قالت مصادر سياسية ودبلوماسية إن الأزمة الاقتصادية التى تواجهها مصر حاليا واحتمالات تصاعدها خلال الشهور المقبلة من الأسباب التى تقف وراء ما يبديه المشير عبدالفتاح السيسى من تردد تجاه المضى قدما نحو خوض انتخابات الرئاسة التى يعلم الجميع أن فوزه بها محسوم. بحسب بعض المصادر التى تشاركه صياغة برنامج السيسى الرئاسى «الطموح»، فإن نقص التمويل اللازم لمشروعاته المستقبلية والقلق من تراجع الدعم الخليجى وبخاصة السعودى والإماراتى يمثل هاجسا قويا يدفعه للتريث بشدة قبل اتخاذ القرار الصعب بشأن خوض الانتخابات. ويقول مصدر تحدث للشروق بعد جلسة مطولة مع الرجل ان السيسى «فعلا قلق من مسألة التمويل وهو مدرك اكثر من غيره لضعف الوضع الاقتصادى وصعوبة التحدى وأنه سيكون عليه التحرك نحو اجراءات غير مرحب بها فى مجال الاصلاح الاقتصادى ولكنه لا يستطيع ان يفعل ذلك رغم شعبيته التى يدرك ايضا انها لم تعد بالقوة التى كانت عليها الصيف الماضى مع إزاحة محمد مرسى دون ان يكون فى الوقت نفسه قادرا على توفير الخدمات الرئيسية بصورة معقولة وعلى رأسها بالطبع الكهرباء التى تتأثر بشدة بنقص الامدادات الخليجية بالمحروقات للأسف». وبحسب تصريحات عمرو موسى الذى يتشاور معه السيسى بصورة مكثفة فإن الرجل الاول فى القوات المسلحة يستعد لإعلان ترشحه فى غضون اسبوع ولكن بعض المصادر تقدر ان الامر ربما يستغرق وقتا اطول لإنهاء مشاورات حول التمويل مع عدد من العواصم الخليجية قد تشمل تحركا لزيارة إحدى هذه العواصم لتهدئة الخواطر من اسباب القلق المتزامن مع اعتزام السيسى ترك الجيش للتوجه إلى قصر الرئاسة. وبحسب مصدر مقرب من المؤسسة العسكرية فإنه رغم وجود أصوات داخل المجلس الاعلى للقوات المسلحة تقول انه لا ينبغى الضغط على الرجل لو قرر فى اللحظة الاخيرة العدول عن مسألة الترشح، فإن غالبية الأصوات حتى تلك التى كان لها موقف مغاير اصبحت ترى انه من «المستحيل» التراجع عن هذا الطريق بعد البيان الذى أصدره المجلس الاعلى للقوات المسلحة ومنح السيسى رخصة «الاستماع لضميره الوطنى» فيما مثل تصريحا بالترشح. «سمعة المؤسسة العسكرية كونها المؤسسة الوحيدة تقريبا التى تبقى قوية ومتماسكة لا تتحمل ان يعلن المجلس انه لا مانع لديه من الترشح ثم يخرج رجل مثل عمرو موسى لينقل عن السيسى نيته الترشح ثم يأتى السيسى ليقول: «والله انا اسف،» بحسب الرجل، الذى يضيف انه لا ينفى ان القلق لا يبارح السيسى ولكنه يؤكد انه لا يمكن ان يغامر بسمعة المؤسسة العسكرية ولا يمكن ان يحدث ارتباكات فى المشهد السياسى «رغم اننى اظن انه ورغم تطلعه للمهمة فهناك فى قلبه جزء فعلا لا يرغب فى الترشح». ويقر الرجل ان سلوك السيسى منذ ان «بدأت قصة الترشح» هو التحرك على مسارين متوازيين، تأمين القوات المسلحة كون القادم للمؤسسة الرئاسية ليس من ابنائها «بحيث لا تتكرر اخطاء كتلك التى ترى أن مرسى ارتكبها فيما يتعلق بادارة الوضع فى سيناء أو حتى فيما يتعلق بقرارات سياسية هددت امدادات مصر من قطع غيار السلاح بالفعل» وأن يتحرك فى الوقت نفسه كأنه الرئيس القادم. ورغم اليقين الذى يتحدث به كثيرون من المقربين من المشير بشأن خوضه انتخابات الرئاسة لا يخفى البعض منهم حقيقة أن هناك أسبابا قوية مازالت تدعو الرجل إلى التردد ومنها مخاوف أمنية عندما يجد نفسه مضطرا إلى التخلى عن الزى العسكرى ومنصب وزير الدفاع ليخوض معركة انتخابية تفرض عليه الظهور كثيرا أمام تجمعات شعبية قد يكون من الصعب تأمينها فى ظل حالة التردى الأمنى الذى تعيشه البلاد. وهناك حديث أيضا عن طبيعة العلاقة التى ستربط الوزير القادم بالقوات المسلحة خاصة مع صدور القانون الجديد الذى أعطى رئاسة المجلس الأعلى للقوات المسلحة لوزير الدفاع وليس لرئيس الجمهورية. ويرى البعض أن الجيش يبدى حرصا قويا على الابتعاد عن الملف السياسى بمجرد انتخاب رئيس جديد سواء كان السيسى أو غيره وهو ما يدفع البعض إلى تشجيع المشير على ترك وزارة الدفاع وخوض الانتخابات على أساس أن بقاءه وزيرا للدفاع فى ظل وجود أى رئيس لن يوقف الكلام عن سيطرة الجيش على العملية السياسية.