انتظرت وغيرى، ممن لا يهمهم الانحياز والانتصار لطرف على حساب طرف فى هذا الصراع الدائر فى وطننا الحبيب منذ ما يزيد على العام، بقدر ما يهمهم الانتصار للوطن وللصالح العام لشعب مصر، كل شعب مصر، أيا كانت آراؤه أو انحيازاته أو مرجعياته، انعقاد مثل هذا المؤتمر الذى كلف به السيد رئيس الجمهورية جريدة «الشروق» لبحث مستقبل الحياة السياسية فى مصر عبر الحوار بين كل القوى السياسية. انتظرت هذا المؤتمر، لأنى وددت أن يتم توظيف التنوع فى الآراء السياسية فى مصلحة النهوض بالوطن من كبوته، وفى إنهاء حالة الاستقطاب البغيضة، وفى الوصول إلى توافق سياسى حول القضايا ذات الأولوية للمواطن المصرى، والحقوق والحريات التى ثار وناضل وضحى من أجلها شباب مصر فى 25 يناير وفى 30 يونيو، للتأكيد على حق المصريين والمصريات فى دولة مدنية ديمقراطية يُحترَم فيها الدستور والقانون، ويحصل فيها المواطن على العيش الكريم والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الانسانية. انتظرته لأنه هو السبيل الوحيد للوصول إلى الاستقرار الحقيقى، فالحلول الأمنية وحدها لا تكفى رغم أهميتها فى مواجهة العمليات الإرهابية التى تقع بين الحين والآخر، ولكن الجبهة الداخلية الموحدة المتوافقة على شكل الدولة التى نريدها، المتعايشة مع اختلافاتها، هى التى تحمى ظهر جنودنا البواسل فى حربهم ضد الإرهاب. الفرصة الأخيرة لعودة روح ثورة 25 يناير أزعم أن مؤتمر الحوار هو الفرصة الأخيرة لعودة روح ثورة 25 يناير خلال ال18 يوم منذ اندلاع الثورة وحتى سقوط مبارك، تلك الروح التى تحاكى بها العالم أجمع، روح التعالى فوق الخلافات مهما كانت ومهما عظم قدرها، لأن هناك هدفا أسمى نتوافق عليه جميعا، مصلحة مصر وشعبها. وقف هذا الشعب إلى جوار الشباب الثائر على مدى سنوات ثلاث، ووثق فى الشعارات التى رفعوها، ولكنه للأسف لم يحصد شيئا من تلك الشعارات على أرض الواقع، للدرجة التى قد جعلت بعضه إن لم يكن معظمه يكفر بالحالة الثورية وشعاراتها وتجلياتها المختلفة، وظهرت بعض الخطابات التى لا يمكن تجاهلها التى تقدم الاستقرار وأكل العيش على الحريات والديمقراطية ومبادئ الدولة المدنية، واللوم كل اللوم يقع علينا نحن السياسيين لأننا لم نُرِ المواطن منّا إلا الصراع على السلطة ومحاولة إقصاء الآخر، فلا رؤية ولا توافق على خطة طموحة لكيفية تحسين الأحوال المعيشية للمواطن المصرى. أجندة الحوار والقضايا ذات الأولوية بداية أعتقد أنه من البديهيات لإنجاح مؤتمر للحوار فى مثل هذا الظرف شديد الحساسية أن يتم دعوة جميع وجهات النظر المؤيدة والمعارضة لما حدث منذ 3 يوليو 2013 وحتى الآن، مادامت تحترم إرادة ملايين المصريين ورغبتهم فى التغيير التى عبروا عنها فى 25 يناير 2011 وفى 30 يونيو 2013، وتحترم إرادة المصريين التى عبروا عنها فى الاستفتاء على الوثيقة الدستورية الجديدة، وفى انتخاب رئيس الجمهورية، حتى لو أنهم قاطعوا هذه الاستحقاقات ولكنهم يحترمون نتائجها، والحديث بكل صراحة وشفافية حول المستقبل وكيفية ضمان حق المشاركة للجميع دون إقصاء فى بناء وطنهم. الحقوق لا تسقط بالتقادم، دماء المصريين، كل المصريين، غالية علينا جميعا، فلابد من الإعلان بشفافية عن نتائج تحقيقات لجان تقصى الحقائق فى الأحداث التى وقعت منذ ثورة 25 يناير وحتى الآن، ثم إنصاف المظلومين ومحاسبة المسئولين عن الجرائم التى وقعت فى حق أى مصرى أو مصرية، والى أن نصل لذلك يجب تقدير كل الدماء التى سالت مادامت لم تحمل سلاحا ضد الدولة ومؤسساتها، وتعويض ذويهم كما حدث مع شهداء ثورة يناير، ومع شهداء الجيش والشرطة. الانتخابات البرلمانية القادمة، لابد أن تعبر عن التنوع السياسى الطبيعى فى المجتمع، وذلك لن يتأتى إلا بتعديل قانون الانتخابات (نقطة التوافق الوحيدة بين كل التيارات السياسية)، للسماح بنسبة الثلثين للقوائم النسبية لا المطلقة والثلث للفردى، لكى نرى تمثيلا أكبر للأحزاب السياسية الأكثر وعيا بدور نائب البرلمان ودوره التشريعى والرقابى، ونقطع الطريق على تأثير المال السياسى والعصبيات ونواب الخدمات (الذين مكانهم فى انتخابات المحليات). الحفاظ على الدولة الوطنية ومؤسساتها والسعى لإصلاحها لتقوم بدورها على أعلى كفاءة والتصدى لمحاولات هدم المؤسسات. الالتزام بتطبيق مواد الدستور كاملة وعدم مخالفتها، وخاصة شكل وطبيعة الدولة المدنية الديمقراطية ونظام الحكم والفصل بين السلطات والحقوق والحريات التى يجب كفالتها لكل المصريين دون تفرقة. الثقة فى وعى الشعب، وأنه الوحيد صاحب حق عزل أى تيار سياسى عبر صناديق الاقتراع.