\r\n \r\n اول ما يستهدفه جيلب في كتابه هو الدوغما الايديولوجية والخطاب الامبريالي, فأمريكا يجب ان لا تخشى ممارسة القوة, لكنها يجب ان تكون منتبهة الى ان حدود القوة غالبا ما تتجاوز قبضتها. ويرى جيلب ان على الديمقراطيين الليبراليين ان يكفوا عن السياسة الاعتذارية عندما يستخدمون قوة امريكا, كما ان على الجمهوريين المحافظين ان يكفوا عن الاعتقاد بأن ما من مشكلة يمكن ان تستعصي على استخدام القوة من قبل الامريكيين, اذ ان على الاثنين ان يؤمنا بأن القوة يمكن ان تهدر عندما لا تستخدم بحكمة. ويرى جيلب, ان المحتوى الرئيسي المفقود في السياسة الخارجية الامريكية هو الحس السليم. \r\n \r\n الحس السليم يعني بالنسبة لجيلب الابتعاد عن »الطوباوية«, والبراغماتية القائمة على الدليل, والسياسة الخارجية المعتدلة التي تركز على اهداف قابلة للتحقيق بدلا من السعي وراء استراتيجيات استكبارية غير قابلة للتحقيق مثل محاولة فرض الديمقراطية في بلاد لا تستطيع ان تشرب من مائها. \r\n \r\n اننا لا نستطيع شرب الماء في افغانستان, وجيلب ينصح امريكا بالتخلي عن طموحات بناء الدولة هناك والتركيز, بدلا عنها, على تصفية »القاعدة«. لا تستطيع القوة العسكرية ان تنجز سوى القليل. ومن اجل تهميش القاعدة وحرمانها من الملاذ الآمن, ينبغي لامريكا ان تجد شخصا ما, قد يكون الرئيس حامد كرزاي او خليفته المنتخب, يستطيع ان يبرم اتفاقات مع زعماء قبائل الباشتون في الجنوب تعمل على ابعادهم عن طالبان والقاعدة. وعن طريق اشراك الهند وايران وباكستان وروسيا يمكن توفير الحد الادنى من الضمانات الخارجية التي تحتاجها افغانستان من اجل ان تصبح قادرة على البقاء كدولة, في حين ان البناء الذكي للتحالفات من قبل الحكومة الافغانية مع زعماء القبائل المحليين في الجنوب يمكن ان يساعد في عزل المتمردين ويستنزف التأييد الشعبي الذي يحصلون عليه. \r\n \r\n الفائدة الرئيسية من زيادة عدد قوات الولاياتالمتحدة في جنوبافغانستان هي المساعدة في توكيد الالتزام السياسي, فهي تُظهر للمتمردين ان الغرب موجود ليبقى, على الاقل لحين رسوخ الاستقرار السياسي. \r\n \r\n لكن جيلب يعترف بامكانية استحالة تحقيق مثل هذه الاهداف رغم تواضعها وبراغماتيتها, ذلك لانه يخشى من ان تكون امريكا »قد وصلت مرحلة التدهور كدولة وكقوة عالمية«. صحيح انها لا تملك, بعد, من ينافسها على قمة هرم النفوذ, لكن هيمنتها التي امتدت طويلا آخذة بالتآكل بفعل التحديات التي لم تعالج في حينها. \r\n \r\n ويشير جيلب الى ان ما من دولة تتحمل ديونا بحجم الديون الامريكية استطاعت المحافظة على تفوقها لمدة طويلة, وما من دولة تفتقد مدارسها الى الصراحة على النحو السائد في امريكا تمتلك الامل بالهيمنة على الاقتصاد العالمي طويلا. \r\n \r\n يجادل جيلب بأن الرئيس اوباما لن يستطيع تحقيق الكثير في الخارج ما لم يسع اولا الى الترميم في الداخل الذي يحتاج الى رعاية صحية افضل, وتعليم