كتب فرانك ويزنر نائب وزيرى الخارجية والدفاع السابق وليزلى جيلب الكاتبة الصحفية السابقة فى النيويورك تايمز مقالا بجريدة ذا ديلى بيست، عن فشل مؤتمر سوريا فى جنيف. فقد صعدت الحكومة السورية والائتلاف المعارض موقفهما خلال اجتماعات جنيف2، ولم يحقق الجانبان أى تقدم يذكر حتى الآن. ليس هناك حافز فى معسكرى الأسد أو المتمردين من أجل حل وسط دبلوماسى، وليس هناك ما تفعله الولاياتالمتحدة وحلفاؤها على الجبهة العسكرية مما قد يجبر الرئيس الأسد على التخلى عن منصبه، والبيت الأبيض يفهم ذلك تماما. فالواقع على الأرض الآن هو أن المتمردين المعتدلين الذين تساعدهم الولاياتالمتحدة ما زالوا يتخبطون، بينما قوات الأسد وقوات المتطرفين الجهاديين تحقق تقدما. وأثار الكاتبان سؤالا مهما وهو إذا كان الرئيس أوباما يفهم أن ما يفعله سوف يفشل، فلماذا يفعله؟ علل الكاتبان ذلك بأن إدارة أوباما لا ترى بديلا قابلا للبقاء. فمسئولو أوباما لا يمكنهم ببساطة تحمل فكرة وضع أيديهم فى يد الأسد، حتى وإن كان ذلك بشكل مؤقت لمكافحة الجهاديين. فهم لا يرون ببساطة أية طريقة لدفع المتمردين المعتدلين إلى العمل مع الأسد. والبديل القابل للبقاء لا يبدأ فقط بفهم أن المسار الحالى فى سبيله إلى الفشل، بل بأن ثمن الفشل الذى ستدفعه القوة الأمريكية فى منطقة من العالم لا تزال مهمة صعبة تبدأ بإدراك أنه يتعين على واشنطن الضغط على المتمردين المعتدلين والأسد (بمساعدة الروس) لنبذ الكراهية المتبادلة والتركيز على ما يريانه خطرا طويل المدى أكبر بكثير على كليهما، وهو الجهاديون. ويرى كل من فرانك ويزنر وليزلى جيلب أن الخطوة الأولى بالنسبة لفريق أوباما هى إعادة تحديد الأهداف الأمريكية بشكل حاد وعلنى. ولابد أن يكون الهدف الأول هو تخطيط ودعم التعاون بين نظام الأسد والمتمردين المعتدلين ضد التطرف الجهادى، ذلك التهديد الأهم بالنسبة للسوريين وجيرانهم تقريبا. ولابد أن يكون هناك تنظيم للعمل بين معتدلى سوريا وحكومة الأسد، حتى وإن كانت تضم الأسد، على الأقل فى الوقت الراهن، مما قد يخدم الأولوية الأمريكية الثانية الناشئة الخاصة بإنشاء مناطق إنسانية فى سوريا لتخفيف معاناة الشعب السورى. ولابد من التأكيد على أن أيا من الهدفين يقتضى أو يتطلب تسويات سياسية قبل أوانها فى جنيف بشأن حكومة مؤقتة أو مستقبلية. كما ذكرت المقالة أنه لا الأسد ولا المتمردون المعتدلون قريبان من الدخول فى هذه المغامرة السياسية غير المألوفة. لكن واشنطن يمكن أن تساعدهم كى يروا أنه يتعين عليهم الاستعداد من أجل بقائهم، وضم قواتهم ضد الجهاديين. تتساوق هذه الأهداف مع الواقع فى سوريا والمنطقة، على عكس مسار أوباما الحالى. فهى تتفق مع أسوأ المخاوف لدى كل من العلويين والمتمردين السُّنة المعتدلين داخل سوريا ومعظم الدول فى المنطقة وخارجها. وتؤجل هذه الأهداف مصير الأسد وتجعل من الأرجح ترتيب نوع ما من الانتقال السلمى إلى حكومة جديدة فى