•علينا أن نعتمد على الطاقة الشمسية والرياح فى توفير 50% من احتياجاتنا.. و10% من الفحم.. والباقى غاز طبيعى •يجب وضع استراتيجية للطاقة حتى 2030 •لولا المساعدات الخليجية لعانينا من أزمات الوقود تدور أحاديث المسئولين عن قطاع الطاقة المصرى حاليا حول التدابير اللازمة لتجنب أزمة انقطاع الكهرباء الناتجة عن نقص الغاز خلال الصيف المقبل. وتحاول الحكومة الحالية الإسراع فى عمليات استيراد الغاز، بالإضافة إلى الحصول على موافقة وزارة البيئة على استخدام الفحم كوقود للصناعة، لتوفير الغاز المستخدم لمحطات الكهرباء، الا ان العديد من المسئولين يتوقعون ان تمر البلاد خلال الصيف المقبل بأزمة انقطاع الكهرباء مرة أخرى.. «الشروق» حاورت محمد شعيب الخبير البترولى ورئيس الشركة القابضة للغازات الاسبق، ليطرح رؤيته حول السياسات المطلوبة لحل الأزمة. «نواجه فى مصر أزمات كثيرة سببها الأساسى عدم اعترافنا بالمشكلة، وعدم تحديدنا لحجمها، وعدم قدرتنا على مواجهة الشعب بالحقيقة، وطلب مساعدته فى تطبيق الحلول التى نقترحها عليه»، هكذا بدأ محمد شعيب حديثه مع «الشروق» حول أزمة الطاقة الكبيرة التى تشهدها البلاد، والتى تنعكس بأشكال كثيرة على الاقتصاد المتأزم حاليا، وعلى إمكانيات نموه فى المستقبل القريب. فلولا المساعدات الخليجية، لكانت مصر ستتعرض لأزمة فى الوقود والكهرباء خلال الصيف الماضى، كما يؤكد الرئيس السابق للشركة القابضة للغازات، «لكن الدول العربية لا يمكنها إمداد مصر بالوقود إلى الأبد». وكانت كل من السعودية والإمارات والكويت قد قدمت مساعدات بترولية لمصر منذ يوليو الماضى، عقب الإطاحة بالرئيس المعزول محمد مرسى، ساهمت فى وقف أزمات نقص الوقود التى تكررت بشكل أكبر من المعتاد فى السنوات الأخيرة خلال النصف الأول من 2013، كما ساعدت فى تقليل العبء على الكهرباء بتوفير كميات من السولار لتشغيل المحطات. «ربنا سترها الصيف الماضى، لكن ماذا سنفعل هذا العام؟ فمازلنا فى الشتاء ومع ذلك هناك تخفيض للطاقات الكهربائية»، يتساءل شعيب، معتبرا ان القدرة الإلهية تدخلت لتخفض حرارة الجو نسبيا فى صيف 2013، بالإضافة لخروج مظاهرات متتالية منذ نهاية يونيو الماضى، ساهمت فى خفض الاستهلاك. «الواقع يشير إلى أننا سنتعرض إلى أزمة نقص فى الطاقة خلال السنوات المقبلة إذا لم نجد حلا، وعلى الحكومة الحالية أن تصارح الشعب بحقيقة الأزمة، وتضع رؤية طويلة الأجل لموارد واستخدامات الطاقة حتى عام 2030، وتعرض تلك الاستراتيجية على الناس ليشاركوها القرار»، هذا ما يراه محمد شعيب الطريق الوحيد للخروج من المأزق الحالى. توليفة غير مناسبة ويمثل الغاز الطبيعى والمواد البترولية نحو 90% من توليفة الطاقة المستخدمة فى مصر، وهذا يخالف المتبع فى كثير من دول العالم، كما يقول الرئيس السابق للقابضة للغازات، «يجب ان تعتمد استراتيجية الطاقة المطلوبة على مصادر متعددة، تشمل كل انواع