• الوزير الأسبق فاروق حسنى كلف صديقه المصمم الفرنسى الهاوى بتطوير المتحف • متحف باب الخلق صمد أمام الزلازل لمائة عام والتغيير الجوهرى فى تصميم المبنى أفقده مقاومته • 107.5 مليون جنيه تكلفة تطوير «متحف الفن الإسلامى» على مدى ثمانى سنوات الفكر العشوائى كان ومازال هو الذى يحكم توجيه المال العام فى المجلس الأعلى للآثار قديما وحديثا.. هذا ما يمكن أن نخرج به بعد استعراض الحالة التى وصل إليها مبنى متحف الفن الإسلامى بباب الخلق بعد أن امتدت إلى محيطه تفجيرات يد الإرهاب الآثم. تلك الحالة السائدة فى تنفيذ كثير من المشروعات التى شهدت وقائع أقل ما توصف به هو أنها إهدار للمال العام علاوة على التغيير الجوهرى فى تصميم المبنى المعمارى الذى أفقده مقاومته للهزات العنيفة كما كان الحال سابقا، صمد هذا المبنى الذى تخطى عمره المائة سنة أمام العديد من ضربات الزلازل كان آخرها زلزال أكتوبر سنة 1992م المدمر.. ويكفى الإشارة إلى أن هذه المشروعات التى ينفذها عدد من شركات المقاولات شهدت مبالغة فى قيمة الأعمال الإضافية بشكل خيالى تجاوز فى بعض المشروعات نسبة 2000% من قيمة التعاقد الأصلى فى مخالفة صريحة للقانون الذى يسمح بأعمال إضافية فى حدود نسبة 25% من قيمة العقد مما يثير تساؤلات عديدة أهمها: هل يعد السماح بإضافة هذه الأعمال الإضافية أو الأعمال التكميلية بهذه النسب الخيالية إهدارا للمال العام.. أم أن هذه النسب لها ما يبررها من الناحية القانونية؟.. يقولون إن تكلفة تطوير متحف الفن الإسلامى 107.5 مليون جنيه على مدى ثمانى سنوات أوصدت فيها أبواب المتحف جبرا. وإذا كانت هذه السطور بصدد توجيه اتهامات محددة للمسئولين أو القائمين على أمر وزارة الثقافة والمجلس الأعلى للآثار سابقا ووزارة الآثار حاليا فإنها تطالب برد واضح وفورى من مسئولى الدولة سواء السابقون الذين عاصروا إسناد وتنفيذ هذه المشروعات وعلى رأسهم السيد فاروق حسنى وزير الثقافة الأسبق والدكتور زاهى حواس أمين عام المجلس الأعلى للأثار آنذاك وكذلك قيادات الوزارة فى الوقت الراهن خصوصا أن القضية تتعلق بالمال العام من جهة، وتدمير الكنوز الأثرية من جهة أخرى. ترجع فكرة متحف الفن الإسلامى إلى عام 1869م حين اقترح المهندس «سالزمان» على الخديوى إسماعيل إنشاء متحف للآثار الاسلامية يضم ما تيسر من مقتنيات المساجد من تحف وآثار. غير أن هذه الفكرة ظلت حبيسة الأدراج حتى عهد الخديوى توفيق، وحتى صدر عام 1880م مرسوم بتكليف وزارة الأوقاف بتخصيص مكان لذلك المتحف الوليد. وعهد إلى «فرانتز باشا» إعداده وتنظيمه فاتخذ له من أروقة جامع الحاكم بأمر الله مكانا أطلق عليه إسم «دار الآثار العربية». وظلت الدار كذلك فلم يطرأ على المتحف تطور كبيرا إلا بعد إنشاء لجنة حفظ الآثار العربية سنة 1881م ودخوله تحت إشرافها. فكان أن أنشئ له مبنى خاص فى صحن جامع الحاكم، ثم طالبت اللجنة الحكومة عام 1899م بإنشاء المبنى الحالى للمتحف بميدان باب الخلق، فاكتمل البناء ونقلت إليه التحف وافتتح فى 28 ديسمبر سنة 1903م (9 شوال سنة 1321ه)، ومازال المتحف يشغل الطابق