على مدد الشوفحكومة المياه «المعدنية» أدهشتنى التصريحات المنسوبة للمهندس إبراهيم محلب رئيس الحكومة الجديدة عن سياسات تقشف فى مبنى المجلس تقضى بحرمان الموظفين من استخدام المياه المعدنية وأغلب الظن أن محلب المولع بالإعلام يعتقد اعتقادا راسخا أن المواطنين سيتخذون تصريحاته على محمل الجد، فكل الحكومات التى شهدها مصر فى الخمسين عاما الأخيرة تبدأ بهذا النوع من التصريحات التى سرعان ما يتلفها الهواء ونتمنى ألا تتلفها المياه هذه المرة، وأدهشنى أكثر أن السيد رئيس الوزراء أصدر تعليماته بمنع المياه المعدنية، (بالمناسبة المصطلح خاطئ لأن هذه المياه طبيعية وليست معدنية وإنما جرى العرف على تسميتها بذلك) عبر بيان رسمى من مجلس الوزراء يؤكد ذلك، والبيان صدر قبل أن يذهب محلب لأداء اليمين الدستورية، كما تضمنت تعليماته التقشفية أيضا، تقليص ركبه المرورى لسيارة واحدة فقط، وصدر لهذا القرار أيضا بيان صحفى من مجلس الوزراء، وكأن الرجل يريد أن يبلغنا بأن حكومته ستتقشف وتبدأ من نفسها، وبمعالى رئيس الوزراء شخصيا، الذى سيضحى ويشرب من مياه «حنفيات» مقر مجلسه الموقر، وسيتحرك عبر موكب يتيم بسيارة واحدة. ما فعله السيد رئيس الوزراء كان من الواضح أنه يستهدف الإعلام مبكرا ليعكس واحدة من أهم توجهات حكومته، وهذه هى المشكلة، فبصراحة لا أحد منشغل بنوعية المياه التى يشربها السيد رئيس الوزراء ولا بتكلفتها على ميزانية الدولة، وهى بالتأكيد أرقام لا تذكر، لكن الرأى العام سينشغل حقا، بسياسات هذه الحكومة وممارساتها التقشفية الحقيقية التى تساعد فى ضبط الموازنة العامة للدولة، الرأى العام لن ينشغل بعدد سيارات موكب السيد رئيس الوزراء، بقدر ما سينشغل، بقدرة حكومته على العمل على توفير وسائل مواصلات عامة للكافة، فى القاهرة وخارجها، فى المدن والقرى أيضا، بدلا من العذاب اليومى الذى يواجهه جميع المواطنين، من يملك سيارة ومن لا يملك، من يقطن العاصمة ومن يقطن أصغر نجع فى ربوع مصر. إذا كان المهندس إبراهيم محلب يرغب فى جعل حكومته استثنائية، كما يصفها، وأنها ستكون حكومة الإنجازات، كما يؤكد فى حواراته الجانبية وأحاديثه الخافتة، فعليه أن يعلم جيدا أن بعض المشكلات تفاقمت بدرجة لا يمكن الانتظار عليها أكثر من ذلك، وأن هناك قطاعات من المواطنين سئموا لعبة الحكومات الانتقالية، وشبعوا من الوعود، وباتوا على محطة انتظار تنفيذ الوعود، هذه المرة، لا يرغب المواطنين فى سماع التبريرات والأعذار، فالحكومة التى تأتى، تأتى وهى تعرف جيدا حجم المشكلات ولا توجد مفاجآت لأى وزير، خصوصا أن ثلثى الحكومة ليس بجديد وسبق أن تقدم لنا بالوعود والعهود التى لم يتحقق منها شىء فى شهور حكومة الببلاوى. أنا أدعو المهندس إبراهيم محلب أن يشرب المياه «المعدنية»، بل أفخر أصناف المياه المعدنية، وأن يضم موكبه عشرات السيارات، أفخم أنواع السيارات، لكن ما نطلبه حقا، أن تكون أعمال الحكومة هى الفاخرة والفخمة، وأن يشعر المواطن أن هناك شيئا ما يتحقق، وأن مطالبه عرفت طريق الحكومة، وان الحكومة تحاول على الأقل أن تبدأ فى مواجهة المشكلات على أرض الواقع، لا فى وسائل الإعلام بالتصريحات والحوارات، ولا حتى بالتقشف، ولا بالإعلان عنه.. فهناك من المواطنين ينتظرون المياه أى مياه، وآخرون ينتظرون أى شىء يساعدهم فى الانتقال، ولا يعرفون أصلا المياه المعدنية ولا مواكب السيارات.