عندما وصل الفريق أول عبدالفتاح السيسى لمنصب وزير الدفاع فى أغسطس 2012 بعد أن أقال الرئيس السابق محمد مرسى وزير دفاعه المشير حسين طنطاوى ورئيس أركانه الفريق سامى عنان، قال بعض من التقوا السيسى، أن المهمة الجديدة الموكلة له هى بداية صعوده لسدة الرئاسة. «الرجل طموحه لا ينتهى عند وزارة الدفاع، واللى يقول غير كده ما يعرفوش»، قال أحد من كانوا قد التقوه قبل توليه حقيبة الدفاع بأشهر قليلة. هذا الطموح كشفه أيضا تسريب لجزء غير مخصص للنشر من حوار صحفى للفريق أول السيسى عندما تحدث عن «حلم حكم مصر»، الذى أصبح أقرب إلى الحقيقة فى ظل شعبيته الكاسحة، التى قال عنها دبلوماسى غربى رفيع فى القاهرة: «إذا ترشح السيسى اليوم سيفوز فى انتخابات نزيهة تماما بأكثر من 70 بالمائة». وتتعدد الروايات بشأن نقطة البداية فى طرح السيسى رئيسا محتملا للبلاد، لكنها تتفق على أن ذلك حدث بعد حوالى شهر من الإطاحة بمرسى. إحدى الروايات المنقولة عن أحد أعضاء حملة تمرد تقول إن شخصية مهمة فى أحد الأجهزة السيادية تحدثت مع هذا العضو ذات مساء، وقال له: «من تظنه الرئيس القادم لمصر، بعد كل الذى جرى» ليتطور الحديث رويدا ليصل بالشاب المعنى ليقول بعد قرابة ساعة: «وهل يمكن أن يرشح السيسى نفسه؟». والرواية الأخرى بحسب مصدر سيادى، جاءت فى لقاء ضم بعض من قيادات المجلس الأعلى للقوات المسلحة عقب شهر من تنحى مرسى لمناقشة مصير البلاد فى ظل الضغوط الدولية، فما كان من أحدهم، إلا أن قال: «المرشح القادم والفائز يجب أن يكون من القوات المسلحة». السيسى نفسه، بحسب أكثر من مصدر مصرى وأجنبى فى مصر، لم يكن يتحدث مطلقا عن أى احتمال لترشحه للرئاسة، بل كان يتحدث دوما عن خارطة الطريق، وتسليم البلاد لسلطة منتخبة بحسب سفير أوروبى التقاه بعد إزاحة مرسى. ويقول مصدر «الشروق» فى حركة تمرد: «لقد كنا نظن أن الفريق سيتحالف مع حمدين صباحى بوصف أن الأخير يحب الجيش ويحترمه، وبوصفه صاحب دور رئيسى فى شغل تمرد والتيار الشعبى». وتقول مصادر سياسية وأخرى تحدثت ل«الشروق» فى مراحل متتالية منذ إزاحة مرسى إن حمدين كان يتصرف بوصفه الرئيس القادم، وأنه كان بصدد الإعداد لحملته الرئاسية فى ذات الوقت الذى كان الحديث قد بدأ يدور حول احتمالات ترشح السيسى للمنصب، دون أن يعلم أحد على وجه اليقين من كان يقف وراء ذلك الطرح. ويقول أحدهم: «عندما قال حمدين لو السيسى ترشح سأدعمه فى صيف 2013 عقب إطاحة مرسى، كان يقول ذلك ظنا منه أن السيسى لن يترشح،وأنه هو المرشح ليس فقط عن التيار الشعبى، ولكن أيضا عن جبهة الإنقاذ التى كانت تقول فى حينه إنه سيكون لها مرشح واحد. وبحسب الدبلوماسى الأوروبى، فإن الحديث داخل الدوئر الدبلوماسية عن مسألة ترشح قائد الجيش للرئاسة بدأ بعد أقل من شهرين من تصدر السيسى للمشهد السياسى فى الثالث من يوليو الماضى. وقال الدبلوماسى