أكتب إليكم للتهنئة بعيد الميلاد المجيد، ولشرح الأسباب الحقيقية لامتناعى عن الحضور إلى كنائس مصر الجديدة (كنائس الطوائف المختلفة) وإلى الكاتدرائية المرقسية فى العباسية للمشاركة كمواطن مصرى فى قداس عيد الميلاد وللتضامن معكم وإعلاء قيمة العيش المشترك الذى دوما ما مكنا من التغلب على التوترات والفتن والتمسك بالوطن والتطلع إلى دولة ومجتمع الحقوق المتساوية دون تمييز. أكتب إليكم على أنقل إلى قطاع أوسع منكم، يتجاوز حدود دائرة الأصدقاء، مشاعر الحزن إزاء التزييف المنظم لوعيكم ووعى أقرانكم من المصريات والمصريين المسلمين بشأن الديمقراطية التى مازلت أحلم بها والإحساس بالظلم إزاء حملات التشويه المستمرة لمواقفى ومواقف الأصوات الأخرى المدافعة عن حقوق الإنسان والحريات والتى تبدو اليوم ناجحة فى صرفكم عن الإنصات إلينا والتعاطف مع المبادئ والأفكار التى ندعو إليها. أدرك جيدا أن الكثير منكم ينظر إلى الفترة الممتدة من يناير 2011 إلى يوليو 2013 بكونها لحظة خطر ممتدة تنامى بها عبر صناديق الاستفتاءات والانتخابات نفوذ أحزاب وجماعات اليمين الدينى ذات المواقف الرجعية بشأن مواطنة الحقوق المتساوية وهوية مجتمعنا التعددية والمتسامحة، لحظة خطر ممتدة مرر بها دستور 2012 الذى قارب بين مصر وبين الدولة الدينية وفى المقابل لم تصدر قوانين تناهض الممارسات التمييزية وتقر قيم الحرية والمساواة كإطار فعال للعيش المشترك، لحظة خطر ممتدة استمرت بها الاعتداءات على دور عبادتكم ومنشآتكم وتواصل بها الإفلات من العقاب بغياب المحاسبة العادلة والناجزة للمتورطين فى الاعتداءات هذه، لحظة خطر ممتدة وجد بها رئيس منتخب لم يبذل جهدا حقيقيا لإقناعكم بأنه رئيس لكل المصريات والمصريين ولم يذهب مرة واحدة كرئيس للجمهورية إلى كنيسة مهنئا أو معزيا. أدرك هذا جيدا، وقد يستدعى البعض منكم من الذاكرة معارضتى المتصلة لكل هذه النواقص والظواهر الخطيرة التى عانيتم وعانينا جميعا منها وبحثنا عن بدائل فعالة للقضاء عليها. إلا أن بدائلى، وبالاتساق مع مبادئى وأفكارى وقناعاتى الديمقراطية، كانت ومازالت ترفض الانقلاب على نتائج صناديق الاستفتاءات والانتخابات وتسعى للعمل السياسى السلمى لتغييرها، كانت ومازالت ترفض تدخل الجيش فى السياسة وعودة ممارسات الدولة الأمنية وتبحث عن قوى المجتمع الحية لإسقاط مشروعى الفاشية الدينية والفاشية العسكرية-الأمنية، كانت ومازالت تثق أن دولة ظالمة لن تصل بنا إلى مواطنة الحقوق المتساوية ولن توفر ضمانات لحرياتنا جميعا بل ستنقض عليها تدريجيا. ولكل هذا شاركت فى 30 يونيو 2013، ورفضت 3 يوليو 2013، وعارضت انتهاكات حقوق الإنسان والحريات تجاه اليمين الدينى المعارض على اختلافى الكامل معه، وسجلت رفضى للقمع والقوانين القمعية والنصوص القمعية فى وثيقة 2013 الدستورية، وصبرت ومازلت على حملة تشويهى واغتيالى المعنوى. فالمبادئ والأفكار والقناعات لا تتجزأ، والعدل والحرية والمساواة أحق أن يتبعوا ولو بسباحة ضد تيار أغلبية يزيف وعيها، ولنا جميعا فى سير الرسل والأنبياء والمصلحين الاجتماعيين قديما وحديثا الكثير من العبر والدروس. أدرك جيدا أن الكثير منكم، شأنكم شأن أقرانكم من المصريات والمصريين المسلمين، شعر بخوف عظيم وقلق بالغ خلال عام رئاسة الدكتور محمد مرسى ودفعته الخطايا الكارثية لجماعة الإخوان إلى البحث عن سبل للارتحال وللعيش فى بلاد أخرى ثم إلى تمنى إزاحة «الجماعة» بأى وسيلة كانت ثم إلى المشاركة فى 30 يونيو وتأييد 3 يوليو 2013 ثم إلى مساندة الترويج لفاشية الكراهية والعقاب الجماعى وانتهاكات حقوق الإنسان والحريات إما تهليلا أو صمتا أو تجاهلا، وتأثرتم فى الحالات جميعا بالأعمال الإرهابية وشواهد العنف الأهلى التى لم ينجح اليمين الدينى المعارض فى إقناع الرأى العام بانقطاع صلته بها وأخافتكم على نحو مشروع على تماسك الدولة والمجتمع. أدرك هذا جيدا، وقد يستدعى البعض منكم تسجيلى كتابة لحواراتى مع أصدقائى الأقباط ومع آخرين التقيتهم فى مناسبات (حزينة للأسف) بشأن الخوف والقلق الذين شعرتم بهما وتداعياتهما. إلا إننى أدعوكم اليوم مخلصا لأن تعيدوا النظر فى أمرين، وأعلم أن صوتى سيكون نشازا بين أصوات مدعى الديمقراطية والليبرالية وحقوق الإنسان والمواطنة الذين جردوا هذه المبادئ من الصدقية بأفعال الأشهر الستة الماضية ومع ذلك يخرجون عليكم اليوم بهالات البطولة والوطنية. الأمر الأول هو أن المطالبة المشروعة بالفصل بين الدين والدولة وبرفض مشاركة الأحزاب ذات الأساس الدينى فى الحياة السياسية وبتجريم أعمال وأفعال المجموعات والأفراد حين يتورطون فى العنف أو التحريض عليه أو فى مناهضة قيم العدل والحرية والمساواة لا تتعارض أبدا مع الوقوف فى وجه فاشية الإقصاء والاستبعاد ومقولات الكراهية واستعداء قطاعات المجتمع على بعضها البعض ولا تتعارض أبدا مع الدفاع عن حقوق وحريات كل المصريات والمصريين بغض النظر عن اختلافات المنطلقات والمواقف. أما الأمر الثانى الذى أدعوكم إلى إعادة النظر به وعل أعياد الميلاد المجيدة مناسبة مواتية لذلك فهو حقيقة أن الدولة الظالمة لا تصنع عدلا للبعض حتى وإن ساندوها، وأن افتراض ديمومتها واستقرارها هو محض خيال ينكره تاريخ البشرية، وأن الصمت على الظلم وانتهاكات الحقوق والحريات بحثا عن الأمن والأمان وتماسك الدولة والمجتمع ليس له إلا أن يودى بكل هذا إلى هاوية سحيقة قد ندفع ثمنا باهضا للخروج منها. تهنئة مخلصة لكم ولرفاق العيش المشترك من المصريات والمصريين المسلمين بمناسبة عيد الميلاد المجيد، ولا أملك إلا مواصلة الحلم بمصر العادلة والديمقراطية والحرة والاجتهاد لتجاوز آلام الظلم ومرارات التشويه.