فى مشهد لا يتكرر فى التاريخ الإنسانى كثيرا، ولا يحدث إلا فى عصور أظلمت تماما حتى حطم السائرون مصابيح النور، منيت مصر بخسارة ثقافية كبيرة لا تعوض، ودمر التفجير الإرهابى، أمام مديرية أمن القاهرة، متحف الفن الإسلامى، الذى تعتبر محتوياته كنزاً ثقافياً يوثق تاريخ مصر الحديث. نحو 100 ألف قطعة أثرية متنوعة من الفنون الإسلامية من الهند والصين وإيران، مرورًا بفنون الجزيرة العربية والشام ومصر وشمال إفريقيا والأندلس، كانت تستقر فى سلام، داخل المتحف، الذى تغطى مقتنياته ما يقرب من 12 قرنًا هجريًا، و13 ألف كتاب ومخطوطات نادرة باللغات الشرقية القديمة مثل الفارسية والتركية، ومجموعة أخرى باللغات الأوروبية الحديثة كالإنجليزية والفرنسية والألمانية والإيطالية، إضافة لمجموعة كتب فى الآثار الإسلامية والتاريخية. عرف متحف الفن الإسلامى باسم «دار الآثار العربية»، حتى منتصف القرن الماضى وظل مقسما إلى قسمين، الأول هو المتحف الإسلامى والثانى «دار الكتب العامة»، التى كانت تعرف باسم دار الكتب الخديوية ثم «السلطانية»، وترجع بداية إنشاء المتحف إلى عهد الخديو إسماعيل، باقتراح من المهندس «سالزمان»، بجمع الآثار الإسلامية. وكلف الخديو، مدير القسم الفنى بإدارة الأوقاف وقتئذ ويدعى «يوليوس فرانتز باشا»، بأن يخصص بناء حكوميا يضم التحف التى يستطيع جمعها من الجوامع والدور القديمة، ولم تنفذ الفكرة إلا عام 1881 عندما رأى الخديو توفيق فكرة أبيه لم تنفذ والتحف الأثرية تتعرض للتلف والضياع، طلب مرة أخرى من «فرانتز باشا»، أن يضعها فى الإيوان الشرقى من جامع الحاكم بأمر الله. وفى نفس العام 1881 أنشئت أيضا لجنة لحفظ الآثار العربية للعناية بمخلفات العصر الإسلامى وتبعتها مجموعة التحف ومن ثم زاد عددها وضاق بها الإيوان فاضطرت إدارة الأوقاف أن تشيد لها مكاناً فى صحن الجامع الحاكم بأمر الله، الموجود حاليا فى بداية شارع المعز لدين الله وهو ملاصق لسور القاهرة الشمالى. وعندما غادر «فرانتز باشا»، العمل بالحكومة، جاء «ماكس هرتس بك»، سنة 1892 وأنشأ دليلا لمحتويات الدار باللغة الفرنسية، ذكر فيه أن مكان الدار فى الجامع غير صالح، فتقرر تشييد دار الآثار الإسلامية بباب الخلق الحالى، ووضح حجر الأساس سنة 1899، وانتهى العمل ونقل التحف سنة 1902 وافتتح فى 28 ديسمبر 1903 بأسم «دار الآثار العربية». وبلغ عدد التحف المسجلة به وقتئذ 7028 تحفة، وظل يستقبل التحف من الاكتشافات المستمرة بمصر ومنها حفائر التنقب بأسيوط وحفائر الفسطاط والتى زودت المتحف بقطع من الخزف والفخار والمنسوجات والزجاج والقطع الخشبية. ويعد متحف الفن الإسلامى، ثانى متحف يشيد بالخرسانة المسلحة بعد المتحف المصرى، وترجع أهمية الفن إلى كونه أكبر معهد تعليمى فى العالم معنى بمجال الآثار الإسلامية وما يعرف بالفن الإسلامى ككل فهو يتميز بتنوع مقتنياته من حيث أنواع الفنون المختلفة كالمعادن والأخشاب والنسيج وغيرها، وبلد المنشأ كإيران وتركيا والأندلس وغيرها. ويختلف تاريخ صنع معظم التحف الموجودة بالمتحف بين بداية العصر الإسلامى ونهايته حيث زود المتحف بعد ذلك بعدد كبير من محتوياته عن طريق الهبات التى تبرع بها أبناء الأسرة العلوية مثل الملك فؤاد الذى قدم مجموعة ثمينة من المنسوجات والأختام، والأمراء محمد على ويوسف كمال وكمال الدين حسين ويعقوب آرتين باشا، وعلى إبراهيم باشا الذين زودوا المتحف بمجموعات كاملة من السجاد الإيرانى والتركى والخزف والزجاج العثمانى. وأصبح