المستقبل. وما تفعله الولاياتالمتحدة الآن يمكن أن يطيل أمد الآلام السورية والإقليمية. وتركيز الاهتمام على الجهاديين، مع تخفيف معاناة ملايين السوريين، لديه فرصة للنجاح. يعتبر هذا الخيار قبيحا وغير مقبول فى ظل خطايا الأسد. إلا أنه يقوم على حقائق على الأرض فى سوريا وجاراتها التى يهددها الجهاديون. وربما يكون المسئولون فى الإدارة الأمريكية الآن مستعدين لرعاية ترتيب عمل انتقالى مع الأسد. كما اكد الكاتبان أن الأطراف جميعها فى سوريا تكره بعضها البعض. لكن الأسد والمعتدلين يخشون الجهاديين أكثر من كراهيتهم لبعضهم. فالعلويون والمسيحيون السوريون وغيرهم من الأقليات العرقية يعلمون أن المتشددين الإسلاميين سوف يستهدفونهم على نحو أكثر وحشية وينهون أى أمل فى المجتمع العلمانى المتسامح. ويدرك السنيون المعتدلون، وهم أغلبية السوريين، أنهم لن يمضوا بشكل أفضل بكثير. إذ سيؤسلم المتطرفون بلدهم المعتدل والعلمانى فى أغلبه ويطغون عليه وستكون الحياة فى ظل القيادة المتطرفة أشد سوءا منها فى ظل الأسد. وعلى أوباما ومسئوليه التصرف بشكل أفضل بكثير لمساعدة السوريين كى يروا أن هذا المستقبل المرعب يمكن أن يتجاوز ماضى الأسد. ولذلك لابد لإدارة أوباما من دفع العلويين والسُّنة المعتدلين نحو مناطق وقف إطلاق النار الإنسانية الفعالة لتوفير الطعام والإغاثة الطبية. كما أن الولاياتالمتحدة لا تتوقع المساعدة فى هذا المسار الجديد من السعودية وغيرها من دول الخليج كقطر. فهذه الدول ترى فى بقاء الأسد انتصارا لإيران الشيعية. ترغب الأردن وتركيا ولبنان فى إنهاء سيل اللاجئين الذى يصب فى بلدانها، والاضطرابات الإسلامية المحتملة. وقد بدأت الدول الأوروبية الرئيسية العمل مع الأسد، خاصة فى العمليات الاستخباراتية المشتركة ضد المقاتلين الإسلاميين الذين يتمركزون فى أوروبا. وقد تكون إيران على استعداد للتعاون مع أية خطة يحميها العلويون فى المستقبل. والأمر الأهم هو أن أى ترتيب بين الأسد والسُّنة المعتدلين ينبغى أن يكون مبادرة مشتركة روسية أمريكية. اختتم الكاتبان المقال بأنه من الممكن أن يكون لدى الولايات وحلفائها استعداد أكبر لتقديم أسلحة أكثر وأفضل للمعتدلين لبعث رسالة إلى معسكر الأسد. كما أن علاقات العمل يمكن أن توفر أساسا لترتيب مستقبلى لتقاسم السلطة بين العلويين والسُّنة. وقد يقول الروس والإيرانيون والعلويون إنه ليس هناك ترتيب للإطاحة بالدكتاتور. ويمكن للمعتدلين اعتبار أن الترتيب سبيل إلى رحيله. والواقع أن خروجه سيكون أسهل إذا شعر العلويون بقدر أكبر من التأكيد على أن حمام الدم لا ينتظرهم. الشرط المسبق لذلك هو أن تؤجل الولاياتالمتحدة الجهود الحالية من أجل نوع من الانتقال السياسى بين السوريين، مما يقضى أن تصوغ واشنطن علاقة عمل بين المعتدلين وحكومة الأسد لمحاربة الخطر الجهادى الأكبر. كما أنه يتطلب من الأطراف فى سوريا أن تبدى قدرا أساسيا من الكياسة وتنقذ المواطنين.