استضافت أمس القاعة الرئيسية بمعرض القاهرة للكتاب الشاعر والمفكر العربى الكبير أدونيس، للتحدث حول موضوع التجديد فى الخطاب الدينى، وهى الزيارة الأولى لأدونيس بعد انقطاع نحو عشرين سنة عن القاهرة. قدم اللقاء رئيس الهيئة العامة للكتاب أحمد مجاهد، قائلا: «إننا تعودنا على أن يطل علينا أدونيس من شرفتيه شرفة الشاعة وشرفة المفكر، وهو اليوم يحدثنا من الشرفة الثانية، واستعاد مجاهد تشبيه الكاتب سعيد الكفراوى لأدونيس بطه حسن فى المنطقة الفكرية». بدأ أدونيس محاضرته، المرتجلة، قائلا: «إنه إذا ذهبت مصر ذهب االعرب، قبل أن يعرض بعض الأفكار الخاصة بموضوع الندوة. فهو يرى أن الكتابة العربية، على الرغم من إنجازاتها، لم تجعل من الحداثة شيئا مضارعا لحاضرنا، أو حتى فى مستقبله، بل إن الحداثة خلفنا، حيث إن الأطروحات الفكرية التى حدثت بداية من القرن الثانى الميلادى أكثر عمقا من أطروحاتنا المعاصرة، حيث لا يوجد شاعر أو مفكر خلق روحا جديدة أو أعاد النظر فى شعرية اللغة وعلاقتها بالأشياء مثل أبى تمام، أو أعاد النظر فى الموروث الدينى والاجتماعى العربى مثل أبى العلاء المعرى، وفى كل ما يتعلق بعلم الاجتماع لا نجد مثل ابن خلدون». وأضاف صاحب «الثابت والمتحول» أن العالم العربى ساهم فى صنع الحضارة البشرية: «نحن إذن مسئولون أمام الآخر، لكن الثقافة العربية والإسلامية تريد أن تفرض إسلاما بعينه، وأنا لا أستطيع أن اتجرأ واقول أمامكم بماذا يوصف الاسلام فى الخارج، وهذا له اسباب كثيرة منها القراءات والتأويلات للنص القرآنى، واختصاره فى آيات معينة، مثل الآيات التى لها علاقة بالنكاح، مع تجاهل الآيات التى تخص التفكير والتدبر. ويرى الشاعر صاحب الجدل الأكبر بين الشعراء العرب، أننا «نعيش فى ثقافة القرون الوسطى وثقافة الفتوحات التى صنفت الإسلام إلى إسلام حقيقى وإسلام غير حقيقى. وهذا اللغة التى تصنف الإسلام إلى إسلام صحيح وغير صحيح خلقت الجماعات التكفيرية»، مضيفا أنه لا يوجد ما يسمى بالإسلام الصحيح والإسلام غير الصحيح، وإنما هناك مسلم معتدل وآخر متطرف، مستنكرا من عدم تقديم الأنظمة العربية حلولا ضد المتطرفين، غير أنه أشار إلى أن التقاليد الإسلامية تعتبر أن الإسلام يجب ما قبله، فهو إذن يجب ما بعده، يضيف: «ليس لدينا عقل نقدى، ولدينا شعوب تعيش على ما يكرره السلف بدون وعى». من النقاط التى توقف عندها، أيضا، أن العرب يستخدمون ما اخترعه الغرب من سيارات وطائرات وغيرها، ثم يكفر هذا الغرب، مما يعنى اننا نعيش فى عالم ونفكر فى عالم آخر تماما. يقول: «الثورة الحقيقية يجب أن تكون على أنفسنا أولا». وكعادته، لا تخلو محاضرته من بعض التصريحات الصادمة والمربكة، فهو يرى على سبيل المثال أن «الثقافة العربية السائدة لا تعلم سوى الكذب والنفاق والرياء، وأبسط الأدلة على هذا هى انتشار الرقابة كجزء عضوى فى الثقافة العربية، قبل ان تكون فى انظمة الحكم». يضيف: «لو أننا سوف نتأثر بالثقافة بشكل أو بآخر، لكنا تأثرنا بالفعل منذ سنين، بوجود على عبدالرازق وطه حسن والإمام محمد عبده»، إلا أننا لن نتأثر بالثقافة بغير عمل قطعية مع الثقافة السائدة، بمعنى أنه لو أننى أفكر اليوم أو أكتب مثلما فكر وكتب السلف فلن يكون هناك أية فائدة، ولكن علينا أن نضيف إلى ما قدموه». وقدم أدونيس بعض الاطروحات لتطوير الخطاب الثقافى والدينى، مثل تلقى الإسلام بوصفه رسالة وليس دولة، بالإضافة إلى التخلص من فكرة الثقافة بوصفها مجرد شيئا وظيفيا، والتأكيد على أهمية الحرية، لأنه حتى الآن لم يولد فى العالم العربى الفرد المستقل. يوضح: «أنا الآن أجلس بينكم ولا أستطيع أن أقول صراحة كل ما يدور فى ذهنى». وفى نهاية اللقاء، أعلن أحمد مجاهد رئيس الهيئة العامة للكتاب أن الشاعر الكبير قرر إهداء طبعة مصرية من كتابه «الثابت والمتحول» إلى مشروع مكتبة الأسرة.