متحف الفن الإسلامى يضم أنفس وأكبر مجموعات التحف الإسلامية فى العالم ومن بينها تحف لا نظير لها فى أى متحف آخر، وكان للمتحف دور فى كشف حقائق ودلائل حول مصر القديمة، فقد كشفت الحفائر عن جزء من مدينة الفسطاط ظهر فيه تخطيط بعض طرقاته وبيوته، كما كشفت عن بيت من العصر الطولونى على جدرانه زخارف جميلة وبالقرب من هذا البيت عثر على حمام من العصر الفاطمى جدرانه مزينة بصور بديعة مرسومة بالألوان المائية ولاتزال الوحيدة من نوعها فى الآثار الإسلامية. ومثلت هذه الحفائر عدداً وفيراً جدا من التحف المختلفة العصور من أنواع الصناعات الفنية «خزف وزجاج وأخشاب ومنسوجات وأحجار وغيرها»، إلى جانب ما اقتنى من تحف عن طريق الشراء والإهداء. ونمت مجموعات متحف الفن الإسلامى نمواً هائلاً وسريعاً حتى أصبح الأول وسط متاحف العالم وليس له نظير لأن بعض مجموعات المتحف صارت من أغنى المجموعات فى العالم مثل مجموعات الخزف الإيرانى والتركى والتحف المعدنية، بعد أن اشترى المتحف فى عام 1945 المجموعة النفيسة التى كان يملكها مستر «رالف هرارى»، ومجموعة السجاجيد التى تضاعفت بعد ذلك. ويضم المتحف، نحو 70 نوعاً ما بين مخطوطات لياقوت المستعصمى، أشهر الخطاطين، والشيخ عبدالعزيز الرفاعى، إضافة إلى برديات ترجع إلى العصور الإسلامية الأولى، بالإضافة مقتنيات أخرى فى مجالات عدة يثبت تفوق المسلمين فى مختلف فروع المعرفة والعلم. وفى عام 1952 تغير اسم المتحف من «دار الآثار العربية»، إلى «متحف الفن الإسلامى»، بعد أن رأى الدكتور زكى محمد حسن، مدير الدار، وقتئذ ضرورة تغيير الاسم، باعتبار أن الاسم الجديد يعطيه عمومية أكثر نظرا لوجود إبداعات إسلامية أخرى من دول غير عربية مثل الأندلس وإيران وأفغانستان وتركيا لذلك كان الاسم الجديد للمتحف أكثر قبولا فى مختلف الأوساط آنذاك، ووصل عدد التحف المعروضة فى ذلك الوقت إلى 16524 قطعة. وبلغت التحف المقيدة فى سجلات المتحف فى أكتوبر 1978 حوالى 78000 تحفة، وتطور المتحف مرة أخرى خلال عام 1984 بتزويد قاعات جديدة للعملة والنسيج والسجاد وغيرها. وأندر ما يضمه المتحف من التحف المعدنية ما يعرف بإبريق مروان بن محمد، آخر الخلفاء الأمويين، ويمثل هذا الإبريق آخر ما وصل إليه فن صناعة الزخارف المعدنية فى بداية العصر الإسلامى وهو مصنوع من البرونز ويبلغ ارتفاعه 41 سم وقطره 28سم. ويضم المتحف أيضاً أقدم شاهد قبر مؤرخ بعام 31ه من المخطوطات النادرة التى يضمها المتحف كتاب «فوائد الأعشاب»، ل«الغافقى»، ومصحف نادر من العصر المملوكى، وآخر من العصر الأموى مكتوب على «رق الغزال». وقد عرف المتحف فى العالم كله وكان يتوافد عليه جميع الأجناس من كل الدول وفى عام 2003 احتفل بمرور 100 عام على إنشائه، وتبعا لقانون الآثار 117 لسنة 83 اعتبر مبنى المتحف الإسلامى بالقاهرة من المبانى الأثرية وذات القيمة الفنية والتاريخية لأن القانون يقضى بتحويل المبانى التاريخية التى يمر على إنشائها 100 عام إلى مبانٍ أثرية وتسجل كأثر، وأغلق المتحف أبوابه بعد احتفال المئوية للترميم، بمساعدة خبراء من فرنسا متخصصين فى ترميم قطع الفسيفساء والنافورات الرخامية، وهى أكبر عملية تطوير شهدها المتحف استمرت 7سنوات وافتتح الرئيس الأسبق، حسنى مبارك، المتحف مرة أخرى فى 14 أغسطس 2010، وبلغ عدد التحف المسجلة به 102 ألف تحفه وافتتح للزوار إلى أن تعرض لتدمير معظم مقتنياته فى 24 يناير 2014 وأغلق أبوابه مرة أخرى لكى يخضع للترميم من جديد.