لائق, واعتماد اقل على النفط الاجنبي, وعلى تقليل الاعتماد على ما هو اخطر من ذلك الا وهو الدائنون الاجانب. \r\n \r\n ان تقدير حدود النفوذ الامريكي ليس بالتحدي الجديد, فقد استطاعت دولة صغيرة مثل كوبا ان تتحدى امريكا على مدى خمسين عاما, كما اعجزتها دولة ذات قناعة ايديولوجية مغايرة مثل ايران على مدى ثلاثين عاما, لكن الجديد حسب ما يقوله جيلب, هو الاكتشاف المؤلم بأن امريكا رغم قدرتها على كسب اية معركة مواجهة عسكرية تخوضها, غير قادرة على منع اي ارهابي ذكي من انزال افظع الخسائر بجنودها ومدنييها. \r\n \r\n هذا النوع من انعدام التساوق جديد, لكنه قابل للمعالجة عن طريق تكييف التدريب والمعدات والمذاهب العسكرية. ويظل التفوق العسكري مكونا اساسيا من مكونات النفوذ الامريكي. ويقف جيلب بشدة ضد خفض الانفاق العسكري, لكنه يرى في الوقت نفسه ان القوة يجب ان توضع في خدمة السياسة والدبلوماسية لا ان تكون سيدتها. وما لم يُدعم التهديد العسكري بما يسميه جيلب »رزمة النفوذ« من تهديدات دبلوماسية واستمالات سياسية, فإن القوة وحدها قلما تتمكن من تحقيق هدفها. \r\n \r\n يختار جيلب ليبيا بصفتها نموذج النجاح في استخدام »رزمة النفوذ«. لقد خبر الرئيس القذافي بأس طائرات ريغان وبهذا يكون استخدام القوة قد مثل امام عينيه. لكن رزمة الاستمالات السياسية التي قدمها جورج بوش هي التي اقنعت القذافي بالكف عن دعم الارهابيين والتخلي عن طموحاتها النووية. \r\n \r\n في الوقت نفسه, تحتاج امريكا الى حلفاء وشركاء من اجل انجاز اي عمل تريده. لقد كان لكل من بريطانيا والاممالمتحدة دور في المساعدة على جلب ليبيا الى بيت الطاعة. وعلى امريكا ان تدرك انها لا تستطيع تحقيق اهدافها من دون حلفاء, وان على حلفائها ان يقتنعوا بأن ليس بوسعهم حل المشاكل من دون قيادة امريكا. \r\n \r\n لن يحدث شيء في مجال تغير المناخ, مثلا, ما لم تسع الادارة الامريكية الى تشكيل تحالف اخضر من القوى الكبرى في العالم وهي الصين والهند وروسيا والاوروبيين اما بلدي كندا فلم يحظ ولو باشارة في كتاب جيلب »قواعد السلطة« رغم انه دولة عظمى في انتاج الطاقة وقوة رائدة في انتاج الطاقة الخضراء. ليس الغرض من هذا القول هو الشكوى, انما التذكير برسالة جيلب وهي ليس بمستطاع امريكا تجاهل الاصدقاء. \r\n \r\n يقول جيلب انه يؤمن بالتحالفات القائمة من اجل حل المشاكل لكنه لا يريد لجاليفر الامريكي ان يربط بحبال الاممالمتحدة او اية هيئة اخرى متعددة الدول. وهو, هنا, يبدو حساسا ازاء تأسيس مؤسسات جديدة متعددة الجنسية. \r\n \r\n من مزايا حل المشاكل كل واحدة على انفراد انه يخفض سقف التوقعات, والمخاوف, العالمية من النفوذ الامريكي, لكن جيلب ينسى لحظات العظمة الامريكية, فقد كانت ايام امريكا المجيدة, عن حق, هي تلك الايام التي قامت فيها ببناء المؤسسات عندما قام روزفلت ومن بعده ترومان بتأسيس هيأة الاممالمتحدة, وحلف الناتو, ونظام بريتون وودز المالي. \r\n