الذى رفض الإشارة إلى هويته «قال لى أحد الوزراء المصريين إن هناك قطاعا من ضباط القوات المسلحة الشباب يقترح على السيسى الترشح لأن مصر تواجه الإخوان فى حربهم عليها ويجب أن يكون الرئيس رجلا قويا». ويضيف الدبلوماسى: «بدا الأمر غريبا بعض الشىء فى حينه لأن أحدا لم يكن يتصور أن مصر التى سعت طويلا لأن تقنع العالم بأن إزاحة الرئيس المنتخب بتدخل من القوات المسلحة، لم يكن انقلابا بل كان ثورة شعبية ستجعل قائد الجيش الذى أزاح مرسى هو رئيسها الجديد». ويرى دبلوماسيون غربيون فى القاهرة أن السيسى طرح نفسه زعيما شعبيا بعد أقل من أسبوعين من إزاحة مرسى عندما تحدث مباشرة للشعب، وطلب «التفويض» للحرب على الإرهاب، أثناء كلمته فى حفل تخريج دفعة جديدة من الكلية البحرية فى الإسكندرية، ليعود ويتراجع عن صدارة المشهد بعد الفض القسرى لاعتصامى رابعة العدوية والنهضة، ثم يعود إلى الصدارة بقوة فى احتفالات القوات المسلحة بذكرى حرب أكتوبر ليكون هو بحسب دبلوماسى غربى فى القاهرة «القيصر المتوج للحفل» الذى يتم الاحتفاء به بينما رئيس الجمهورية حتى ولو كان المؤقت يجلس كضيف شرف. بعد هذا اللقاء، يقول مصدر رسمى، ذهبت مجموعة من الشباب للسيسى لتطالبه بأن يكون مرشحا «يقود فى هذه الأوقات الصعبة»، ولم يجب السيسى إلا بالابتسام والحديث الودود ثم أطلق تصريحه «إن شرف تنفيذ رغبة شعب مصر أشرف وأعز من حكم مصر». ويجد السيسى دعما من قطاعات واسعة داخل وخارج مؤسسات الدولة، وبحسب مصادر الشروق، فإن قيادة الأزهر وقيادة الكنيسة كانتا داعمتين بل مباركتين، كما وجد دعما من أقطاب جبهة الإنقاذ بما فى ذلك القيادات الليبرالية المفترض ألا تقبل بحكم رجل عسكرى مهما كانت الظروف. فى الوقت نفسه يجرى السيسى مشاورات مستمرة مع دوائر واسعة من المستشارين داخل المؤسسة العسكرية وخارجها حول قراره النهائى بشأن الترشح للرئاسة فى ظل وجود مبررات قوية تدفعه فى اتجاه الترشح، وأخرى تدفعه فى الاتجاه المعاكس. وإذا كان المعسكر الداعم لترشح السسيسى يبدو قويا بفضل وجود ماكينة إعلامية جبارة تسانده فإن المعسكر المعارض للفكرة ليس هينا، خاصة فى ظل وجود رأى داخل المؤسسة العسكرية يخشى من أن تكون رئاسة السيسى عبئا على الجيش إذا ما تجددت الاحتجاجات الشعبية بسبب الأزمات الاقتصادية المتراكمة أو بسبب لجوء الرئيس القادم إلى اتخاذ قرارات اقتصادية مؤلمة وضرورية. ليس هذا فحسب بل إن هناك إشارات من عواصم خليجية مؤثرة، وكذلك عواصم غربية وبخاصة واشنطن إلى أن المكان الأنسب للسيسى هو قيادة الجيش لأن القوات المسلحة هى الحامى والضامن، وليكن رئيس مصر القادم من يكون، وليظل وعد السيسى بألا يدير ظهره للشعب المصرى وعدا مستحقا للتنفيذ من موقعه على رأس القوات المسلحة، التى كانت كلمتها هى الحاسمة فى تنحى مبارك فى 2011، وكذلك فى قرار عزل مرسى فى 2013.