أيام وساعات تفصلنا عن « 25 يناير » القادم ، ولا أعرف ككثيرين مثلي كيف سينتهي هذا اليوم؟ هل سيشبه جُمعاتنا التي ننتظر في ليلاتها حصيلة الوفيات والإصابات؟ أم سيكون كذكرى « 6 أكتوبر » المنصرمة، حينما حاول طرف استغلاله لصالح قضيته وتغيير مسار وذكرى يوم تاريخي هو الوحيد الذي يجتمع فيه المصريون فرحا وانتصارا؟ فلم يٌسمح له وحدث ما حدث. أم أنه سيكون تكرارا للتفويض الفضفاض الوليد في يوليو؟ والفعل واحد وإن اختلف الهدف. لكن ما أعرفه ككثيرين مثلي أن هذا اليوم مستباح ومفترى عليه ومستهدف من الجميع « إلا القابض عليه كالقابض على ثورة من نار ». وما أعرفه أيضًا ككثيرين مثلي أن ما كان يوما « لتحرير المصريين ووحدتهم » ستعلو فيه – زورا وبهتانا – شعارات وهتافات وسترتفع فيه – إنكار واستكبارا – أياد برايات وستٌستدعى فيه ثنائيات المصالح الخاصة أحادية الجانب ( الإرهاب والانقلاب / الأمن والديمقراطية ) مُغلفة بشعار الحقبة الناصرية أنه « لا صوت يعلو فوق صوت المعركة » : معركة إسقاط الانقلاب واستعادة الديمقراطية ومعركة الحرب على الإرهاب واستعادة الأمن. سيحضر الطرفان المتناحران لجرنا إلى صراع ليس صراعنا الأساسي وإلى معركة ليست معركتنا الأصلية بل صراع ومعركة « القاتل والمقتول ». *** ولأن 25 يناير مفترى عليه ومستباح … فسيخرجون للقفز على هذا اليوم ولحذفه متناسين وناكرين أفعالهم المضادة للثورة وثوراتهم المضادة للثورة … ستخرج جماعة اختارت كعادتها التقوقع داخل منطقة راحتها لترفع شعارات تنكر بها كعادتها أيضا أي واقع يكشف كل محاولاتها « للقفز » على الثورة والتسلل إلى داخلها والتحرش بها. ستعلو شعارات ظاهرها أن « ثورتهم مستمرة » وأن « الشعب يستعيد ثورته » وباطنها لن يخلو من محاولة بائسة « لاستعادة شرعية » لن تعود لرئيس وجماعة استقووا بشرعية الصندوق على شرعية الثورة … وسيخرج كذلك من أصبح « الحذف » غايته وهدفه وأمله للعودة لما قبل 25 يناير وليسجل هذا اليوم في خانة « الذكرى – المرحومة 25 يناير – نكسة 25 يناير »، وليجعله يوم ثأر وانتقام … ولن يفوته أن يتجمل بكلمات وشعارات ك « مصر قادمة – أمن مصر أهم من الديمقراطية ومن حقوق الإنسان» ولن ينسى قطعا تقليعة التيمن بقول لم يقله ديفيد كاميرون رئيس وزراء بريطانيا « عندما يتعلق الأمر بالأمن القومي فلا تحدثني عن حقوق الإنسان ». ولأن مشكلتهم دائما مع التغيير فلن تفوتهم بالتأكيد محاولات لإعادتنا لما كنا عليه قبل 25 يناير من (اخترناه اخترناه) بتفويض يتجدد بمناسبة وبدونها ليصبح أمر البلاد كله بيد فرد لا بيد شعب. ورغم ما كان وما سيكون من رايات وثنائيات وشعارات سيظل أهل يناير وخاصته ثابتين على مبادئهم وعلى شعارهم الوحيد « عيش حرية كرامة إنسانية عدالة اجتماعية » مهما كان ثمنه. قد يغيب عن هذا اليوم جسدا فقط لا روحا أو فكرا كل أو بعض من أهل يناير الأصليين ممن غابوا مقاطعين الاستفتاء على تعديلات دستور 2012 يأسا وإحباطا وممن قاطعوا ثباثا وصمودا كل ما خالف شعارهم الينايري الوحيد. قد يغيبون لكنهم دائما وببساطة « مكملين » لأن « ثورتهم الحقيقية مستمرة »، ثورتنا وثورتهم وثورة كل من عاش وخرج من أجل العيش والحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية، قد يغيبون لأن ببساطة « لا يلدغ صاحب 25 يناير من طرف مرتين » . *** ولم يسلم الينايريون مثلما لم يسلم يناير من محاولات يائسة بائسة للتشويش عليه ولخصخصته ولخطفه من أهله