أشار لشنطتى ليفتشها بعناية.. قلت له إنه لم يفتش حقيبتها، فأجاب: «دول أجانب وولاد ناس!» - عادى! سافرت إلى مصر قبل عشر سنوات ومعى مجموعة من طلابى النمساويين بالجامعة، ممن حدثتهم على مدى فصول دراسية طويلة عن مصر خصوصاً والعالم العربى عموماً، ما إن وصلت إلى المطار حتى عبر كل طلابى من طابور الجوازات فى لمح البصر، وأنا محصور من ضابط الجوازات بين سين وجيم كهارب قديم من العدالة. الضابط كان يبتسم بابتهاج ويطيل النظر فى وجه كل طالبة وطالب ويحييهم بكرم سياحى سخى، تجهم حين رأى سحنتى وشدد الإجراءات والتعطيل ولم ينظر حتى لوجهى وهو يحدثنى، بل بدا كأنه يحادث جواز سفرى - عادى! * بعد يومين كان موعدنا للذهاب لمتحف الآثار، وقفت مع طلابى فى طابور الدخول أحادثهم وأرد على أسئلتهم، رآنا ضابط صغير ففز نحوى موجهاً أمراً متوسط اللهجة حتى لا يزعج الأجانب الطيبين أولاد الناس، طالباً بطاقتى الشخصية وأن أذهب للجانب الآخر لدخول المصريين، حاول الدليل الألمانى الذى بصحبتنا أن يقنعه أننى أستاذ هؤلاء الطلاب الذين يشكلون نصف هذا الطابور الطويل وأننى سبب حضورهم لمصر، لكنه لم يقتنع بسحنتى الغريبة - عادى! * فى رحلة تالية لمصر مع عدد آخر من الطلاب والأصدقاء عانيت كلما ذهبت معهم لمكان أو تسوق، فبائع العطور يغمز ويسر لى بأن هناك نسبة مئوية لى من المبيعات لهؤلاء السياح، وبائع أوراق البردى يغازلنى بهدايا مجانية. حتى بعض المطاعم لا تستحى من تقديم قائمة طعام سياحية باللغة الإنجليزية تختلف أسعارها عن الأسعار الموجودة باللغة العربية أو أن طعامى سيكون مجاناً. وفى كل مرة يوعز لى بأنى لن أدفع شيئاً بل هؤلاء السياح أو هذه السيدة الأجنبية التى معى، وهى زوجتى لكنه يأبى أن يصدق. كل هذا يأتى فى ابتسامات سياحية جميلة - عادى! * فى إحدى المرات كنت داخلاً لأحد الفنادق الكبيرة مع زوجتى، عند البوابة ابتسم لها المراقب هذه البسمة السياحية بعرض كل أسنانه، دخلت هى دون أن يفتش حقيبتها، رغم أن شنطتها رنت وزنت وأصدرت كل الأصوات الممنوعة. لما أردت أن أدخل مثلها، ظهرت أنيابه ومخالبه، أوقفنى وانتبه لعمله الجبار، أشار لشنطتى ليفتشها بعناية، قلت له إنه لم يفتش حقيبتها، فأجاب: «دول أجانب وولاد ناس!» - عادى! * تعودت فى المرات اللاحقة عند دخول بعض الأماكن «المحروسة» مع زوجتى أن أتعمد الحديث معها بالألمانية ولا أرد على كلمات التوقيف، فأسمع حارساً من المفتشين يقول مثلاً: «سيبه.. شكله أمريكانى» - عادى! * لسوء حظى أننى كنت موجودا أثناء افتتاح متحف النوبة فى أسوان، كان «سيادة» الرئيس يفتتح المتحف، فأصبحت كمية الرعب تملأ المكان أكثر من الهواء. صحوت ثم خرجت للشرفة فشاهدت خيال شخص فوق رأسى على سطح الفندق. رفعت رأسى وجدته يحمل سلاحاً وينظر إلىّ بشراسة، فى المبنى المقابل كانت هناك مجموعة «ناضورجية» متناثرة تقف بنظارات معظمة تراقب كل ثابت ومتحرك. منعونا يومها من الخروج من الفندق، بينما «سيادته» ربما لم يحلق ذقنه فى القاهرة بعد. عصراً وجدت بعض السياح يدخلون متحف النوبة، انطلقت مع زوجتى، دخلت هى كالعادة بسهولة بينما أوقفنى شخص، فاعتقدت أنه ربما هناك تذاكر، قال لى إن الدخول مجاناً لكن للوفود الأجنبية فقط وممنوع دخول المصريين، أشرت لزوجتى قائلاً: «وهل هذه السيدة ضمن الوفد؟»، قال بتحدى العارف الواثق: «طبعاً!»، قلت: «إذن أنا ضمن الوفد، فهى زوجتى!»، «اصفهَرّ» الرجل و«احمهَرّ» ثم اختفى ليأتى زميله بابتسامة نصف سياحية ويقول لى: «اتفضل سيادتك!» - عادى!