الطاقة الأولية مثل الشمس والرياح والمواد البترولية، كما تشمل الفحم الذى يمكن استيراده بأسعار منخفضة، مع مراعاة الاشتراطات البيئية التى تحددها وزارة البيئة لاستخدامه». ويرى شعيب انه من المفترض أن تمثل الطاقة الشمسية والرياح نسبة 45 إلى 50% من إجمالى الطاقة المولدة فى مصر، على ان يمثل الفحم ما بين 10% إلى 15%، مؤكدا انه «علينا الاستغناء عن المازوت فى توليد الكهرباء، لأنه يحتوى على 3.5% كبريت، وهو ما يساهم فى زيادة الانبعاثات الكبريتية، بالإضافة لارتفاع سعره مقارنة بالغاز مما يساهم فى ارتفاع تكلفة انتاج الكهرباء والصناعة. ويجب ان تتضمن استراتيجية الطاقة فى مصر تقليلا ملموسا فى استهلاك الوقود عبر وسائل مختلفة، من أهمها التوسع فى توفير وسائل نقل جماعى «محترمة» للمواطنين، كما يرى شعيب، مقترحا إمكانية الاستفادة من رغبة الدول العربية حاليا فى تقديم مساعدات لمصر، عن طريق طلب مساعدتها فى تطوير مشروعات النقل الجماعى. وإذا حدث هذا التطوير فإن «المواطنين سيتركون سياراتهم. ومن سيستخدم السيارة الخاصة به فهو من يستطيع دفع قيمة الوقود بالأسعار الحقيقية غير المدعمة، ويصبح بإمكاننا وقتها زيادة أسعار الوقود، مما يخفض فاتورة دعم المواد البترولية». وهذا يحل مشاكل كثيرة جدا، لأن «معدلات استخدام الطرق ستقل، وكذلك زمن الذهاب للعمل، وكفاءة الناس فى أداء اعمالها ستتحسن، وبالتالى فالنقل الجماعى جزء من الحل، كما يؤكد الرئيس السابق للقابضة للغازات. الغاز وأزمة الكهرباء أعلن وزير الكهرباء أن وزاراته تستطيع توفير نحو 29 ألف ميجاوات من الكهرباء، الا ان المشكلة هى عدم توافر الوقود اللازم، وهناك «فجوة بين انتاج مصر من الغاز وبين الكميات المستهلكة من قبل محطات الكهرباء»، وفقا لشعيب، مشيرا إلى انه حتى لو تم توجيه كامل انتاج مصر من الغاز إلى محطات الكهرباء فلن يكفى، و«لو قرر وزير الكهرباء انتاج نحو 25 ألف ميجاوات يوميا، يتطلب ذلك نحو 5.6 مليار قدم يوميا من الغاز، وهو ما يفوق انتاج مصر». «إذن، هل قمنا باستيراد غاز يكفى للعام الجديد؟ الإجابة لا، لأننا دولة تتأخر فى اتخاذ قراراتها». يقول شعيب، موضحا انه كان ينبغى ان يتخذ قرارا فى موضوع استيراد الغاز منذ السنة الماضية، ليكون جاهزا فى 2014. «لذلك نحن لا نستطيع توفير الغاز اللازم لقطاع الصناعة وقطاع الكهرباء خلال 2014»، وفقا لشعيب، مشيرا إلى ان تأخر الدولة فى اتخاذ قرارات استيراد الغاز من الخارج سيساهم فى وجود عجز خلال الفترة القادمة. ويرى الرئيس السابق ل«إيجاس» أن هناك عدم وضوح من جانب الدولة فى قرارها باستيراد الغاز، معتبرا أنه «لا يوجد مبرر لعدم اتخاذ قرار فورى بالاستيراد، حتى إذا كانت هناك تخوفات لدى المسئولين من أن تتم مقارنة أسعار استيراد الغاز الآن بالأسعار التى يتم بها تصديره، فهذا ليس مبررا، لأن عقود التصدير التى أبرمت فى الماضى تمت فى أوقات تختلف كثيرا عما نحن فيه الآن». ويوضح شعيب أن قطاع البترول قام بإعادة طرح مناقصة إعادة الغاز المسال لصورته الغازية (التغييز) عدة مرات، بينما لم يقم بإعادة طرح مناقصة استيراد الغاز مرة اخرى، «هذا يشير منطقيا إلى ان هناك عقدا مبرما لاستيراد الغاز. وإلا لماذا يتم طرح مناقصة التغييز؟ فإذا لم يكن هناك عقد بالفعل فهذا يعنى ان هناك خطأ». وجدير بالذكر، أن استيراد الغاز من الخارج يكون فى صورة سائلة، إلا أن ضخه فى الشبكة القومية لاستخدامه محليا يتطلب اعادته للصورة الغازية. «فى حالة إقرار الحكومة الحالية لاستيراد الغاز الآن، من الممكن ان يدخل الغاز المستورد إلى السوق المحلية خلال يوليو المقبل، ولكن بكميات أقل مما نحتاجه، وذلك على احسن التقديرات، وسيظل هناك عجز فى الطاقة»، لأن العجز فى كميات الطاقة المطلوبة لتشغيل المصانع ومحطات الكهرباء بكامل طاقتها اكبر من المعلن بكثير، كما يؤكد شعيب. الفحم والطاقة الشمسية يجب أن تراعى الرؤية المتكاملة للطاقة فى مصر البعد الخاص بتقليل الانبعاثات الضارة بالبيئة التى تصدر من حرق الوقود فى الاستخدامات المختلفة، كما يقول شعيب، وذلك عن طريق اتباع سياسات كثيرة منها التوسع فى استخدام الطاقة الشمسية، وإحلال الغاز محل المازوت تماما فى توليد الكهرباء، كما يساهم فيها ايضا التوسع فى وسائل النقل الجماعى. «إذن، عندما تطرح الحكومة الحالية استخدام الفحم للمصانع كثيفة الاستهلاك للطاقة، لتعويض نقص الطاقة، فإن هذا يجب ان يتم من خلال طرح منظومة متكاملة، بحيث يتم تعويض ارتفاع الانبعاثات الخارجة من الفحم من خلال خفض الانبعاثات الناتجة من تطبيق الحلول الأخرى المطروحة»، كما يرى شعيب. ويقترح الرئيس السابق ل«إيجاس» أن تعتمد صناعة الاسمنت فى المنظومة الجديدة للطاقة على استخدام المخلفات فى توليد الطاقة بنسبة 20%، وعلى الفحم بنسبة 80%، معتبرا ان هذا «سيوفر الغاز لمحطات الكهرباء، بدلا من حرق المازوت، الملوث للبيئة والأعلى تكلفة». ويقول شعيب: إن البعض يبالغون فى تخوفهم من الفحم رغم أن وضع الأزمة الحالية فى الطاقة لا يسمح بذلك، معتبرا أنه «على من يرفض الفحم أن يطرح البديل لتوليد الطاقة، خاصة ان احتياجات الكهرباء وحدها من الوقود تزيد على كل انتاجنا من الغاز». ومن جهة اخرى، يتساءل شعيب: «لماذا نعتبر البترول ثروة من عند الله، ولا نعتبر الشمس والرياح ثروة»، مؤكدا انه «على الحكومة الإسراع فى استخدام الطاقة الشمسية، والسماح للقطاع الخاص ببدء انتاج هذا النوع من الطاقة». «بإمكان الدولة تقليل نحو 28% من إجمالى استهلاك الكهرباء من خلال اتخاذ قرار بعدم منح تراخيص لبناء المدن السكنية إذا لم تتضمن سخانات شمسية، وكذلك عدم منح التراخيص الصناعية لغير مستخدمى تلك الطاقة فى علميات التسخين الاولى. أما بالنسبة للمصانع القائمة فيمكن إعطاؤها مهلة للتحول إلى الطاقة الشمسية خلال مدة ما بين 3 إلى 5 سنوات»، يقول لشعيب.