(1) نّجّينا م المحنة.. وم الهذيان.. وم النشيد العظيم ع المارش..بالتعظيم.. بتردده الجماهير بصريخ جماعي عنيف يكبت صريخ الخوف.. واللي بيرفض يهتف يبقى شق الصفّ.. خاين..ف صف الوحدة مش مصفوف.. من قصيدة صلاة خوف لمحمود عزت (2) صديقتي التي مرت بالصدفة بجوار المقهى الذي اعتدت التردد عليه مؤخراً بلغتني، غدا ستكون المسيرة لإحياء ذكرى الثورة، ملحوظة: لا يوجد إخوان بالمسيرات الثلاث المنطلقة من مصطفى محمود والمعادي وسلم النقابة. حسمت الأمر، الشارع لنا، من يمنعنا من استعادة الحنين. أخبرتني إيناس صديقتي أن لا جدوى من الأمر، كانت توقعاتها على أسوأ التقديرات أننا سنُترك والشارع والخواء معاً، كأننا واجهة محل في زمن الانفتاح، حسمت هي أيضاً قرارها، لو أننا واجهة فلنجعلها مبهرة. ملحوظة: مسيرات بلا إخوان. (3) طلقات الرصاص المنشور انطلقت في الأجواء، كنا في شارع طلعت حرب، الأمن يطلق الرصاص بجنون هيستيري، الهتاف لم يستطع أن يتغلب على ذلك الجنون. كان هذا قبل أن تنتقل الاشتباكات لشارع شريف، هناك صوت انفجار مروع يتكرر كل حين. تداخلت الجبهات واشتبكت معاً، الآن يواجهنا مدنيون يحملون السيوف، البعض منهم اعتلى ظهر مدرعات الأمن والبعض احتمى خلفها، يحملون علم مصر، تداخلت الجبهات مرة أخرى لا ندري من يقف بجانبنا، صرنا نميزهم بالنهاية لأنهم رفعوا علم مصر أثناء ذبحهم لمتظاهر تم الإمساك به. صرنا نجري ونختبىء من علم مصر، لأنه ولأول مرة حملته جبهة القتل. صديقي عمرو ينظر إلي ونحن نهرول من الخوف لأننا مطاردون من مجموعة من الموتى الأحياء، كنت أخاف أن تعيقنا بدانته، لم يكن هناك ملجأ من ذلك المطارد الجنوني خلفنا إلا بالاحتماء بدائرة جنونية أخرى امسكت بمتظاهر موشكة على قتله، يصيحون بنا لماذا لا نشاركهم حفلتهم، نكرر بهيستريا "خلينا نسلمه للأمن..خلينا نسلمه للأمن أحسن". (4) " اول ما المسيرة اتضربت كنت في قلب المسيرة وسارة محمد وكنا بنجري واتشنكلت مرتين ومرة واحدة حسيت بنفسي بتكهرب، ومش حاسة برجلي نهائي، ووقعت على الارض، ومبقاش حد جنبي غير سارة بتشدني وحد تاني. في اللحظة دي فكرت اننا هيتقبض علينا خلاص، مرة واحدة حليم جه شالني وفضل يجري وانا مش شايفة اي حاجة وسارة معانا. وجه محمود سيف وواحد صاحبه وركبونا على موتوسيكل لغايه عربية صاحب سيف، واتحطيت في العربيه وندور على دكتور لغايه ماروحنا لدكتور وفيه اتنين خرطوش في جنبي، واحده صغيره وواحده زي الرصاصه فضلت جوة في جنبي . وكل دا ماكنتش قادرة اتكلم خالص ... رجلي مش حاسه بيها خالص، بس الدكتور حكى ان دا من الصدمه ويمكن ابدأ احس بيها بكره وانا مش بتحرك بيها خالص" من شهادة إسراء الطويل. (5) العام 1977 هو عام النجومية بالنسبة للخميني، شرائط الكاسيت التي أرسلها من فرنسا أصبحت بداخل كل بيت، آلاف النسخ تم طبعا وتوزيعها، الإمام يبعث بالرسائل للثوار، يخبرهم ألا يقنتوا، ويشدد دائما على وجوب مواجهة الدبابة والمدفع الآلي بالصدر العاري. وصل الحال في العام 1979 وبعد سقوط قرابة الثلاثين ألف قتيل أن بدأ الجيش بتفكيك نفسه بنفسه. أصبح يحارب المدنيين ويقتلهم بلا عقيدة، انهارت الصفوف الثالثة والرابعة من الجيش انهياراً معنوياً، لا بسبب الهزيمة ولكن بسبب النصر المزعوم، بدأوا في تسليم أسلحتهم للثوار وانتصرت الثورة بالنهاية على المدفع، وفكك أقوى جيوش المنطقة نفسه بنفسه. (6) "تخيلى زوجك يكون نازل مظاهرته كالعادة، وف عز الاشتباكات تلاقى رقمه بيتصل بيكى. وصوت غير صوته اللى بيرد .. حد بيشتمك بأبشع الألفاظ ويقولك إحنا ضربنا زوجك وبهدلناه وقتلناه برصاصة فى عينه .. ويقفل السكة ف وشك وكل ما تحاولى تتصلى تانى، يرد عليكى ويشتمك ويعملك عذاب نفسى لحد ما يقفل موبايله والمفروض إنك تنزلى تتدورى عليه ف المستشفيات وتكلمى اللى كانوا معاه عشان تحاولى توصليله وإحساس جواكى بيحاول ينكر الخبر إن موبايله أكيد وقع منه وحد من البلطجية أخده وبيلعب بينا نفسيا وفى الآخر بعد لف ف الشوارع والمستشفيات الميدانية والعامة .. يكون استشهد فعلا .. برصاصة فى عينه" من تدوينة لأسماء محسن تذكر بها شهادة زوجة الشهيد محمود الكردي. (7) لماذا يقمع الأمن المظاهرات بتلك الطريقة؟ لاحظت أن الإعلام تصيغ الأخبار بطريقة أن كل المظاهرات التي تم قمعها اليوم تنتمي لجماعة الإخوان الإرهابية على حد قولهم، حتى أنهم ذكروا المظاهرات الثلاث تلك وذكروا أن الجماعة الإرهابية قامت بتنظيمها. تلك هي النقطة إذن، النظام يشعر بخطورة أن يتواجد فصيل ثوري لا ينتمي للإخوان في الشارع، هم يستخدمون العنف المفرط بحجة مكافحة الإرهاب، ويصدرون للناس بأن من يعارضهم هم فقط أعضاء الجماعة الإرهابية وبذلك يصبح مكافحتهم واجبة، ويشعر من يتابع الموقف من الخارج أن خارطة الطريق غير واضحة المعالم مطلباً يحمل إجماعاً وطنياً لا خلاف عليه، اللهم إلا من جماعة إرهابية شقت الإجماع الوطني وخرجت عليه. لذلك لابد من إسكات تلك الأصوات التي تفشل تلك الخطة، ناهيك على أن قمع الأصوات المعارضة بالطبع سمة أساسية تتحلى بها السلطات الفاشية. الأمر الآخر والأكثر خطورة هو أن توريط الأمن والجيش في بعض الأحيان في تلك المذابح قد يؤدي إلى انهيار تلك المؤسسات بشكل كامل وتفكك نفسها بنفسها كما حدث في إيران وفي 28 يناير 2011. إذن يبدو أنه لا حل سوى التواجد بالشارع من خلال جبهات غير محسوبة على فصيل سياسي معين يبرر قمعها لدى الشعب. ولنتذكر دائما تلك الملحوظة: تلك المسيرات بلا إخوان.