عندما وصلت إلى مطار مدينة أورلاند عاصمة ولاية فلوريدا فى الاسبوع الماضى وقفت فى طابور طويل جدا استمر أكثر من ساعة حتى وصلت إلى موظف الجوازات. الإجراءات الأمنية الموجودة هناك لم أرها فى أى مطار آخر بالعالم. ورقة بيانات متنوعة يجب ان تملأها وانت فى الطائرة قبل الهبوط تسألك عن كل شىء من أول اسمك حتى نوعية المأكولات الموجودة معك، وهل لديك معارف بامريكا وحجم الأموال الموجودة بحوزتك وما هى محتويات حقيبتك، وهل بها أى نوع من المأكولات أو البذور. كنت اعتقد ان هذا هو الجزء الأصعب، لكن وفى رحلة العودة اكتشفت ان الإجراءات الموجودة بمطار القاهرة أخف كثيرا، والطابور مهما كان طويلا فهو لا يقارن بمثيله الأمريكى. فى رحلة العودة فرحت عندما علمت اننا لن نقف أمام ضابط الجوازات الأمريكى ليضع على جواز السفر «ختم الخروج»، لكن فوجئت اننا وقفنا أكثر من ساعة فى طابور التفتيش الأمنى. خليط متنوع من كل الجنسيات، وان كان مواطنو أمريكا اللاتينية هم الأكثر خصوصا من المكسيك القريبة جدا من هذه الولاية. عندما تصل إلى موظف الأمن تخرج كل شىء من جيوبك من أول المحفظة إلى الكمبيوتر أو الايباد مرورا بكل ما هو معدنى وحافظة نقودك والجاكت والحذاء، وكل هذا صار شيئا طبيعيا فى معظم المطارات العالمية، لكن فى الولاياتالمتحدة فوجئت بان على كل راكب ان يقف فى مكان دائرى ويرفع يديه عاليا فى وضعية الاستسلام الكامل ويقوم جهاز ضخم «اسكنار» بمسح المواطن مسحا كاملا، وصارت سيدات كثيرات تشكو من هذا الجهاز لانه يجعلهن عرايا تماما أمام السلطات الأمريكية. انتهيت بسلام من هذا التفتيش غير المسبوق واعتقدت ان الأمر قد انتهى، لكن فى الطابور الطويل إلى الطائرة عبر «الانبوب» استوقفنى ضابط أمريكى ومعى زميل وزميلة مصريين من دول خلق الله. سألنى الضابط: لماذا جئت لأمريكا وكم قضيت من الوقت، وما حجم الدولارات الموجودة معى، وما هى وظيفتى؟. وللأمانة فقد كان الرجل غاية فى التهذيب، وعندما سألته لماذا يسأل عن النقود، وهل هناك حد أقصى؟، قال لا، بل يمكنك أن تحمل معك حقيبة أموال، المهم لنا ان نعرف من انت وما هو عملك ومن اين حصلت على هذه النقود؟. دخلت الطائرة وقضيت بها أكثر من تسع ساعات حتى وصلت إلى فرانكفورت الألمانية لأجد نفس الطابور الأمنى المعهود، لكن محذوفا منه «المسح الشامل للجسد». هذا النوع من التفتيش تسبب فى أزمات دبلوماسية كثيرة بين أمريكا والعديد من البلدان كما حدث مع دبلوماسية يمنية رفضت الخضوع له وعادت لبلادها، أو زوجة الرئيس التايوانى السابق. هل مازلنا نتذكر ان كل هذه الإجراءات لم تكن موجودة قبل 11 سبتمبر 2001، وأنها منذ هذا التاريخ ظلت تتزايد حتى وصلنا إلى اللحظة التى نعيشها؟!. للأسف الشديد نحن العرب كنا أحد الاسباب الرئيسية فى كل هذا العذاب والمهانة التى يتعرض لها الركاب فى غالبية مطارات العالم فى كل لحظة. الإرهاب لم يسىء لنا فقط، لكنه قلب حياة كل العالم رأسا على عقب.