الأخلاق باختصار شديد هي الشريعة الإسلامية بكاملها. عبادات ومعاملات وأحكام ومقاصد. فمن تجرد من الأخلاق تجرد منها أي من الشريعة بكاملها. يؤكد هذا قول الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم في الحديث الشريف الذي رواه الترمذي: ¢ إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق¢. فهذا الحديث الشريف جاء بصيغة بلاغية جميلة هي القصر التي تفيد أن مهمته صلي الله عليه وسلم التي كلفه الله بآدائها كأنها مقصورة علي إتمام مكارم الأخلاق. ويؤكد هذا المعني أيضا قول السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها فيما رواه الإمام مسلم عندما سئلت عن خُلُق الرسول فقالت : ¢ كان خُلُقه القرآن ¢ أي القرآن كله. فلم تقل كان خلقه سورة كذا أو آية كذا من القرآن . ولكن القرآن الكريم كله. أقول هذا الكلام لما يمر به المجتمع المصري من أزمة في الأخلاق تجاوزت أعمال البلطجة والسلب والنهب والاعتداء علي المنشآت العامة والممتلكات الخاصة إلي العار . - نعم العار بكل ما تحمله الكلمة من معني. ويا للأسف العار الممنهج المتمثل في وقائع التحرش الجنسي بالفتيات في الشوارع والأماكن العامة والميادين وفي مقدمتها ميدان التحرير الذي كنا نتباهي به فأصبحنا اليوم بفعل التحرش نخجل منه . الميدان الذي كان رمزا للبطولة والبسالة وأصبح اليوم بفعل حفنة من عديمي الأخلاق رمزا للخسة والنذالة. - العار المتمثل في التحرش الجنسي الذي يقع علي مرأي ومسمع من الجميع فلم يحركوا ساكنا. لأن نخوتهم قد ماتت وشهامتهم قد غاضت . أين المروءة وأين الغيرة التي عُرِف بها المصريون ؟ . إن مما يؤسف له حقا أن يجد هؤلاء المارقون عديمو الأخلاق الغطاء لأفعالهم المشينة ممن يسمون زورا وبهتانا بالثوار والقوي السياسية. التجرد من الأخلاق ليس له ما يبرره علي الإطلاق. فلا يجوز لأحد أن يعلله بوجود الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد أو انتشار المواقع الإباحية علي شبكة الإنترنت الدولية أو خروج الفتيات إلي الشوارع متبرجات . لقد سافرت إلي دول عديدة البنات فيها أكثر تبرجا. منها دول عربية يضرب الفقر مجتمعاتها في الصميم وراقبت المشهد في شوارعها عن كثب فلم أرصد بعيني شابا تحرش بفتاة ولم أسمع بأذني فحش القول في الجد والهزل . ومعلوم أن من يراقب حديث الناس في الشارع المصري يسمع - حتي في المزاح - الرجلَ يسب الرجلَ بأمه وأبيه وأخته وأخيه وصاحبته وبنيه . أين نحن كمصريين مما رواه الترمذي عن أبي الدرداء عن النبي قوله :¢ ما شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن. وإن اللّه ليبغض الفاحش البذيء ¢ أنصتوا إلي كلام الناس العادي في الشوارع لتقفوا علي مدي البذاءة وفحش القول . لماذا يرفض المصريون أن يكونوا أحباب رسول الله وأقربهم منه مجلسا يوم القيامة. نعم لقد رفض المصريون هذا المنزلة الرفيعة وتنازلوا أو تخلواعنها كما تخلوا عن قيم عظيمة كثيرة عندما سمحوا لهذا العار أن ينتشر في مجتمعهم بتركهم حسن الخلق فعن جابر بن عبد اللّه رضي الله عنه أن رسول اللّه صلي الله عليه وسلم قال: إن من أحَبِّكم إليَّ وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا. وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني مجلسا يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون و المتفيهقون¢ فهل هناك ثرثارون ومتشدقون أكثر من المصريين في الفضائيات الهدامة. وهل هناك متفيهقون غير من أفتوا بجواز مضاجعة الزوجة بعد وفاتها أو رضاعة الرجل من زميلته في العمل؟. وهل ظهر هؤلاء المتفيهقون إلا في مصر؟! . قد يأخذ البعض علي أني أعمم في حديثي هذا. وهذا حق لهم لكني أحيلهم إلي قول الله تعالي : ¢ واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب¢ الأنفال. آية 25. لا يمكن الخروج من هذه الأزمة إلا إذا أصلحنا أخلاقنا ورجعنا إلي ما يأمرنا ربنا ورسولنا والامتثال لأوامرهما . ففي هذا النجاة في الدنيا والفوز في الآخرة . روي الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سئل رسول اللّه صلي الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة فقال :¢ تقوي اللّه وحسن الخلق ¢ والله من وراء القصد .