لن يتخيل معظم المصريين حجم التنوع الحياتى المنتشر على أرض مصر وبمياه نيلها وأمام سواحلها البحرية والتى تمتد لحوالى ألفين وخمسمائة كيلو متر فكلما ألقيت محاضرة امام طلبة الجامعات والمدارس والنوادى والجمعيات الاجتماعية وبعد سرد تفاصيل هذه الكنوز أواجه نفس السؤال كل مرة وهو هل محاضرتك تخص مصر وهل كل هذه الكائنات مقيمة فعلا بمصر؟ لكن هذا ليس موضوع مقالتى حيث سأشير لتناقضات مؤسفة تجر ببيئتنا الغنية بكنوز هائلة وهبها الله لمصر لتكون خيرا لها إلى هاوية حرماننا من المعونات الدولية وفقد احترام العالم. فالحكومة المصرية تأكيدا لحضارتها ومواكبتها لكل ما تتفق عليه دول العالم والمدونة فى معاهدات واتفاقيات بمنظمة الأممالمتحدة تكون سباقة فى التوقيع والتعهد بالالتزام واحترام مشمول هذه الاتفاقيات وهذا هو المعلن لكن الواقع مناقض تماماً وصادم فعلى سبيل المثال البحر الأحمر يضم اكبر تنوع من اسماك القرش على مستوى بحار العالم حوالى اربعة وأربعين نوعا. ••• الحوادث النادرة والشاذة الخاصة بهجمات القروش على السابحين امام سواحل جنوبسيناء والتى صدمت العاملين فى صناعة السياحة لتوابعها السلبية على التدفق السياحى لهذا القطاع والذى جذب استثمارات هائلة خلال الخمسة والثلاثين عاما الماضية وما تلى ذلك من فزعة إعلامية للأسف جاهلة تماماً بهذا المجال وإعلان مؤسسة حكومية عن اختراع جهاز لإبادة القروش وهو ما أثار استهجانا دوليا واسعا نظرا لتوابع هذه التصرفات على الإخلال الخطير بتوازن الحياة البحرية فالقروش لها دور أساسى ومهم فى سلسلة الحياة البحرية وهو ما دفع خبراء سياحة الغوص والنشاطات البحرية استدعاء علماء وخبراء دوليين متخصصين فى مجال اسماك القرش عاداتها وتصرفاتها والذين قاموا بمسح علمى دقيق على القطاع البحرى امام سواحل جنوبسيناء ليعلنوا ان سبب هذه الهجمات الشاذة وغير العادية هو منظومة الصيد المطبقة تحت إشراف هيئة حكومية والتى تسمح بصيد السمك خلال شهور التزاوج والتكاثر أى خلال الشهور ابريل ومايو ويونية وهو ما يؤدى إلى تناقص المخزون السمكى امام سواحل المحافظة وخلل فى التوازن البيئى وبالتالى تغيير سلوكيات اسماك القرش وهجومها الشاذ على البشر هذا مثال ومثال ثانٍ حديث جدا حدث خلال شهر اكتوبر من العام الماضى حيث أعلنت منظمه السياحة العالمية انطلاق مشروع مسارات هجرة الطيور بالمقاصد وتكوين شبكة لهذه المقاصد المستدامة للطيور المهاجرة والمجتمعات المحلية والسائحين يتم دعمها بهدف التنمية والربط بين السياحة المستدامة والتنوع البيولوجى وتم الإعلان عن اختيار عشرة مواقع على مستوى العالم كمقاصد رئيسية لسياحة مراقبة الطيور وهو النشاط الذى يتضاعف عاما بعد عام واختيار محمية رأس محمد وقطاع شرم الشيخ حيث تهبط فيها مرتين كل عام ملايين الطيور وهو بالتأكيد إعلان يشكل مكسب كبير لمصر إذا تم تفعيله واحترامه. ••• تلى هذه اللمسة والمجاملة الدولية لمصر صدمة مؤسفة حيث قام رئيس الاتحاد الدولى لحماية الطبيعة والتنوع البيولوجى على رأس وفد بمقابلة سفير مصر بألمانيا وذلك خلال شهر ديسمبر ليسلمه التماس موقع من مائة وخمسة عشر ألف شخص يطالبون مصر بحماية الطيور المهاجرة من عمليات الإبادة والصيد غير المشروع والذى تعدى حسب تقديراتهم أكثر من ستين مليون طائر متنوع خلال مرورها فى رحلتيها للهجرة من أوروبا إلى أفريقيا شتاء والعودة صيفا كما تلقى سفيرنا طلبا مماثلا من نواب بالبوندستاج مع بث هذه التفاصيل على شبكات الإنترنت الدولية مذيلة بتعهد معظم الدول بدعم مصر ماديا وبالخبراء للتغلب على هذه الكارثة البيئية المتفاقمة ومع تأكيد هذه الدول ان القوانين المصرية الخاصة بحماية الطيور تعتبر دون شك من أفضل القوانين على مستوى العالم وهو ما يشكل علامات استفهام لا نهاية لها. أخيرا أخبار المذبحة البشعة التى نفذها إخوة سعوديون أواخر شهر ديسمبر الماضى بالظهير الصحراوى لمحافظة البحر الأحمر حيث قتلوا كمًّا ضخما من الكائنات البرية المحظور قانونا صيدها من غزلان وتياتل وكباش ونمس صوروها مذبوحة ومعلقة على سياراتهم وبثوا هذه الصور على الإنترنت للتفاخر والتحدى وهو ما يثير عدة تساؤلات أهمها كيف دخلوا مصر بكل هذه الأسلحة وكيف خرجوا من مصر بجثث هذه الكائنات فإذا كانت هذه الجريمة قد تمت بتصاريح فما الجهة المسئولة اذا كانت وزارة البيئة لا علم لها بدخول وخروج هذه المجموعة والقادمة من دولة تحظر صيد الكائنات البرية بها والعقوبة السجن؟.. فهل سيستمر هذا الحال وهذا التدهور وإبادة هذه النعم التى وهبها الله لمصر مع الإشارة إلى أن المذكور عاليه نبذة من واقع التعامل مع التنوع الحياتى بمصر؟.