لم تعرف القاهرة قبل مسرح الأوبرا مسرحا نستطيع أن نقول عليه إنه مسرح يجمع من أسباب المسرح الحديث شيئا. فقبل هذا المسرح الضخم الذى شاده إسماعيل فى أشهر قليلة للاحتفاء بزواره من ملكات وملوك وأمراء. الوافدين على مصر لمشاهدة الحفل العظيم حفل افتتاح قناة السويس وقد شيده على عجل حتى قيل إن العمال كانوا يحرقون الآجر المطلية به الحيطان بالنار لسرعة الإنجاز. فقبل هذا المسرح كانت توجد بعض المسارح التى ينقصها كل شىء يلزم المسرح الحديث تقام بالخشب وبالخيش أحيانا لتشهد مضحكات من التمثيل الساذج. فلما أنشئت دار الأوبرا أقبلت على القاهرة الفرق الأجنبية فأشاعت نوعا من التمثيل الراقى بين فريق من السادة الأغنياء الذين عرفوا الثقافة الغربية وبين فريق من الأجانب المحظوظين لدى أصحاب السمو الخديويين المسيطرين على القضاء المصرى والاقتصاد الوطنى. ولم يكتف الخديو بإقامة دار واحدة للتمثيل للأجانب وأشباه الأجانب من المصريين. بل قد أمر بأن تقام دار أخرى أطلق عليها اسم «المسرح الكوميدى» تشبيها باسم المسرح الفرنسى الشهير وتقع مكانها الآن دار البريد فى شارع طاهر. وأول رواية شهدتها الأوبرا هى رواية مضحك الملك «رجاليتو» وقد لحن أغانيها فيردى الذى لحن بأمر إسماعيل أوبرا عايدة الشهيرة أيضا وقد شهدت الأوبرا عظمة الممثلين الأجانب أمثال سارة برنار، موتسيللو سوليفان، وكان ىعرض فيها أشهر الأوبرات العالمية. وقد تقدم جماعة من إخواننا السوريين للنهوض بالمسرح العربى فى القاهرة فقد كان المصريون يجهلون هذا الفن ولا يلتفتون إليه. فقد أنشأ سليمان القرداحى مسرحا خشبيا متنقلا. ولكنه كان على شىء غير يسير من الاستعداد الفنى. فكان يلعب فيه بعض روايات شكسبير مثل عطيل وهاملت، وغير ذلك من روايات المسرح الفرنسى كما أنشأ سليم نقاش ويوسف خياط مسرحين. وكانا يقدمات روايات أبوحسن المغفل وهارون الرشيد، وأنيس الجليس، والشيخ متلوف، وكانت أدوار النساء يقوم بها الرجال فى ذلك العصر وكان الذين يقومون بتعريب هذه الروايات للمسرح العربى جماعة من إخواننا اللبنانيين. وكان إسكندر فرح اللبنانى قد أنشأ له مسرحا فى أول شارع عبدالعزيز ولما كان شعب القاهرة يميل إلى الغناء ويتذوقه رأى إسكندر فرح أن يضم إلى جوقته مغنيا حسن الصوت يلقى بعض الأغانى بين الفصول فى فترة الاستراحة. وكان فى الإسكندرية رجل معمم يحترف غناء الأناشيد فى الأذكار الدينية فاستقدمه إسكندر فرح وعرض عليه العمل فى فرقته. فقبل الشيخ سلامة حجازى فأقبل على صوته الحلو النظارة، وأصبح المسرح الذى كان فارغا فى أغلب لياليه مملوءا بالمشاهدين من محبى الطرب والسماع. ولم يلبث الشيخ سلامة أن استقل، وأنشأ له مسرحا خاصا يحمل اسمه، فكان أول نواة للمسرح المصرى الصميم، وكان يقدم روايات الغرام، مثل روميو وجولييت وتسبا، وكان يفتعل فيها أغانى ينظمها له شعراء من السوريين. حتى قصص الدراما العنيفة مثل هاملت وعطيل كان يدس فيها أغانى منظومة ملحنة لإرضاء ذوق الجماهير. وقد مصر الأدباء السوريون والمصريون بعض الروايات الغربية وحشروا بين تضاعيفها أغانى فكان الجمهور يعجب بهذا الفن المشوه ويطرب له. وكان العنصر النسائى فى ذلك الوقت فى تلك المسرحيات كله من السوريات أمثال إستر شطاح، إميليا ديانا وغيرهما. وكان لابد من فصل مضحك فى ختام كل مسرحية للترويح عن الجمهور. وكان لابد أيضا من إلقاء مونولوجات تهدف إلى الوعظ الرخيص مثل مونولوج فتى العصر ومونولوج فتاة العصر. ومن الخير التنويه برجال أسهموا فى النهوض بالمسرح العربى فى مصر. أمثال عبدالله النديم الثائر المعروف، ويعقوب صنوع أبونضارة، وزرقا اليهودى الصحفى. وإسماعيل عاصم بك. وقد فشى هذا الضرب من التمثيل الغنائى الذى ابتدعه الشيخ سلامة حجازى فسار على غراره أحمد الشامى الذى ألف جوقة وجاس بها الأقاليم ومحمود صبرى.. والغندور وغيرهم.