ظل الحد الأقصى للأجور، قرار يحلم به ملايين المصريين ليس بعد ثورة 25 يناير فحسب، بل قبلها بسنوات، ومنذ صدور قرار بتحديد سقف رواتب كبار العاملين بالدولة، لم يهدأ الجدل حول قدرة الحكومة على تفعيل قرارها السابق. المطالبة بحد أقصى للأجور من أهم مطالب ثورة 25 يناير، وكانت من أسباب سقوط نظام مبارك، إلا أن حكومة الببلاوي تناولت حبوب الشجاعة، وأصدرته الأربعاء الماضي بموجب 35 ضعف الحد الأدنى لكل مؤسسة، ما يعني تقديريًّا أنه سيبلغ 42 ألف جنيه، وهو 35 ضعف الحد الأدنى البالغ 1200 جنيه، على أن يتم العمل به بدءًا من يناير 2014 دون أثر رجعي. جيهان عبد الرحمن، القائمة بأعمال رئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، قالت: إن مجلس الوزراء لم يرسل القواعد التنفيذية لتطبيق الحد الأقصى للأجور للجهاز، تمهيدًا لتطبيقها، مضيفة أن مجلس الوزراء يعمل حاليًّا بالاشتراك مع وزارة المالية على آليات التطبيق. وذكرت جيهان عبد الرحمن أنه سيتم تطبيق الحد الأقصى على الوظائف القيادية بداية من درجة مدير عام بالجهاز الإداري للدولة إلى درجة وزير، مؤكدة أن كل من يتقاضى راتبه عبر استمارة أجر شهري حكومية سيكون تحت طائلة التطبيق. كلام «عبد الرحمن» عن عدم وجود آلية لتطبيق قرار الحد الأقصى دفعنا للتقصي عن مدى إمكانية تطبيق القرار، ومدى جدواه من الناحية الاقتصادية، والعراقيل التي قد تواجه تطبيقه. عمر الشنيطي، الخبير الاقتصادي، وصف القرار ب«الإيجابي» واعتبره «بادرة جيدة»؛ لأنه مطلب من مطالب الثورة، لكنه أكد أن المشكلة هي عدم وضوح آلية التطبيق، وعدم الإجابة على تساؤل بشأن مدى شمول قرار الحد الأقصى للأجر الهيئات القضائية والجيش والشرطة والهيئات البترولية، أم لا؟! «تطبيق الحد الأقصى للأجور شامل جميع العاملين بالجهاز الإداري للدولة، بحيث يشمل العاملين في وزارة الدفاع والداخلية والهيئات القضائية والجامعات كونهم تابعين لمؤسسات الدولة»، هكذا تحدث شريف شوقي، المستشار الإعلامي لرئاسة مجلس الوزراء في تصريحات صحفية عقب صدور القرار، ورغم ذلك لا يزال الجدل دائرًا. وتساءل «الشنيطي» عن كم التوفير الذي سيحققه تطبيق الحد الأقصى.. وهل سيتناسب مع الزيادة في الإنفاق التي ستحدث عند تطبيق الحد الأدنى؟ وقلل من خوفه من هروب بعض القيادات من مناصبها، بسبب تقليص الأجر الذي سيحدث؛ لأن احتمالية تطبيق القرار عليهم ضعيفة، وتحديدًا أن العدد الذي سيطبق عليه القرار قليل، بسبب وجود وزارات خارج الوزارات الجدلية، ليس فيها من يطبق عليه القرار، مؤكدًا أن القرار لو لم يطبق على الهيئات الجدلية سيصبح «نقطة سلبية». مجدي صبحي، الخبير الاقتصادي ونائب مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، رأى أيضًا أن القرار إيجابي في حد ذاته؛ لأنها أول مرة يتم تطبيقه، والتوفير منه سيساعد على تطبيق الحد الأدنى للأجور. وأشار إلى أن المشكلة الرئيسية هي تقدير هذا الحد.. هل هو 35 ضعف الحد الأدنى للأجور بمعنى الأجر أي الراتب الأساسي أم الحد الأدنى للدخل، راتب أساسي وحوافز؟ ولفت إلى أن إشكاليات إعفاءات قطاعات بعينها من القرار، وتكلفة استبعاد هذه القطاعات، ومفهوم «العاملين» وهل يشمل القيادات، جميعها أمور سلبية تواجه تطبيق القرار، وتحتاج للتوضيح في الأيام القادمة. وتوقع رفض قيادات القضاء والجيش والشرطة القرار؛ لأن دخلهم الحالي أكبر من ذلك بكثير، مؤكدًا أن الناس ستراقب بشدة تطبيق الحد الأقصى، والموضوع لن يكون سهلا. وأنهى حديثه بأن المشكلة ستكون بين الحكومة والعاملين بالقطاعات التي قد تُعفى من ناحية وبين الحكومة والعاملين في باقي القطاعات من ناحية أخرى، وستكون «أزمة سياسية أكثر منها مالية».