الأسفل من ذلك المبنى الذى تشغل دار الكتب طابقه الأعلى. ظل إشراف المهندس فرانتز باشا على المتحف من سنة 1881م إلى سنة 1887م. ثم اعقبه المهندس «ماكس هرتز» كبير مهندسى لجنة حفظ الآثار العربية الذى عين 1901م أمينا عاما، كما عين الأستاذ على بهجت أمينا عاما مساعدا ثم مديرا له فى يناير 1915م حين ترك «ماكس هرتس» الخدمة. فكان أن اتسع نشاط المتحف ليشمل الكشف والتنقيب عن التراث الفنى الإسلامى والمحافظة عليه والنشر عنه وذلك بإجراء الحفائر فى مواقع العواصم الإسلامية فى مصر (الفسطاط والعسكر والقطائع) خاصة والأماكن التاريخية عامة. وقد ظل تزايد مقتنيات المتحف حتى بلغت زهاء 90 ألف تحفة من الخزف والفخار والزجاج والبلور الصخرى والنسيج والسجاد والمعادن والحلى والأخشاب والعاج والأحجار والجص والسكة والمخطوطات، حتى ضاقت بها قاعات العرض والمخازن. واشتدت الحاجة إلى أماكن أوسع تصلح للعرض والتخزين وتعددت الاقتراحات والبدائل فى هذا السبيل. وقد كان من حسن طالع المتحف وبعد إتمام بناء هيئة الكتاب وانتقالها إليه على النيل أن يتحمس له كل من تولى شئون الثقافة فى حقبة السبعينيات وبداية الثمانينيات. وقد نجح السيد الأستاذ محمد عبدالحميد رضوان وزير الدولة لشئون الثقافة آنذاك فى تحقيق آمال المتحف، فتوج جهود زملائه من وزراء الثقافة السابقين وضم إلى المتحف ما كانت تشغله مطبعة دار الكتب بالدور الأول، مع جانب كبير من قاعات الدور العلوى حيث خصصت كبرى هذه القاعات لعرض قرابة ألف قطعة من النسيج معظمها مصرى عثر عليه فى حفائر الفسطاط، وبعضها إيرانى وتركى. وكذلك عرضت خزانتان للأزياء وزهاء عشرين سجادة مختلفة الطراز وأربعة ثريات نحاسية من العصر المملوكى التركى. ويعد كذلك من الإضافات الجديدة إقامة قاعة جديدة لعرض العملات الأثرية والموازين والمكاييل والأنواط ويندرج أكثرها تحت اسم علم «النميات». كما أثمرت جهود الوزير الأستاذ عبدالحميد رضوان المشكورة فضمت إلى المتحف أرضا تقع على شمال المتحف تبلغ مساحتها 1070 مترا كانت تشغلها محطة للنفط وتمثل خطرا على المتحف ومقتنياته، فصارت معرضا مفتوحا يتقدم الباب الشمالى الذى أضيف للمبنى. كان للباب الضخم المعروض فى مقدمة المتحف قبل أعمال التطوير الأخيرة والذى يعود للعصر الأيوبى ويصل ارتفاعه إلى خمسة أمتار الذى وضع مقلوبا لأعلى، أكبر الأثر فى إقدام وزير الثقافة الأسبق فاروق حسنى لتغيير شامل فى إعادة صياغة سيناريوهات العرض التى تطلبت بدورها إلى فرض تصميمات معمارية جديدة كانت بمثابة الكارثة على التحف الأثرية المعروضة اثناء تفجيرات 24 يناير الماضى. ونتساءل جميعا هل التفجيرات الإرهابية وحدها هى السبب فى الدمار الذى لحق بالتحف الأثرية فى متحف الفن الإسلامى، ناهيك عن المبنى الأثرى الذى شيده هرتس باشا ذاك المهندس العبقرى الذى صمم وأنشأ مسجد الرفاعى فى مواجهة جامع السلطان حسن. لم يكن فقط الباب المقلوب سببا فى ملاحظة فاروق حسنى وقراره بتطوير متحف الفن الإسلامى الواقع بميدان باب الخلق الذى استدعى له صديقه المصمم الهاوى أدريان الفرنسى الذى لم يعمل قط