الأصليين، سيقول هؤلاء أنهم وحدهم أصحاب الثورة لأن الباقيين خانوا وباعوا وانقلبوا وسيقول أولئك أن هؤلاء مجرد عيال ونشطاء خونة ومتأمرين … وسيستميت هؤلاء وأولئك في شخصنة الأمر وحصره في أسماء وفئات معينة لفرض الوصاية ولتوزيع صكوك الوطنية لعلهم يقتلونه ويقتلونهم … ولمن يٌشكك فيهم ولمن لا يعرفهم أو لا يعرف إن كان يقف معهم في نفس المربع أم لا. أهل يناير الأصليون طليعتهم من الشباب لكنهم من كل شرائح المجتمع وطبقاته وأعماره وأيديولوجياته وربوعه، لا يهمهم الاسم أو اللون أو الدين أو العنوان يهمهم فقط « الإنسان ولو ملوش عنوان ». أهل يناير الأصليون هم كل من انتفض لمقتل خالد سعيد ولتعذيب السلفي سيد بلال ولموت كل مسيحي لا نعرف اسمه في القديسين … لا يهمهم من صاحب الدم المسفوك أو العرض المنتهك فعندهم الدم واحد والعرض واحد وكلاهما حرام … لا فرق عندهم بين عماد عفت ومينا دانيال أو بين مدني ومجند ولا يهمهم ( إيه اللي وداها هناك) فكل نساء مصر خط أحمر. هم كل من عارض تزوير انتخابات 2010 ووقف أمام تمليك مبارك وتوريثه مصر لابنه وعصابته وظلوا يهتفون « الشعب يريد إسقاط النظام » حتى خلعوه … حاولوا الاصطفاف والتوحد خلف مرشح ثوري مدني لكن المرشحين خذلوهم كما خذلهم أول رئيس مدني منتخب فعارضوه وخرجوا عليه لما انقلب على ثورتهم. لن يقبلوا بمساومتهم بين العودة لما قبل 30 يونيو أو لما قبل 25 يناير ولا يمكن مقايضتهم أو مفاضلتهم بين الديمقراطية والحقوق والحريات مقابل الأمن. يؤمنون بأن الدين لله والوطن للجميع وأن المواطن المصري بإنسانيته لا بخانة الدين في بطاقته، لم يشجعوا ولم يشاركوا يوما في الزج بالمقدس في المعترك السياسي. أهل يناير الأصليون لن يتنازلوا عن دولة القانون : دستور غير استقطابي لكل المصريين لا للمنتصرين وقضاء مستقل عادل وعدالة عمياء ولن يتنازلوا أبدا عن دولة ديمقراطية ترعى الحقوق والحريات وأمن المواطن والدولة لا أمن النظام. أهل يناير الأصليون بكل بساطة هم المصريون الذين رفعوا لافتات في الميدان تحمل رسائل كتبوها بخط أيديهم، كانت وقتها موجهة لمبارك لكنها ستظل رسائل مرفوعة وموجهة لكل نظام قد ينسى أو يتناسي أن للمصريين حقوق وأهداف لن يتواروا يوما في الدفاع عنها : (رسالة إلى من يقولون نعم لمبارك سوف تندمون عندما تنجح الثورة لأنكم قلتم نعم للفساد والمحسوبية والتوريث والظلم والمهانة والفقر والذل والهوان ولكننا هنا نقولها بشرف يسقط نظام مبارك ) ( مسلم مسيحي كلنا مصريين نريد العدل والمساواة لا لمبارك وأعوانه ) ( انتهى عصر الخوف ) ( نحن سنغير بأيدينا ) *** قد يدعي طرفا الصراع تكبرا وجهلا أن الغلبة لهم لأن أهل يناير في نظرهم قلة محلقة في سماء رومانسية الثورة بعيدين عن الشارع في حين أن مصر لم تعرف يوما طريق الميدان والشارع سوى في 25 يناير. حتى أهل يناير يظنون أحيانا خطأ واستسلاما وتسليما نفس الظن في حين أنهم الأغلبية لكنهم لا يتبعون ما يتبعه الآخرون فكريا ومعنويا وماديا من قمع وإرهاب ولا يجيدون ما يجيده الطرفين من قفز وادعاء وسرقة وقمع وصخب، فالسلمية هي طريقهم الوحيد للحق مهما طال الطريق. باختصار، لن يصطفوا يوما مع من تنكر لشرعية الثورة ضمانا لشرعية صندوقه وبالتأكيد لن يتبعوا من يمقع ضمانا لأمنه « فلا عذر لمن أدرك الفكرة ثم تخلى عنها ». سيعودن لأنهم قرروا « سنكون يوما ما نريد ». *** ومصر عارفة وشايفة وبتصبر لكنها ف خطفة زمان تعبر وتسترد الاسم والعناوين