-1- ذكر القرآن لفظ «اللغو» أكثر من مرة، ومنها حينما عدد صفات المؤمنين فقال تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) ومعنى اللغو: هو ما يتلفظ به الإنسان من ألفاظ لا فائدة فيها، أو يعمل عملا لا ثمرة له. فذلك «قول لغو» و«عمل لغو» يجب على العاقل أن يصون لسانه عنه فلا يتفوه به. حيث لا فائدة ولا عائد فضلا عن استهلاك وقت المتكلم والسامع خصوصا وقت المؤمن الذى يعلم أن أجله محدود لا زيادة فيه.. وإن كل يوم بل كل ساعة تمر من العمر لاشك أنها مخصومة مقطوعة من أجله لا يمكن تعويضها، فكيف يسمح المؤمن لنفسه بإهدار فرصة من عمره دون فائدة ونفع لنفسه وللآخرين؟! وليس معنى ترك اللغو عدم الترفيه والتسلية، ولا نتصور خلو الحياة مما يبهج ويسر، إنما المقصود أن يكون القول مع ما فيه من ترفيه وسرور حاملا توجيها لإصلاح عيوبنا، والتنبيه على أخطائنا وأفعالنا للتجويد والتحسين. -2- و«لغو القول» هو القول غير المثمر ولو كان مهذبا...أى أن اللغو هو الكلام الزائد عن الحاجة، فالخالق سبحانه وتعالى يربى عباده تربية صالحة لهم فلا يسرفون فى الحديث دون ضرورة...ولا يسرفون فى الأموال فى غير الاقتصاد النافع، ولا يسرفون فى الزمن فيضيع العمر منهم بين لغو القول ولغو العمل فلا يحققون لأنفسهم ولا للإنسانية نفعا. ومما وصف الله به «عباد الرحمن» قوله تعالى (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ.. وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا) أى أن من حسن عبودية الإنسان لربه أن لا ينطق لغوا، ولا يسمع لغوا.. حتى وإن صادفه فى طريقه فينبغى أن يتخذ طريقا آخر حتى لا يشارك قوما يضيعون أعمارهم فيما لا فائدة فيه. ومن أمثلة لغو القول: أن تسأل عما لا يعنيك من أمور الناس، فلا يحق لأحد أن يتطفل على الناس ويتدخل فى شئونهم يحدثهم فى شئونهم الخاصة دون ترحيب منهم بتطفله هذا، فيضطرهم إما إلى كشف حالهم على مضد أو إلى الكذب خوفا منه. ومن لغو القول أن تتحدث فيما لا تتيقن منه، أو فيما لم تتخصص فيه من العلوم، فتلك مسئولية كبرى، حيث يقول الله تعالى: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا). ومن لغو القول الثرثرة بما لا فائدة منه فإذا لم تكن معلما أو متعلما فالصمت أولى. كما قال الرسول «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ» بل إن الرسول ج شدد فى التحذير من الثرثرة فقال: «إِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبَكُمْ مِنِّى مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلاقًا، الْمُوَطَّئُونَ أَكْنَافًا، الَّذِينَ يَأْلَفُونَ وَيُؤْلَفُونَ، وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّى مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الثَّرْثَارُونَ، الْمُتَشَدِّقُونَ، الْمُتَفَيْهِقُونَ». وال«ثرثار»: هو الشخص الذى يكثر الكلام بغير ضرورة، وال«متشدق»: هو الشخص المتقعر فى كلامه مستعملا الألفاظ المهجورة، وال«متفيهق» هو الشخص الذى يتحدث فى علوم أو فنون أو شئون لم يحط بها علما كافيا. لذلك تعلم الصحابة من الرسول كيف يقللون الكلام ويكثرون العمل، فهذا أبوبكر الصديق كان يضع «حصوة» (زلطة كبيرة) فى فمه تحول بينه وبين الاندفاع بالكلام، فيفكر أولا فإذا وجد ضرورة قصوى لكلامه أخرج «الحصوة» من فمه، فإذا لم يجد ضرورة قصوى بقى على حاله كما هو.