرفى يصلح للفقراء الريفيين، وقام بتجربة عملية للفكرة فى إحدى محافظات بنجلاديش. نجاح التجربة أدى إلى توسع المشروع، ليشمل عددا أكبر من المحافظات، بمساعدة بنك بنجلاديش الحكومى، الذى اقتنع بالفكرة عقب نجاحها. وفى عام 1983 تحول المشروع إلى مصرف مستقل، ساهمت فيه الحكومة بنسبة 60 % من رأس المال، بينما كان رأس المال الباقى ملكا للفقراء المقترضين، قبل أن تتبدل النسب عام 1986 لتصبح 75% للفقراء، مقابل 25 % للحكومة، والآن يقترض نحو 8.5 مليون شخص من البنك، بحسب يونس خلال عرضه لتجربته بالقاهرة، مشيرا إلى أن القروض قد تبدأ بمبالغ صغيرة جدا مثل 5 أو 10 دولارات. وتقوم فكرة يونس، التى ساهمت فى خفض نسبة الفقر فى بلد من أكثر بلدان العالم اكتظاظا بالسكان، على توفير قروض للفقراء بدون تقديم ضمانات، لكن سعر الفائدة قد يصل إلى 28%. وعلى الرغم من أن سعر الفائدة يبدو مرتفعا نسبيا، إلا أن المقترضين نجحوا فى تحقيق عائد على استثماراتهم، وتحولوا إلى مدخرين، ويقول يونس إن رأس مال البنك حاليا يبلغ 1.5 مليار دولار، ومدخرات المقترضين بلغت مليارى دولار. "نحن لا نريد عملا ولكن ننشأ الأعمال، وعلى كل شاب أن يثق فى قدراته وفى نفسه لكى يكون صاحب عمل" يضيف يونس، لذلك تم إنشاء صندوق لتمويل مشروعات الشباب. زيارة يونس للقاهرة هى الثالثة، لكنها الأولى بعد فوزه بجائزة نوبل فى الاقتصاد عام 2006 من بين 191 مرشحا كانوا يتنافسون عليها، ومن بين أسباب اختيار يونس للحصول على الجائزة، وفقا لتقرير اللجنة التى تحدد الفائزين "أن البنك نجح فى بادرة تعد الأولى من نوعها فى تاريخ عالم الاقتصاد، لإقراض أكثر من 42 ألف متسول ومساعدتهم فى الكف عن الظاهرة الاجتماعية السيئة والهدامة". وخصص يونس، الذى كان يدرِّس للطلبة فى الجامعة نظريات التنمية المعقدة، مبلغ الجائزة لإنشاء شركة جديدة تقوم بتصنيع أغذية مخصصة للفقراء تتميز بارتفاع قيمتها الغذائية، وانخفاض أسعارها.