قبلا فى التصاميم المعمارية للمتاحف وكانت سابقة خبرته تتصل بالمطاعم والمحال التجارية!. فكانت من عبقرية هذا المصمم أن قام بإعادة تصميم المتحف معماريا تطلب الأمر معه اختزال سمك الحوائط الحاملة الانشائية لتوسعة فراغات العرض الداخلية، صمم العديد من الأسقف الحديدية المعلقة لاختزال ارتفاعات الحوائط وتوفير ما يسمى بالأدوار المسروقة. عرض الشبابيك الجصية المعشقة بالزجاج الملون فى أوضاع خطرة تجعلها عرضه للكسر من الزائرين بدون قصد، إضاءة باهتة غير مناسبة فى الجزء المخصص للسجاجيد الأثرية المصنوعة من الصوف والحرير والتى ترجع إلى الدولة السلجوقية والمغولية والصفوية والهندية المغولية. لا توجد خصوصية للتحف الأثرية الإسلامية الفريدة فى فاترينات خاصة دون حشرها مع القطع الأثرية الأخرى ومنها إبريق مروان بن محمد آخر الخلفاء الأمويين وكذلك مفتاح الكعبة المشرفة المصنوع من النحاس المطلى بالذهب والفضة باسم السلطان الأشرف شعبان. العديد من المقتنيات كان معروضا بطريقة ومعلومات خاطئة ولاسيما فيما يتعلق بإبريق مروان وعقد زواج وصفه المصمم الفرنسى بأنه تذكرة طبية إضافة إلى قمصان عليها سحر وشعوذة وهو ما يصور الطب الإسلامى باعتباره قائما على السحر والشعوذة خصوصا أن المصمم وضع بجوار هذه القمصان مخطوطات طبية للحافظى وابن سينا، طريقة العرض الغريبة والمريبة أيضا للمشكاوات على هيئة راقصة دون النظر إلى موقع هذه التحف الزجاجية والبلور من الأسقف المعلقة. اذا كان هذا هو الحال بالنسبة لمن استعان بهم فاروق حسنى فى تطوير متحف الفن الإسلامى، فلن ننسى دور الأمين العام السابق زاهى حواس كأثرى يجب أن يستقل بشخصيته وعلمه فى فن المتاحف وطرق العرض الحديثة، إلى جانب مجلس إدارة متخصص يضم العديد من الأسماء المفترض أنها لامعة فى تخصصاتها الدقيقة من أكاديميين على صلة وثيقة بالنشر العلمى والاطلاع على أحدث الدوريات العلمية، خيم على معظمهم الصمت الرهيب تقربا للسُلطة. اليوم بعد ضياع الملايين التى انقضت فى تطوير متحف الفن الإسلامى وفقدان اكثر من 55 تحفة أثرية لا تقدر بمال لايزال المتحف يحتفط بعدد من الشخصيات التى ساهمت فيما سبق عرضه ولا تريد إلا أن تحقق مصالحها الشخصية وخلط الأمور ببعضها ليظلوا دائما فى دائرة الضوء بعيدا عن المصلحة العامة مثل «إيمان عبدالفتاح، وهى من أب مصرى وأم أمريكية وحاصلة على الماجستير فى الآثار الإسلامية وكانت تعمل بمكتب الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار» التى تصر على إقحام نفسها فى كل صغيرة وكبيرة بل ويصل بها الأمر إلى الادعاء بأنها مديرة المتحف. أخيرا اذا كان الانفجار لم يمس فاترينة عرض دينار 77 الأموى بسوء، فلماذا اختفى هذا الدينار لمدة 23 يوما قبل ظهوره وسط نخالة الأتربة؟ من أخفاه؟ وأين أخفاه؟ ولماذا أخفاه؟ أسئلة مشروعة وواجبة لتصحيح المسار.. يا سادة إن الوطن ينادى والأمة تستنفر أبناءها أن يهبوا وأن يصحوا وأن يفوقوا وأن ينقذوا ذاكرتها وماضيها وأن يسموا ليواجهوا التحدى وعواقب التردى وأن يصونوا تراثها من أى تعد! فهل من منقذ وهل من مجيب؟!